الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم الشعور بلذة الطاعة والبعد عن الله، أسبابه وعلاجه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

أنا شاب أعاني من عدة مشاكل، أولها مشاكل إيمانية، وثانيها مشاكل صحية، مشاكلي الإيمانية تتلخص في أن إيماني قد أصبح ضعيفاً جداً، لا أدري ما السبب، لكنني متضايق جداً، لا أجد لذة في الصلاة، أشعر كأنني أؤدي حركات فقط! لم يعد حفظي للقرآن جيداً، نسيت الكثير منه، ولا أجد لذة عندما أقرؤه، صوتي كان جميلاً عندما أقرؤه، لكن الآن فلا، تبت عدة مرات، فلربما يكون هذا بسبب ذنب ما، لكن حتى توبتي لم تعد كالسابق، كنت أبكي لكنني لم أعد كذلك! أشعر أن قلبي تحجـّر وأصبح صلباً، مع أنني شاب ملتزم.
مشاكلي الصحية هي أن لون المني لم يعد أبيض، وكنت أمارس العادة السرية، لكنني الآن تبت منها -ولله الحمد- وصار لونه يميل إلى الأصفر، ولا أدري ما السبب، وهل هناك علاج؟ ويا حبذا لو كان العلاج من المواد الغذائية الموجودة في البيت، لأنني لا أريد أن يعرف أهلي بشأني.

أرجو منكم إفادتي، وأن تدعو لي بظهر الغيب بصلاح القلب، وأن أعود أفضل مما كنت عليه.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك أحب أن أقول لك بداية حفظك الله ورعاك: لقد وضع الله عدة قوانين في كلامه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هذه القواعد الكبرى هي التي يكون عليها مدار الدين، ومن هذه القواعد قاعدة الجزاء من جنس العمل، وأقصد بهذه القاعدة أن الله -جل جلاله- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولذلك كما ذكر أبو سليمان الداراني: (من صفَّى صُفّي له، ومن كَدَّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يُكال للعبد بما كال).

يقول الحق -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، [الرعد:11]، عندما كنت مستقيماً على طاعة الله حريصاً على البعد عن معصية الله تعالى كانت عناية الله تشملك، وكانت رعاية الله تكلؤك، وكنت في أحسن حال، وكنت آمناً مستقراً سعيداً، ولكن عندما خالفت أمر الله تعالى وارتكبت الذنوب التي حرمها الله عليك، أنت الذي غيرت يا ابني الكريم (عمر) من الأحسن للأسوأ، ولذلك ترتب عليه أن حُرمت هذه النعم العظيمة التي كنت تتمتع بها من حيث إيمانك العظيم، وكذلك لذة الصلاة وحلاوة الصوت في القرآن، هذا كله قد حُرمت منه، وذلك بسبب المعصية؛ لأنه كما ورد في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إياكم والمعاصي، واعلموا أن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه وقد كان هُيئ له).

أنت يا ابني الكريم (عمر) قد غيرت علاقتك مع الله فغير الله وضعك، والحل في يدك، فأنت وحدك القادر على أن تستعيد ما كنت عليه ابني الفاضل عمر، ستقول لي كيف؟ أقول لك: ابحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف؛ لأنه قطعاً لابد وراء هذا التدني أسباب ومسببات عظيمة، والذي يعرف هذه الأسباب هو أنت شخصياً، فأتمنى أن ترجع بذاكرتك إلى الوراء، يوم أن كنت قويًّا في إيمانك، يوم أن قالوا إن صوتك جميل ورائع، يوم كنت تشعر بلذة الصلاة، ما الذي حدث بعد ذلك؟ أي ذنب ارتكبته حتى أدى بك إلى هذا الحرمان في هذه المجالات الرائعة، حتى إنك أصبحت تشعر بأن قلبك أصبح حجراً صلباً، رغم أنك في الظاهر ملتزم؟

ابني الفاضل (عمر) أنت الوحيد القادر على تحديد العلة والمرض الذي أصابك، وأنت الوحيد القادر على أن تتخلص منه؛ لأن الله تعالى وضع هذه القاعدة الكبيرة في دينه: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، [الرعد:11]، فأنت عندما كنت على الطاعة والعبادة أقبل الله عليك بهذه النعم العظيمة، وعندما خالفت أمر الله وارتكبت ما حرم الله حرمك الله تبارك وتعالى هذه النعم، ولذلك كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعتمك) لماذا كان يستعيذ النبي -عليه الصلاة والسلام بالله من ذلك؟
لأن هذا التغير وارد جداً، وأنت تعلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صاحب أعظم إيمان عرفته السماوات والأرض، وهو أعلم الناس بالله وأحب الناس إلى الله، كان أكثر دعائه: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وكان من دعاء عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في يوم عرفة: (اللهم لا تسلبني من الإسلام ولا تسلب الإسلام مني)، أي: لا تحرمني من الإسلام ولا تحرم الإسلام مني؛ لأنه من الممكن أن يُصبح على الإسلام وقد خرج الإيمان من قلبه كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل).

أريدك أن تنتبه لخطورة ما أنت عليه الآن، وأن تعلم أنه لا بد من إنقاذ سريع وعاجل، وأن هذا الإنقاذ بيدك أنت وحدك، لا يوجد هناك أحد قادر على ذلك إلا أنت، فخذ قراراً -بارك الله فيك- أولاً: بالرجوع بذاكرتك إلى الوراء لمعرفة تاريخ هذا التدني، ثم الأسباب التي أدت إليه، ثم عليك بعد ذلك وضع خطة للقضاء على تلك الأسباب بكل ما أوتيت من قوة وعزم، ثم بعد ذلك عليك بالبدء فوراً في عملية التغيير والعودة إلى ما كنت عليه.

عليك أيضاً بكثرة الاستغفار وكثرة التوبة إلى الله -تبارك وتعالى- يومياً، عشرات، بل مئات المرات، كذلك أيضاً أوصيك بالصلاة على النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، كما أوصيك -ابني الكريم عمر- بالإكثار من الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يعيد إليك هذه النعم التي فقدتها؛ لأن الله تبارك وتعالى كما تعلم أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، كما قال سبحانه: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، [البقرة:186]، وقال أيضاً: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، [غافر:60]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، ويقول -عليه صلوات ربي وسلامه-: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).

فعليك بالدعاء مع الاستغفار والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتوبة، والبدء فوراً في عملية التنفيذ، ثم بعد ذلك معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التدني، ومعرفة تاريخ هذا التدني، وبذلك -بإذن الله تعالى- سوف تستطيع أن تنقذ نفسك وتعود إلى حال أفضل مما كنت عليه؛ لأن الله تبارك وتعالى وعدنا بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، [الرعد:11]، فإذا كانوا في نعمة وأمن وأمان واستقرار وكانوا صالحين، فإن الله لن يغير عليهم ولن يسلبهم هذه النعم، كما قال تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، [الأنفال:53]، كذلك أيضاً إذا كانوا في فقر وشدة وفاقة وتوجهوا إلى الله -عز وجل- بالدعاء، فإن الله سبحانه وتعالى سوف يغير حالهم إذا ما اتقوه ورجعوا إليه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، [الطلاق:2-3].

عليك أن تبحث كما ذكرت لك في تاريخ هذا التدني، والمكان والأسباب التي أدت إلى ذلك، وهذه المسألة ضرورية جدًّا، قد تصاحب بعض الناس وهذا هو الذي أدى إلى هذه الانتكاسة، قد يكون بعضهم حسدك، قد يكون أحدهم حقد عليك، قد يكون بعضهم حاول أن يضيع وقتك وأن يفسد عليك علاقتك مع الله، بأن يتواجد معك بصفة كبيرة حتى لا تجد فرصة للذكر ولا الدعاء ولا غير ذلك.
أتمنى أن تحصر هذه الأشياء التي أشرت عليك بها، وأنا واثق من أنك سوف تتحسن - بإذن الله عز وجل- ويكون حالك في أحسن حال، وإني لأدعو الله تعالى أن ييسر أمرك وأن يغفر ذنبك وأن يستر عيبك، وأن يمنَّ عليك بإيمان يباشر ويغمر قلبك.
الشيخ: موافي عزب.
-----------------------------------------------
ولإكمال الإجابة على سؤالك فقد قمنا بتحويله على المستشار الطبي، والذي أفاد بالتالي:

تغير لون المني للأصفر قد يعني وجود التهابات أو نسبة خلايا صديدية بالمني، ولكن أيضاً قد لا يكون هناك أي مشكلة، ويكون الأمر مجرد توهم منك فقط وليس مرضاً محدداً، والفيصل في هذا يكون بعمل تحليل سائل منوي، ومعرفة النتيجة.

ولا داعي للقلق من هذا الأمر، وعليك بالبعد عن العادة السرية، والحرص على الرياضة المنتظمة، والتغذية المتكاملة، ومع الوقت سوف تعود كل الأمور لطبيعتها -بإذن الله-.

والله الموفق.

د. إبراهيم زهران.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً