الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التنشئة القاسية ودورها في الاكتئاب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.
أحييكم وأحيي جهودكم المباركة.
لدي مشكلة، وأرجو أن ترعوها اهتمامكم؛ لأنها مهمة جداً وحساسة، فلربما أنقذتم شخصاً من شفير الهاوية.
في البداية لابد أن تعرفوا جانباً من حياتي الاجتماعية والسلوكية:
أنا شاب في العشرينيات من عمري، نشأت في بيت كله عنف وقسوة، والدي مغترب ولا أراه إلا شهراً كل عامين، أتعرض في طفولتي للضرب والإهانة والاستحقار والسب والشتم بشكل شبه يومي من قبل أخي الكبير، والذي كان وقتها ولي أمرنا.
في طفولتي أصبحت أخاف من أخي خوفاً شديداً ولا أستطيع أن أتكلم عنده بكلمة واحدة، واستمر هذا الخوف حتى سن العشرين.
تعرضت لاعتداءات جسدية وجنسية خارج المنزل في سن السادسة وما بعدها من أناس أعمارهم فوق الثلاثين، لم أستطع أبداً أن أبوح بما حصل لي خوفاً من أخي، استمرت قسوة أخي وسطوته على رقبتي حتى سن عشرين سنة، بدأت في ممارسة سلوكيات سيئة منذ سن الثالثة عشر تقريباً، وما زلت مستمراً في بعضها.
أعيش في قرية ومجتمع قبلي لا يعرف شيئاً اسمه مشكلة نفسية، ولا يراعي الظروف النفسية، بالرغم من أن أخي الكبير بدأ من وقت قريب يجاملني في الكلام والمعاملة، لكنه ما زال يؤذيني نفسياً، لا أتناول المخدرات ولا الدخان، وليس لدي سوابق جنائية، وأنا محافظ على صلاتي ولم أتزوج بعد.
المشكلة:
في الطفولة لم أحس أبداً بأن هناك مشكلة، وإنما ظهرت في المتوسط والثانوي، وأول شيء ظهر هو الرجفة عند التحدث أو القراءة أمام الناس، ثم تتابعت الأعراض، الخوف، ورجفة الصدر عند التحدث ولو أمام شخص واحد ولو كان أبي أو أمي، سرعة الغضب، وعند الغضب أفقد السيطرة على أعصابي، وأفقد القدرة على التفكير والكلام، وتنتابني أيضاً رجفة.
عند وقوعي في موقف محرج أفقد القدرة على التفكير والكلام؛ مما يمنعني من الدفاع عن نفسي، وإذا فعلت وتكلمت يبدو كلامي وكأني أبكي؛ مما يظهرني في موقف الضعيف والمستكين، أكره النقد والمدح أيضاً، لا أحب الاجتماعات، ولا أحب تكوين الصداقات، أصبحت ضعيف الشخصية، وليس لدي القدرة على إثبات وجودي.
أحس بأني فاشل اجتماعياً، وأفضل الهروب من الناس وعدم مواجهتهم، هذه المشاكل تسببت في مشاكل أخرى.
أصبحت كثير الشكوك حتى في أقرب الناس إليّ، ولا أثق في أي إنسان، ولا أبوح بأسراري ولا همومي لأي مخلوق، كرهت المدرسة؛ لأن فيها تجمعات وفيها صنوف الإحراجات والانتقادات، وكذلك حلقات التحفيظ، تأخرت دراسياً وقد كنت من المتفوقين، خسرت معظم أصدقائي، كرهت أخي الكبير كرهاً شديداً، وأفكر أن أجعله البوابة لإنهاء حياتي -المنتهية أصلاً- اعتزلت معظم الناس إلا قلائل ممن أحس بأنهم يتفهمون وضعي.
أدمنت النت؛ لأنه المتنفس الوحيد الذي أستطيع أن أعبر فيه عن رأيي بكل حرية بدون انتقادات ولا إحراجات، أكره من يتسبب في إحراجي إلى درجة الحقد ولو كان أقرب قريب، أريد حلاً.
بالرغم من أني حاولت تغيير الواقع قمت بتغيير بيئتي، والتزمت واعتكفت في المسجد، وتركت السلوكيات السيئة، إلا أني لم أشعر بأي تحسن إطلاقاً، فهل هذه مشكلة مزمنة؟ وهل القسوة هي السبب وراء مشكلتي، أم السلوكيات السيئة، أم الاعتداءات أم ماذا؟
لابد أن أعالج هذه المشكلة أو أموت، أنا لا أريد أن أقضي حياتي وحيداً، ولا أريد أن أكون ضعيف الشخصية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Hassas حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قرأت رسالتك وكل سطر فيها بكل تمعن وتدبر، وأقول لك: نحن نعترف تماماً أنك تواجه مشكلة نفسية تمثلت في عدم القدرة على التكيّف وعدم القدرة على التواؤم، وهذا ظهر في شكل اكتئاب نفسي من الدرجة المتوسطة.
وبالنسبة لأسبابه لا نستطيع أن نقول أن هنالك أسباباً واضحة، ولكن نقول: إن هنالك عوامل، فموضوع التنشئة والتربية وما تعرضت له من امتهانات وقسوة لا نستطيع أن ننكره أبداً، إنما هو أحد العوامل التي لابد أن نعتبرها، وفي ذات الوقت ربما يكون التكوين النفسي الغريزي لشخصيتك أيضاً قد ساعد على نشوء هذا التفكير السلبي وظهور القلق وبوادر المخاوف الاجتماعية، وكذلك الاكتئاب النفسي.
إذن نستطيع أن نقول: إن هنالك عوامل مهيئة وعومل مرسبة تفاعلت مع بعضها البعض وأعطتنا هذه الصورة الإكلينيكية الاكتئابية الواضحة جدّاً.
أيها الفاضل الكريم: المهم دائماً هو العلاج، وحقيقة لابد أن نتذكر أن كثيراً من الناس قد نشئوا تنشئة خاطئة وقاسية وصعبة جدّاً، ولكن بالرغم من ذلك استطاع هؤلاء أن يعيشوا حياة طيبة مفعمة بالأمل والإيجابية والإنتاجية، والماضي أيّاً كان نوعه وأيّاً كان شكله هو عبارة عن تجربة وعبارة عن خبرة يستفاد منها في الآن وفي الحاضر، وفي المقابل هنالك أناس هُيئت لهم ظروف حياتية طيبة جدّاً في ظاهرها، ولكن في نهاية المطاف تجد أن حياتهم كلها فشل في فشل، ولم يستطيعوا أبداً أن يبنوا مهاراتهم أو يفيدوا أنفسهم أو للآخرين.
أنت لك الآن فرصة عظيمة، أولاً يجب أن تصحح السلوكيات الخاطئة، هذا هو المبدأ الأساسي.
المبدأ الثاني: هو أن تجعل لحياتك معنىً، وذلك بأن تكون مفيداً لنفسك وللآخرين.
المبدأ الثالث: لا تبحث كثيراً عن الأسباب، ولا تعش في الماضي، وتذكر المقارنة التي ذكرتها لك؛ لأن العوامل المرسبة هذه – أي العوامل البيئية الحياتية – ربما تكون عاملاً مساعداً لما حدث لك، ولكن في نفس الوقت هنالك من عاشوا حياة أسوأ مما عشته أنت ولم يحدث لهم ما حدث لك، بل على العكس تماماً حياتهم كلها إيجابية وتفاعلية.
أنت الآن الحمد لله تمتلك المقدرة الجسدية، المقدرة النفسية، أنت في بدايات الشباب، وهي سن الفعالية النفسية والوجدانية والجسدية، ويا أخي الكريم: يجب أن تغير هذا الفكر السلبي ولا تدعه يستحوذ عليك، انطلق انطلاقات إيجابية، أدر وقتك بصورة صحيحة، أن تقضي وقتك في النت لدرجة الإدمان - وهنالك الآن إدمان للنت ويجب أن نحذر من ذلك – هذا لن يفيدك أبداً، نحن في عالم تنافسي، في عالم لابد أن يستفيد الإنسان من طاقاته، ولابد أن يوجه التوجه الصحيح، فأرجو أن تدير وقتك إدارة صحيحة، أرجو أن تكون علاقاتك وصداقاتك مع الصالحين من الناس، وعليك أن تمارس الرياضة، وعليك أن تنضم للجمعيات الثقافية والشبابية والخيرية.
وبالنسبة للحياة القبلية، أنا شخصياً لا أرفض أبداً حياة المجتمعات القبلية، لها تقاليدها ولها أعرافها ولها محاسنها، وإن كانت هنالك بعض العيوب، لكن لا نستطيع أبداً أن نتمرد على واقعنا، بل نتكيف مع ونتعايش معه ونأخذ ما هو إيجابي فيه.
الأمر الآخر: أنا أود أن أبشرك أن مثل حالتك هذه تستجيب للعلاج الدوائي بصورة ممتازة جدّاً، فهنالك بفضل الله تعالى أدوية مضادة للقلق والتوتر والمخاوف أيّاً كان نوعها، ومحسنة للمزاج، والدواء الأفضل الذي أنصحك بتناوله يعرف علمياً باسم (سيرترالين) ويعرف تجارياً باسم (زولفت) أو (لسترال) وهو متوفر في اليمن، ولديه عدة مسميات تجارية أخرى، اسأل عن الدواء تحت مسماه العلمي، ابدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة، وقوة الحبة خمسون مليجراماً، تناولها ليلاً بعد الأكل، وبعد شهر ارفعها إلى حبتين يومياً، يمكنك أن تتناولها بمعدل حبة صباحاً وحبة مساءً أو تتناولها كجرعة واحدة مساءً، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك انتقل إلى الجرعة الوقائية، وهي حبة واحدة ليلاً، تناولها لمدة عام كامل، وهذه ليست مدة طويلة، بعد ذلك اجعلها حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، يتميز هذا الدواء بسلامته وفعاليته، وأنه غير إدماني وأنه غير تعودي.
الحياة فيها خير كثير، والإنسان يجب أن يعيشها بأمل وقوة.
ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول منهج السنة النبوية لعلاج الأمراض النفسية: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003 ).
وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً