الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدمن سابق وأريد التخلص من روح مثقلة بالأوجاع.. فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مدمن سابق، لا أعلم ماذا أقول، إلا أني أتألم إلى درجة لا تحتمل؟! وأريد أن أتخلص من روح مثقلة بالأوجاع، وأريد أن أرى طبيعة الحياة بمنظورها الطبيعي، بعيدا عن تشابكات المشاعر، والعقد التي داخلي!

أريد أن أتخلص من الغضب الذي يصيبني لأسباب تعود إلى أيام الإدمان، عندما كنت في الغيبوبة، عندما كنت لا أعرف معنى الكرامة والرجولة.

أريد أن أملأ تفاصيل حياتي بالمبادئ السامية والقيمة, أريد أن أتخلص من السوء المبطن في داخل كل كلمة أنطق بها، أريد أن أتخلص من الوساوس والشكوك في كل حديث مع أحد.

أريد أن أفرق بين الوهم والحقيقة، بين القيمة وألا شيء، أريد أن أتخلص من مشاعر الغل والحقد التي في أعماقي، وإلى الآن لم أصل إليها!

أريد أن أخرج انفعالاتي، السيئة بالطريقة المستحسنة.

أعتذر، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

قد بدأت قولك بأنك مدمن سابق، وأنا سعدتُ كثيرًا لكلمة (سابق)، فهنالك مدمن سابق، وهنالك منحرف سابق، وهنالك مخطئ سابق، وهكذا، فيا أخي الكريم أنت -الحمد لله تعالى- أقلعت عن التعاطي وأنت -الحمد لله- الآن بدأت حياة جديدة، فكل ما سبق أخي تجبه التوبة، هذا هو المنطلق الحقيقي للتغير وهذا هو الأمل والرجاء.

أخي الكريم: كما تعلم أن الإنسان قد يتخلص من إدمانه، وذلك من خلال التوقف عن التعاطي، ولكن قد تظل بعض أخلاقه الإدمانية معه - أرجو أن تعذرني أيها الأخ الفاضل الكريم، في هذا التعبير، ولكنها هي الحقيقة العلمية-.

لذا نحن ننصح الإخوة المدمنين السابقين، بأن يعتبروا أنفسهم متعافين، والمعافى يتطلب مواصلة الإصرار على الأخذ بالأدوات العلاجية الناجحة، ومنها:

أولاً: الاهتمام بالجانب الديني، أن تكون الصلاة في وقتها، أن تكون الصحبة هي الصحبة الخيرة، أن يأمر الإنسان بالمعروف، أن ينهى عن المنكر، أن يكون مفيدًا لنفسه ولغيره، وأن يصل رحمه، وأن يعمل، وأن يجد وأن يكد.

أخي الكريم: هذا هو مفتاح السعادة الحقيقية والاستقرار النفسي الحقيقي، فأرجو أيها الفاضل الكريم أن تأخذ بهذه الآليات.

ثانيًا: عليك أخي الكريم أن تبحث عن عمل، فالعمل فيه قيمة الرجل، والعمل وسيلة عظيمة لتأهيل الإنسان، ولتفجير طاقاته الجسدية والنفسية والوجدانية، ولبناء مهارات جديدة، وفيه خير كثير وكثير جدًّا.

ثالثًا: هنالك جمعيات تُعرف بجمعيات المدمن المجهول موجودة في كل البلدان، هذه الجمعيات جمعيات فاعلة جدًّا ومفيدة جدًّا للمدمن السابق؛ لأنها تتبع مناهج علاجية، تساعد الإنسان على استمرار التعافي ولمنع الانتكاسة، ومن أجمل ما يتعلمه الإنسان من خلال هذه الجمعيات هو أن يعدل في سلوكه، أن يبدأ نمط حياة جديدة، أن يغير من تفكيره، أن يتعلم كيف يواجه المشاكل، أن يتعلم كيف يتخلص من الغضب.

أخي الكريم: أنصحك بأن تسأل عن هذه الجمعيات في المنطقة التي أنت تعيش فيها، هذه الجمعيات لها عدة مسميات، منها: جمعية المدمن المجهول، وتسمى بجمعية المتعافين، وهي تتبع الطرق أو الخطوات الاثني عشر المعروفة كوسيلة علاجية جماعية فاعلة.

رابعًا: أنصحك بأن تمارس الرياضة، فالرياضة مهمة جدًّا للإنسان، ويتخلص من خلالها الإنسان من كل طاقاته السلبية، ويبني -إن شاء الله تعالى- طاقات إيجابية كثيرة.

أنصحك أيها الأخ الفاضل الكريم أن تنظر إلى الحياة بأمل وإشراق، فأنت قد تخلصت من المشكلة الكبرى، وهي التوقف عن المخدرات، هذا أخي الكريم إنجاز كبير وعظيم، فلا تقلل أبدًا من شأن نفسك، أنت الآن مستبصر، أنت الآن يمكن أن تعيش حياة طبيعية وجميلة جدًّا.

عليك بالتفاؤل، عليك بمناصرة الضعيف، عليك بالاجتهاد وأن تكون مفيدًا لنفسك ولغيرك كما ذكرت لك.

كل ما يعتريك الآن من مشاعر الغل والحقد سوف ينتهي تمامًا إذا اتبعت الآليات السابقة، ويا أخي الكريم: عليك بالرفقة الطيبة، وأنصحك للمرة الثانية والثالثة والرابعة حول هذا الأمر: تغيير نمط الحياة، تغيير البيئة، هذا أخي الكريم يساعد الإنسان كثيرًا في بناء مُثُلٍ وقيم جديدة.

أنصحك أخي الكريم بالانخراط في العمل الاجتماعي والعمل التطوعي والعمل الخيري، فهو يُكسب النفس نوعا من التزكية الخاصة جدًّا، ويزيل الأحقاد ويزيل الأحزان، وفيه خير كثير.

أخي الكريم: الغضب يواجه دائمًا بالتعبير عن الذات ويواجه بالتفريغ النفسي، ويواجه بما ورد في السنة النبوية المطهرة: (لا تغضب، لا تغضب) وإذا غضبت أخي الكريم أو أتتك مشاعر الغضب الأولى فغيّر مكانك، وغيّر وضعك، إن كنت جالسًا فقم، وإن كنت واقفًا فاجلس، وهكذا، اتفل على شقك الأيسر ثلاثًا، توضأ، صل ركعتين، وهذا قد جربه الكثير من الإخوة ووجدوا فيه نفعًا كبيرًا.

أخي الكريم: أنت لست في حاجة لأي علاج دوائي في هذه المرحلة، أرجو أن تطبق ما ذكرناه لك من إرشاد، وأنا سعيد وسعيد جدًّا أن أعرف أنك قد أقلعت عن تعاطي المؤثرات العقلية.

أسأل الله لك العافية والشفاء، وأن يثبتك على الخير، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ويمكنك التواصل معي متى ما رأيت أن ذلك ضروريا.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً