الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعامل مع الناس على حسب جمال وجوههم .

السؤال

السلام عليكم ..

أنا أعاني أنني عندما أرى أي شخص أحكم عليه من شكله، فإذا كان جميلا أتعامل معه، و إن كان غير جميل فلا أستطيع التعامل معه.

أرجو مساعدتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،


فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء. كما نسأله تبارك وتعالى أن يبصرك بالحق، وأن يجعل لك من كل خير نصيب، وأن يرزقك الإنصاف والاعتدال في أمورك كلها.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة - من أنك تعانين عند رؤية أي شخص بأن تحكمي عليه إذا كان جميلاً تتعاملين معه، وإذا كان غير جميل لا تستطيعين التعامل معه، وتقولين بأنك تعانين من هذه المشكلة فعلاً.

وأنا أقول لك - ابنتي الكريمة الفاضلة - إنها بحق مشكلة، وذلك لأن هذه المسألة تفوت عليك مصالح كثيرة، فأنت تعلمين وكما لا يخفى عليك أن نسبة الجمال في الناس متواضعة، إذا كان يوسف عليه السلام وحده قد أخذ نصف جمال العالم، فالدنيا كلها الآن تتقاسم النصف الآخر، هذه المليارات التي تملأ الأرض شرقًا وغربًا كلها تتقاسم هذه البقية الباقية من جمال يوسف عليه السلام، ومعنى ذلك أن نسبة الجمال في الناس قليلة، وبناء على هذا فإنك تفقدين فوائد كثيرة جدًّا في تعاملاتك اليومية نتيجة تركيزك على الذين يتمتعون بقدر من الجمال، فتتعاملين معهم وتستفيدين منهم، أما هذا الكم الهائل من البشر فتحرمين نفسك من الاستفادة منهم نتيجة هذه النظرة الضيقة.

ثانيًا: أيضًا هناك مسألة أخرى وهي أن الجمال أمر نسبي، فالجمال أيضًا ليس محل اتفاق الناس جميعًا، وإنما ما يبدو في عينك جميلاً قد يكون في عين غيرك ليس كذلك، وبهذه الطريقة أيضًا هناك نوع آخر من التمزق وتضييع وتفويت كثير من الفوائد، وعليه فإني أقول: عليك - ابنتي الكريمة الفاضلة - بما ورد في سنة النبي الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام حيث قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) معنى ذلك أنك ينبغي عليك أن تبحثي عن مصلحتك وعن الشيء الذي تبحثين عنه، فإن كان عند أي طرف فعليك أن تستفيدي منه بصرف النظر عن كونه جميلاً أم غير جميل.

من الممكن أيضًا أن تطبقي على عقلك فكرة أن كل شيء جميل وتحاولي أن تجتهدي في تضييق المسافات بين الجميل وغير الجميل، وأن تقنعي عقلك بأن كل مخلوق جميل وبناء على ذلك فلا فرق ما بين هذا وذاك، لأن الله تبارك وتعالى قال: {وصوركم فأحسن صوركم} وقال أيضًا: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} فلو أنك قلت فعلاً بأن كل إنسان جميل لكنت منصفة ومصيبة باعتبار أن الذي خلقه هو الله وخلقه في أحسن صورة، ولكن لو أنك ركزت على الجمال الشكلي فهناك أيضًا مسائل أخرى من الجمال أنت لم تنتبهي لها، فإن جمال الروح وخفة الدم وجمال الخلق هذه أهم من جمال الهيئة والشكل، ولذلك نجد أن معظم البيوتات التي تقوم على الأرض لا تقوم بين اثنين يملكون كمّا كبيرًا أو هائلاً من الجمال، وإنما قد يتزوج الرجل بامرأة متواضعة في الظاهر جدًّا ولكنه يكون معها أسعد إنسان، لأن فيها مقومات السعادة التي ليس منها الجمال، وذلك أيضًا قد تقبل المرأة برجل متواضع الجمال ولكنه يتمتع بالرجولة ويتمتع بنبل خلق ويتمتع بحسن التعامل وسعة الصدر وحلم وأناة وشهامة وغيّرة على عرضه، هذه أفضل بكثير من مسألة الجمال الشكلي.

إذن أقول لك بارك الله فيك: ينبغي عليك فعلاً أن تجتهدي في أن تغيري هذه الفكرة. تقولين كيف؟ أقول لك كما ذكرت الآن: حاولي إقناع عقلك الباطن بأن الله خلق كل شيء جميل، لأن الله جميل يحب الجمال، وكما أشرت لك في الآيتين السابقتين.

الأمر الثاني: انظري إلى مصلحتك أين تكون، فإذا كانت مصلحتك مع غير الجميل فتكلمي مع نفسك وقولي (كيف أفوت هذه المصلحة بسبب أن هذا الإنسان ليس جميلاً؟).

ثالثًا: أن قضية الجمال أيضًا كما ذكرت قضية نسبية، فينبغي عليك أن تتنازلي عن هذا الموقف، بأن تقنعي نفسك بأن هذا الموقف غير صحيح، لأن الجمال الشكلي ليس هو كل شيء، فهناك جمال آخر من نوع آخر ينبغي عليك أن تركزي عليه. فإذن ينبغي عليك أن تقومي بتدمير هذه القاعدة التي في نفسك وهي أن الجمال فقط جمال الصورة، حاولي أن تقاومي هذه الفكرة واجتهدي في أن تبدديها من ذاكرتك، وأقنعي نفسك بأن هناك أيضًا معايير أخرى للجمال تختلف عن هذا الجمال الظاهر وقد تنفع.

رابعًا: أن هذا الجميل قد يكون بخيلاً وقد يكون أنانيًا وقد يكون سيئًا وقد يكون غير مسلم، فكيف بنا نقبل التعامل لمجرد الجمال وننسى هذه المقومات الأخرى التي نحن في أمس الحاجة إلى التعامل مع أصحابها؛ لأن فيهم نفعا عظيما.

إذن بهذه الكيفية بارك الله فيك أعتقد أنك سوف تتحركين من الواقع الذي أنت فيه إلى الواقع الذي ينبغي أن تكوني عليه، واعلمي - ابنتي الكريمة الفاضلة (زينب) - أن التغيير الداخلي لا يكون إلا بقرار من نفس الشخص؛ لأننا نستطيع أن نغير الملابس الخارجية، أن نغيّر النعال والأحذية، نستطيع أن نغير ألوان المنازل، نستطيع أن نغير أصناف الطعام، ولكن لا يستطيع أحد كائنًا من كان أن يركب مركباته النفسية إلا نحن، فإذا لم تقومي أنت بتغيير هذه الفكرة من الداخل ومحاولة القضاء عليها والتغلب عليها فثقي وتأكدي أنه لا يمكن لأي قوة مهما عظمت أن تغير لديك هذه الفكرة.

إذن كما ذكرت لابد من إقناع نفسك بأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وأجمل صورة، وأن هذا الجمال النسبي لا اعتبار له ولا قيمة، وأن تكوني حريصة على مصلحتك وأن مصلحتك مع السواد الأعظم من الناس وليست مع هذه القلة القليلة التي تتمتع بقدر من الجمال. وأيضًا قد يكون الإنسان يتمتع بجمال شكلي ولكنه يتمتع بسوء خلق، وقد تكون فيه أمراض يستحيل أن تستفيدي منه رغم أنه على قدر كبير من الجمال. أيضًا أن نسبة الجمال متواضعة في الناس، ومعنى ذلك أنك ستفوتين على نفسك فرصة كبيرة للتعامل مع أكبر قدر ممكن من خلق الله تعالى الذين يملكون أمورًا كثيرة، وتجارب طيبة بسبب تقييمك لجمالهم بهذه الطريقة.

نسأل الله أن يصلح حالك، وأن يرزقك التقوى.


والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً