الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلقت وانهارت أحلامي.. فهل السبب دعاء بعضنا على بعض؟

السؤال

لقد تغيرت نفسيتي وأخلاقي فجأة، فنحن من عائلة لسانها تعود جبلياً على الدعاء بالشر، حتى ولو بالمزح.

والدي يدعو علينا، ولا أدري قد لا تكون من قلبه؛ لأن هذا كلامه، وتعودنا على ذلك، وهكذا نحن، وأنا الآن طلقت، وشعرت أن كل أحلامي انهارت، ومرة قالت أمي: لأنكم تدعون على بعضكم، ولأن أباكم يدعو بالشر، وهذه عواقبه.

أنا حملت شراً علي وعلى أعدائي، لماذا يدعون علي بالشر؟ وتسببوا لي بهذا، فصارت نفسيتي سيئة، ودائماً أدعو بالشر عليهم من كل قلبي، ولأتفه سبب.

أمسك نفسي عن أمي وأبي وجدتي وإخواني الذين يحسنون التعامل معي فقط، أما بقية إخوتي فلا.

في مرة انتبهت لشيء أن جدتي ووالدي لو أفعل لهم خيراً وأخدمهم ما نطقوا دعوة بالخير، لكن لو قصرت أو غلطت أو تجاهلت لم يقصروا بالدعاء بالشر.

لذلك أنا أريد الدعاء عليهم، وأضعف كثيراً، لكني أمتنع، فهل علي شيء؟ أريد شيئاً يشفي قهري ويرد لي شيئاً مما فات؛ لأنهم تسببوا في مضرتي، ولا يوجد مقابل في حال أني لم أدع عليهم.

افهموني، وأفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به، وأن يعوضك خيرًا مما أخذ منك، ويخلف عليك بالخير كل غائبة من أمرك.

نوصيك -أيتها الكريمة- بإحسان الظن بالله تعالى، وتعليق الأمل به، فهو خير مأمول جل شأنه، ولا يقدر للإنسان إلا ما هو خير له، فهو أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من أمك وأبيك، وأقدر على تحقيق الخير لك، ولكنه سبحانه وتعالى يقدر الأقدار بعلمه، فهو يعلم ونحن لا نعلم، ومن ثم فقد نصاب بالشيء الذي نكرهه ويعلم الله عز وجل أن من ورائه خيرًا لنا، فإذا وصل هذا الأمر إلى قلوبنا وأيقنا به وعقدنا عليه قلوبنا سهل علينا الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، بل وأوصلنا هذا إلى نعيم وجنة الدنيا، فيعيش الإنسان سعيدًا مهما تقلب في المكاره، وقد قال الله تعالى لنا في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

أنت لا تدرين -أيتها الكريمة- أين الخير وتجهلين ما تؤول إليه الأمور، فربما كان في استمرار الزواج شر يضرك فصرفه الله عز وجل عنك بالفراق وأنت لا تعلمين، إلى غير ذلك من الاحتمالات المجهولة التي لا نعرفها، فخذي بالأسباب الشرعية، وفوضي أمرك لله تعالى، ثم ارضي بعد ذلك بقضائه وقدره، وأحسني الظن به، فإنه يعامل الإنسان بمقتضى ظنه به، فقد قال في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء).

نوصيك -أيتها الكريمة- بتقوى الله تعالى والإكثار من استغفاره ومناجاته، وأكثري من دعائه سبحانه وتعالى لنفسك ولأهلك بالخير، لا سيما في أوقات تُرجى فيها الإجابة، كالدعاء حال السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، فحاولي أن تجتهدي في الدعاء لنفسك ولمن تحبين بالخير ولوالديك خصوصًا، فقد أمرنا الله تعالى بالدعاء لهما بقوله سبحانه وتعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا} فآباؤك وأمهاتك وأجدادك وجداتك هم أولى الناس بأن تُكثري من الدعاء لهم بالخير، وكوني على ثقة -أيتها الكريمة- بأنك كلما دعوتِ بالخير للآخرين أوصل الله عز وجل إليك من الخير بمثل هذا الذي تدعين، فقد جاء في الحديث أنه (ما من إنسان يدعو لأخيه في ظهر الغيب بدعوة إلا وملك موكل عند رأسه يقول: آمين ولك بمثل).

أما ما أورثك القلق وأوصلك إلى هذه الحالة النفسية المتردية من وراء دعوات الآخرين عليك بالشر، فاعلمي يقينًا -أيتها الكريمة- أن عادة الإنسان التي جرت من الدعاء على نفسه أو على ولده بالشر في وقت الضجر، اعلمي يقينًا أن الله تعالى برحمته ولطفه لا يستجيب هذه الدعوات، كما أخبرنا تعالى في كتابه الكريم في سورة يونس بقوله: {ولو يُعجّل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} وقال المفسر المشهور ابن كثير – رحمه الله تعالى - : يُخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد وإرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم – والحالة هذه – لطفًا منه ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم وأموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنماء، ولهذا قال: {ولو يعجّل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} أي لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك لأهلكهم.

بهذا تعلمين -أيتها الكريمة- أنه لا ينبغي أن تكثري من الخوف من الدعوات التي يدعو بها الأهل أو ما اعتادت عليهم ألسنتهم، ولكن مع هذا ينبغي نصحهم وتذكيرهم بأن يحاول الإنسان أن يتجنب هذه الدعوات ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، عملاً بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ربما يوافق ساعة يُستجاب فيها الدعاء فيدعو فيستجاب له، ولكن ينبغي لنا إحسان الظن بالله وأنه لا يستجيب لهم ما لم يقصدوا حقيقة ما يدعون به ويسألونه، وهذا من لطفه سبحانه وتعالى ورحمته.

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان، ويرضيك به ويخلف عليك كل غائبة بالخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً