الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب علي أن أدفع مصروفا لزوجتي إذا وفرت لها كل احتياجاتها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشكلة كبيرة بيني وبين زوجتي حول المصروف, أنا راتبي خمسة آلاف ريال سعودي, لا يأتي آخر الشهر وقد بقي منه شيء, وأحياناً يبقى منه 500 أو 1000 ريال, وهي مصرة أن أعطيها مصروفا شهريا يقارب الألف ريال, هي وأبنائي الصغار, وعددهم اثنان لم يتجاوزا سبع سنوات, رغم أنها اشتركت بجمعية أسرية مع خالاتها وأخواتها 300 ريالا شهريا, أدفعها أنا عنها.

سؤالي المهم: كم الواجب علي أن أعطيها من المصروف الشهري هي وأولادي الصغار, حددوا لي المبلغ على قدر راتبي الذي ذكرته لكم بالأعلى؟

علما أني قلت لها: لن أعطيك مصروفا, لكن كل ما احتجت شيئا أخبريني, وأنا سأعطيك قيمته, لكنها رفضت بحجة أنني أذلها أحيانا, ولا أعطيها, وأنا لا أعطيها مصروفا في شراء أشياء تافهة, لسنا بحاجة لها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو نواف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن يُصلح لك زوجك، وأن يرزقها القناعة بما قسمه الله تبارك وتعالى لكما من الرزق، وأن يجعلها عونًا لك على استقرار الأسرة, واستمرار الحياة بعيدًا عن الخلافات والمنازعات، وأن يبارك لكما في الأرزاق والأولاد والأقوات، وأن يجعلك وزوجتك وأبناءك من سعداء الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فلقد قال الله تبارك وتعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قُدر عليه رزقه فليُنفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها}, هذه الآية وضعت لنا قاعدة الإنفاق داخل الأسرة، فإذا كان الرجل قد وسّع الله عليه, وبسط له في رزقه فعليه أن يوسّع على زوجته وأولاده، وأن يعيش معهم في بحبوحة ويسار، وأن يغدق عليهم, ما دام قادرًا على ذلك.

أما إذا كان راتبه ضعيفًا فليس مطالبا بأن يُنفق أكثر من دخله، ولا ينفق إنفاقًا في غير حاجة، وأنت رجل تقول: بأن راتبك في حدود خمسة آلاف ريال, ولا يبقى منه آخر الشهر إلا في حدود الخمسمائة أو ألف ريال، وزوجتك مصرة على أن تعطيها مصروفا شهريا يقارب الألف ريال هي وأبناؤها الصغار.

أنا أقول: ما دمت تنفق -بارك الله فيك- على الأسرة، بمعنى أنك توفر لها الأشياء المطلوبة من طعام وشراب وكسوة وعلاج وغير ذلك، ولا تجعلها في حاجة إلى أي شيء آخر، فأنت لست مطالبا بأن تدفع لزوجتك ولا لأولادك أي شيء، والذي تطلبه امرأتك ليس فيه حق شرعي، لأن الله تعالى جعل المطلوب من الزوج لزوجته إنما هو أن يطعمها مما يطعم, وأن يلبسها مما يلبس, وأن يسكنها حيث ما سكن.

أما مسألة أن يعطيها راتبا شخصيا، فهذا أمر حسب الظروف، فإن كانت الظروف تسمح وأعطيتها فلا مانع، أما إذا كانت الظروف لا تسمح فأنت لست مطالبا أن تعطيها، لا في حالة الغنى, ولا في حالة الفقر أو في حالة التوسط، وإنما لها عليك الطعام والشراب, والكسوة, والسكن, والخدمات التي جرت بها العادة، أما أن تطلب مصروفا شهريا لها شخصيًا، هذا ليس في الإسلام في شيء, وليس من الدين في شيء، وإنما هذا -كما ذكرت لك- حسب ظروف الرجل، إذا كانت ظروفه تسمح وأعطاها شيئا وليس بصفة منتظمة أيضًا، ولكن أحيانًا إذا كان في آخر الشهر توفر عندي مبلغ يمكن أن أعطيها مبلغا من المال على سبيل الهدية، ولكن لا يلزم أن يكون كما لو كان راتبًا شهريًا، لأن هذا أمر ما أنزل الله به من سلطان، وليس له أصل في الشرع، وإنما أصل الشرع الطعام والشراب, والسكن, والنفقة, والملبس, والعلاج، هذه يطالبك بها الشرع, وهي فرض عين عليك، أما مسألة النفقة الخاصة فهذه ليست موجودة.

ولذلك كون زوجتك تقول لك أنك تذلُّها ولا تعطيها, هذا الكلام حقيقة ليس صحيحًا، وهذا الكلام ناقص، لا تُلقِ له بالا، لأن كلامك الأخير كلام رائع، فأنت تقول: (إذا كنت تحتاجين إلى شيء أخبريني وأنا أعطيك قيمته), وهذا كلام رائع، وإذا كانت ظروفك تسمح لا مانع -كما ذكرت- أن تعطيها مائة ريال, مائتي ريال, حسب ما تيسر، خاصة وأنك تدفع لها شهريًا ثلاثمائة ريال للجمعية –الجمعية الأسرية – فمعنى ذلك أنها تأخذ منك كل شهر ثلاثمائة ريال لحسابها الخاص، وهذا شيء طيب -جزاك الله خيرًا عليه، وأثابك الله تعالى عليه-.

أما هل أنت مطالب فعلاً أن تدفع, وأن تقول: (حدد لي المبلغ), لا يوجد هناك مبلغ محدد ولا غير محدد، وإنما المسألة -كما ذكرت لك-أنك لست مطالبا بأن تدفع فلسًا واحدًا أكثر مما تنفقه على الأسرة.

كونك تريد أن تكرمها، فليكن هذا حسب ظروفك، إن كانت لديك سعة أعطيتها شيئًا ، أما أن تعطيها ألف ريال شهريًا بصفة منتظمة, أو أقل, أو أكثر, هذا ليس فيه شيء محدد -أخي الكريم أبو نواف- وإنما كما ذكرت لك هو أمر قائم على التراضي، أنت تعطيها على قدر استطاعتك وظروفك، وينبغي عليها أن تقبل، وإذا جئت شهرًا من الشهور, وقلت لا أستطيع أن أدفع شيئًا, لا ينبغي عليها أن تحزن وتغضب عليك، لأن هذا ليس من حقها، ولا يجوز لها أن تُرهقك بهذه المسائل التي ليس لها فيها حق شرعي، ويجب على المرأة أن تراعي حال زوجها، ويجب على الرجل أيضًا أن يراعي ظروف ونفسية امرأته، وكما ذكرت لك لا مانع أن تعطيها شيئًا بين الحين والآخر، ولو عشر ريالات، ولو مائة ريال، ولو ألف ريال، حسب ظروفك، أما مبلغا محددا هذا كلام لا أصل له في الشرع، وأنت غير مطالب به، وأتمنى أن لا تُلزم نفسك بشيء حتى تظن امرأتك أن هذا من حقها، فإن منعته عنها لأي ظرف انزعجت بل ولعلها تشتكيك إلى غيرك.

اجعل المسائل غير ثابتة، واجعلها حسب الظروف، مرة ومرة، مرة ومرة، حتى لا تتعود عليها, وتظن أن هذا حق من حقوقها الشرعية، ولعلها تشكوك يومًا, وتطلب منك ذلك.

إذن الأمر قائم على التفاهم والحوار، وليس هناك شيء أكثر من ذلك، وأنت غير مطالب بتحديد مبلغ لها لا قليلا ولا كثيرا، وغير مطالب بأن تدفع إليها شيئًا مطلقًا، ما دمت توفر لها الطعام والشراب والكسوة والنفقة المطلوبة، فليس لها حق عندك، ولكن كما ذكرت الترضية، هذه بابها مفتوح، وليس لها حد، وحسب ظروفك، وأسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يصلح لك زوجك، وأن يصلح ما بينكما، وأن يوسع رزقك، وأن يجعلك وزوجتك وأبناءك من سعداء الدنيا والآخرة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً