الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مفهوم الزواج والأفكار الخاطئة عنه بين النساء... وطرق معالجته

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:

وأسعد الله أوقاتكم بطاعته، وغفرانه وكل عام وأنتم بألف خير.
أتمنى منكم الإجابة مع شكري وتقديري لكم.

أنا فتاة متخرجة من الجامعة منذ سنوات، وأنا عاطلة عن العمل، مشكلتي أيها الأفاضل بدأت منذ أن كنت في الصف الرابع الابتدائي.

أخبرت من إحدى قريباتي كيف تكون العلاقة بين الرجل والمرأة بمفهومها العام، ولكم أن تتخيلوا صدمة وصعوبة ما سمعته أذناي تلك اللحظة وأنا أكتب لكم.

(يمر شريط تلك اللحظات الأليمة المخيفة أمام ناظري).

بعد تلك الحادثة تزوجت أحدى قريباتي، وأنا في داخلي لا أعلم كيف أوصف لكم ذلك الإحساس هل هو صدمة أم خوف أم تقزز أم ماذا؟ وكنت أمارس شيئا غريبا لا أعلم ما هو وأنا لازلت طفلة.

واستمريت في ممارستها فترة ليست بالقصيرة، وبعد أن كبرت، وبالتحديد أيام الجامعة علمت أنها العادة السرية.

وبعد تلك الحادثة تألمت كثيرا، خاصة مع فترة البلوغ، ومع ما يصاحبها، من تغيرات وأنا أثناء هذه المرحلة وحدي مع وجود أمي وإخوتي!

أصابني بعدها في الصف الأول الثانوي مرض الوسواس القهري في النظافة والطهارة، والعبادات، وفي أغلب أمور حياتي، وكان أكثر ما يؤلمني وسواس الأفكار الجنسية حتى أصبحت أغتسل لكل فرض، وعرضت جسدي لكثير من المتاعب من آثار الاغتسال والصابون وغيرها.

حتى وأن أصابني ألم، أو احتجت أن أزور طبيبة نسائية لا أستطيع أن أذهب، وأن كنت محتاجة لزيارتها.

وكنت أسمع بعض فتاوى المشايخ عن الوسواس، فيزيد من تعبي ووسوستي بعدها دخلت الصف الثاني الثانوي، والثالث، ولا زال الوسواس، ولكن ليس بقوته تلك، ثم تخرجت ودخلت الجامعة، وتقريبا الوسواس قلت حدته مع الدراسة والاختلاط مع الأشخاص، ولكن وسواس الأفكار الجنسية لا يزال.

بعد تخرجي من الجامعة أشتد الوسواس خاصة في السنوات الأولى من تخرجي، وأصبحت حياتي جحيما لا يطاق بعدها أخذت أستمع لبرامج الطب النفسي.

وأقرأ وأتعلم أكثر عن حالتي، وبعدها جاءت صدمة العمر التي لم تكن في الحسبان أمي تناديني لقد أتى لك خاطب!

وعمري حين ذاك 25 سنة، لقد كنت خلال فترة حياتي تلك لاغية لفكرة الزواج، ولم ولن أفكر فيها للأبد، ومن تلك اللحظة التي سمعت فيها تلك المعلومة وإلى هذه اللحظة لا أعلم سواها.

ولم أعط نفسي الحق في معرفه غيرها حتى وأنا بهذا العمر لم أطالب بالعمل، ولم أذهب لمناسبات الزواج ولم أطالب بشيء، لماذا لكي لا يرانا أحد، وبعدها يتقدم لخطبتي!

أنا الآن إنسانة ضائعة مشتتة ثقتي بنفسي مهزوزة، لا أعلم لي هدفا ولا مستقبلا.

مسألة الزواج، وتقدم الخطاب لي أمر يؤلمني، وجعلني في حالة دائمة من القلق والتوتر.

حتى وأن أصابني ألم أو احتجت أن أزور طبيبة نسائية لا أستطيع أن أذهب، وإن كنت محتاجة لزيارتها.

قد تقترحون على زيارة العيادة النفسية، أنا لا أستطيع لأسباب منها عدم توفر العيادات النفسية بمدينتي أعتذر على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل دقة، وهي رسالة معبرة، ومفعمة بالكثير من الأفكار الهامة، وهذا -إن شاء الله تعالى- يقودنا إلى أن نوجه لك النصح والإرشاد اللازم.

حالتك واضحة جدًّا، فهي وساوس قهرية مستحوذة ومسيطرة، وهي وساوس مكتسبة كما هو واضح، وحقيقة أنت وصفت الأمر بدقة شديدة، تلك الحادثة التي كنتِ عرضة فيها لسماع أشياء غريبة عن العلاقة بين الرجل والمرأة وأنت في سن لا تؤهلك لاستيعاب كل شيء، وبعد ذلك حين تزوجت قريبتك بدأت الأفكار الوسواسية والاجترارات تستحوذ عليك.

أيتها الفاضلة الكريمة: الوساوس دائمًا تأتي للناس في أعز الأشياء لديهم (الدين، الجنس) وهذا النوع من الوساوس مفزع ومؤلم جدًّا، هذه حقيقة علمية يجب أن نتفق عليها، لكني أقول لك أن البشريات كثيرة جدًّا فيما يخص علاج هذه الوساوس.

أنا لن أطلب منك الذهاب إلى طبيبة نفسية، وأقول لك أن الأمر يمكن أن يعالج، أرجو أن تتبعي الآتي:

أولاً: أنت في حاجة ملحة جدًّا لعلاج دوائي، فهذا النوع من الوساوس المستحوذة لا يمكن أبدًا تخفيف حدتها ووطأتها إلا من خلال تناول الأدوية أولاً، وبعد ذلك تبدأ الإجراءات العلاجية السلوكية.

من أفضل الأدوية التي سوف تساعدك كثيرًا هو عقار بروزاك، وهو عقار معروف في أمريكا، ومصدره أمريكا، وهو دواء سليم، لا يحتاج لوصفة طبية.

الجرعة التي تحتاجينها هي الجرعة المتوسطة إلى الجرعة الكبرى. جرعة هذا الدواء هي كبسولة إلى أربع كبسولات في اليوم، وأنت محتاجة لأن تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم، تناوليها بعد الأكل بالتزام شديد، وبعد شهر ارفعي الجرعة إلى كبسولتين، ثم بعد شهر آخر ارفعيها إلى ثلاث كبسولات في اليوم - وهذه هي الجرعة المطلوبة في حالتك - تناولي كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، استمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك خفضيها إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة يومًا بعد يوم لمدة شهر.

البروزاك دواء سليم، فعال، وممتاز، مضاد للقلق والتوترات والمخاوف والوساوس، كما أنه محسن للمزاج، وهو غير إدماني ولا يؤثر على الهرمونات النسائية مطلقًا.

هذا هو خط العلاج الأساسي بالنسبة لحالتك، وحقيقة السبب في العلاج الدوائي وإن كانت الوساوس هي خبرة مكتسبة لكن وجد أن التغيرات التي تحدث في كيمياء الدماغ هي المحرك الرئيسي لهذه الوساوس، ومن ثم ما دام الأمر يتعلق بالكيمياء وبالبيولوجي لا يمكن أن يغيّر إلا من خلال ما هو مضاد، وفي هذه الحالة هو الدواء.

هذا لا يقلل أبدًا من أهمية العلاج السلوكي، فالعلاج السلوكي مطلوب أيضًا، وعليه أرجو أن تستصطحبي العلاج الدوائي بالعلاج السلوكي، وهو أن تحقري هذه الفكرة، فكرة الخوف، وأن ترجعي الأمور إلى طبيعتها البسيطة، وهي أن الله تعالى قد خلق الذكر والأنثى، ويعرف نوعية هذه العلاقة تقوم على التعاضد، على التآزر، وحين يحدث الزواج، الزواج هو مودة وسكينة ورحمة، وأمر غير طبيعي أو مخل حقيقة لا يمكن أن يكون جزءً من حياة الإنسان، فالله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وأحسن تصوير، أحسن تصويره في كل شيء، في شكله، في وضعه، في علاقاته، وحتى إذا نظرنا إلى الأعضاء الجنسية لدى الرجل ولدى المرأة من الناحية التشريحية تجد أن فتحة الولد عند المرأة - وهي الفتحة التي يتم أيضًا من خلالها إيلاج العضو الذكري - هي مكان متسع جدًّا ويستوعب العضو الذكري بكل سهولة، إنما هي الأفكار الخاطئة المكتسبة التي تدور في بعض المجتمعات النسائية، وحتى في بعض مجتمعات الذكور بكل أسف هي التي أضرت بكثير من الناس، وأنت أيتها الفاضلة الكريمة مثال واقع ممتاز حقيقة لما يدور في المجتمعات النسائية من أفكار مخلة.

ديننا يؤدبنا ويمنعنا حقيقة عن الشروع والخوض في هذه المواضيع إلا من مصادرها الصحيحة والعملية، وفي الحيز الذي يتيحه الشرع، وذلك حتى لا يقع الناس فريسة وضحايا لأخطاء وأقاويل ليست سليمة.

أنا أطمئنك جدًّا وأرجو أن تغيري مفهومك حول الزواج، فالزواج هو مودة وسكينة ورحمة، وسلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح.

حقّري هذا الفكر الوسواسي، عيشي حياتك بسعادة، وأنا على ثقة تامة أن الدواء سوف يغير من حياتك تمامًا، وسوف يتم القبول لكل ما كان مرفوضًا، ومن جانبي أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد في كل شيء، وسوف أكون سعيدًا حقيقة أن تتواصلي معنا متى ما رأيت ذلك ضروريًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً