الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس استحوذت علي كلما تخلصت من وسواس تسلط علي آخر

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من وساوس تزعجني, وهي مرتبطة دائما بشيء يتغير من فترة لأخرى, فبدأ معي منذ حوالي ثلاث سنوات تقريبا, وكل فترة يكون في شيء واحد, فيكون تركيزي كله عليه, ويكون خوفي أن أكون مثل هذا الشيء, فمثلا كنت أعاني قرابة السنة من وساوس حول عدم استطاعتي الكلام بصورة جيدة -أي أني لست متكلما جيدا- وأن الناس ترى ذلك -أني لا أتكلم بطريقة جيدة- وكانت كل حياتي محورها واهتمامها أن أكون من أفضل الناس كلاما، ثم بعد ذلك انتقل بي الأمر إلى وسواس آخر وهو أني قبيح الشكل, وكل تركيزي كان على ذلك: هل يراني الناس قبيحا مثل فلان؟ وأبدأ في تحليل كل شيء يحدث لتصديق هذه الفكرة، لا أنتهي من وسواس إلا ووسواس آخر يحل مكانه, ويظهر لي أن الآخر كان وهما, ولكني أصدِّق الذي يليه, ولا أعتبر بالسابق، والآن وسواسي كله كيف أكون رجلا مسئولا؟
وهل يراني الناس هكذا أم يستصغرني الناس؟
وهل يحترمني الناس أم يستهزئون بي كما يستهزئون بفلان؟ وكيف يراني الناس؟

أبدأ في التفكير بكل المواقف التي مرت علي, وتؤكد لي أن الناس تراني صغيرا أو تافها، ولكني -الحمد لله- التزمت منذ حوالي عام بالصلاة والعبادات, وبدأت الآن في إعفاء لحيتي, وهذا أدى إلى تحسن كبير لدي في مواجهة هذه الأفكار -والحمد لله-, ولكن تأتي عليَّ أوقات تزيد عندي هذه الوساوس الخاصة بقوة الشخصية والرجولة, وخاصة إذا رأيت أحدا يفقد هذه الخواص, فتوسوس لي نفسي أني من الممكن أيضا أن أكون مثله, ويمكن أن يفكر الناس فيَّ كما فكرت أنا فيه, وهل عندما أتزوج أستطيع تحمل المسئولية؟
وهل عندما أكون مديرا أستطيع تحمل المسئولية؟
ثم بعد ذلك عندما يحدث لي شيء يثبت أني لست كذلك, وأني فعلا ذو شخصية جيدة -وذلك يكون صعب التصديق- ولكنه يحدث أحيانا, فأكون في مزاج جيد, وأشعر بالثقة الكبيرة بالنفس, ولكن سرعان ما أرى شيئا أو يحدث شيء سواء لي أو لغيري, فأخاف أن أكون أنا أيضا عندي نفس النقص, بل وأصدق ذلك، فهل أنا في حاجة إلى علاج أو إلى دواء مثلا؟

علماً بأني كنت قبل الالتزام أحيانا ما أتناول (التامول) أو (الترامادول), وكنت أشعر بتحسن كبير, وثقة بالنفس عالية, ولكني بعد أن ألتزمت حرمت ذلك الأمر فما هي نصيحتك لي؟

جزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السلفي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الذي ينتابك هو نوع من الوساوس القهرية البسيطة، وأحد خصائص ومميزات وسمات الوساوس أنها تتنقل، أنها قد تكون متغيرة المحتوى، لذا يصف بعض العلماء الوسواس بأنها ذكية، أي أنك تضيِّق عليها من جهة فتأتيك من جهة أخرى، وعمومًا الوسواس بدرجة بسيطة فيها خير للإنسان؛ لأنها تعلمه الانضباط, وتجعله يرتب أفكاره بصورة أفضل، ويجيد ما يود أن ينجزه.

الوساوس من طبيعتها تحمل سمات القلق، وربما يحدث للإنسان شيء من سوء المزاج, أو عسر المزاج حين تسيطر عليه هذه الوساوس، أو حتى حين تبدأ في الاضمحلال, فيبدأ الإنسان يحاسب نفسه (لماذا أتتني هذه الوساوس؟ هل هي ناتجة من ضعف في شخصيتي؟ هل هي منقلة إيماني؟... وهكذا) وأنا أقول لك: إن كل هذا ليس صحيحًا.

الوساوس حالة قلقية منتشرة في زمننا هذا، والنوع الذي تعاني منه أنت نوع بسيط من الوساوس، وكما لاحظت أنك بعد التزامك الديني استطعت أن تؤكد شخصيتك من خلال الدين، وأن يؤكد الإنسان نفسه وشخصيته من خلال شيء ما هذا أحد طرق التخلص من الوساوس, ومن القلق, ومن التوترات؛ لأن تنمية الذات مهمة، وهي جدار حصين ومنيع للتغلب على القلق.

أسأل الله تعالى أن يثبتك, وأن يزيدك علمًا وهدىً وصلاحًا.

من المهم جدًّا -أخي الكريم- أن تنظر إلى الجوانب الإيجابية في نفسك، فحين تقتحم عليك هذه الوساوس دائمًا حقّر فكرتها، استبدلها بفكر مضاد، تذكر ما هو إيجابي، كما أني أنصحك أن تسعى دائمًا لتنظيم وقتك والاستفادة منه بصورة صحيحة، ولا تترك أي مجال للفراغ ليسيطر عليك, وتبدأ هذه الوساوس في تساقطها عليك, واستحواذك فكريًا.

أنا أرى أن تناول علاج دوائي بسيط سوف يفيدك كثيرًا، وهنالك عقار فلوزاك - يعرف هكذا تجاريًا في مصر - والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين), هو دواء جيد وسليم وبسيط, ويحسن المزاج, ويزيل القلق، وإن شاء الله تعالى يُضعف هذا النوع من الوساوس بصورة تامة.

كل الذي تحتاجه هو أن تتناول الفلوزاك بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرين مليجرامًا، تناولها بعد الأكل، واستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء, الدواء سليم, غير إدماني, وغير تعودي، وليس له مضار أبدًا -إن شاء الله تعالى-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً