الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف من كل قول أو فعل أعمله أن يغضب الله مني.

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

مشكلتي بدأت منذ سنة تقريبًا, فقد كنت بعيدة عن الله تقريبًا.

والحمد لله فقد هداني الله, ومن تلك الفترة أصبح الوسواس يسيطر عليّ بالكامل في عدة جوانب:

1. في الوضوء والصلاة.

2. أتأكد أكثر من مرة من وجود محفظة النقود في مكانها.

3. في النظافة الشخصية فقد أصبحت أعيد الاستحمام.

4. أصبحت أتخيل بأن هناك شخصًا يراقبني في العمل, أو في أي مكان أذهب إليه، وحتى عن طريق الهاتف أتخيل أن هناك شخصًا يسمع مكالمتي.

5. أصبحت أكذب نفسي من الكلام الذي أسمعه من الآخرين، وذلك بأن أقول للشخص نفسه: أعد كلامك حتى أتأكد، ما سمعت.

6. أتعب نفسي في معاقبتها أو محاسبتها بما أقوله أو أفعله, فكل قول أو فعل يخيَّل لي أن هذا حرام وخطأ، وأن عليَّ أن أصلي ركعتين وأستغفر, وحتى بعد الاستغفار أعيد الاستغفار .

أصبح الشيطان يعرفني الآن جيدًا؛ فهو يعرف أني أريد الزواج، وأسعى وأطلب وأتوسل في صلاة القيام، وفي السجود حتى يستجيب الله لي؛ فمن ذلك الوقت والشيطان أو الوسواس لا يفارقني, أصبحت أخاف من كل قول أو فعل أعمله أنه خطأ يغضب الله مني .

أنا الآن أسمع صوتًا في داخلي، ولكنه لا يشبه صوت الإنسان؛ فهذا الصوت أصبح يتحكم في تصرفاتي وأفعالي.

هذا الصوت يقول لي: لو لم تطيعي أمك, أو لو تفعلي كذا أو كذا, أو لو فعلت كذا وكذا فسوف يعاقبك الله, ولن يستجيب دعاءك.

أصبحت خائفة من كل شيء حولي, أحاول أن لا أفعل الخطأ حتى لا أسمع هذا الصوت، وهو يذكرني بما أكره أن أسمعه: بأن الله سوف يعاقبني.

ذهبت لشيخ دكتور في الشريعة الإسلامية أيضًا, وقال لي: إني مصابة بمرض الوسواس القهري، وقال لي: الخطوة الأولى من العلاج أن تذهبي لطبيب نفسي, ولكني لا أريد الذهاب لطبيب نفسي, أريد أن أجد الحل, والعلاج من القرآن والسنة، أريد أن أعيش طبيعية مثل أي إنسان آخر.

أصبحت أخاف أن أخرج من المنزل؛ فكل مرة أذهب بها للتسوق، أعلم بأنه سوف يحدث شيء يفسد عليّ خروجي.

قال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) هل هذا الذي أعيشه خير لي وابتلاء من الله؟

أريد الحل، أريد أن أخرج من الهمِّ الذي أنا فيه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت الخليج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله تعالى الذي أنعم عليك بنور الهداية، نسأل الله لك التوفيق والسداد.

كل ما وصفته وبدقة متميزة يحمل سمات الوساوس القهري الشكوكي، وحالتك بالفعل تحتاج للعلاج، والعلاج -بفضل الله تعالى- متوفر، وما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله، وقد أحسن الشيخ الذي نصحك بمقابلة الطبيب النفسي؛ لأن هذا النوع من الوساوس لا يمكن علاجه إلا عن طريق العلاج الدوائي المكثف, وكذلك العلاج السلوكي.

أنت هنا تواصلت معنا من أجل النصح والاسترشاد، وهذا هو النصح والاسترشاد الذي أرى من الضروري جدًّا أن أبدأ به الإجابة عن رسالتك الطيبة هذه.

أنت ذكرت أنك تريدين أن تجدي الحل, والعلاج من القرآن والسنة، نعم الحل والعلاج -إن شاء الله تعالى من القرآن والسنة، والسنة هي التي أمرتنا أن نطرق باب العلاج، خاصة إذا كان هذا العلاج لدى شخص مختص وثقة، ويجب أن تصلي إلى قناعة تامة أن الحكمة ضالة المؤمن, أينما وجدها فهو أحق الناس بها، والمؤمن الكيس الفطن هو الذي يأخذ بما هو خير له من نصحٍ.

هذا النوع من الوساوس -كما ذكرت لك- لا يمكن التخلص منه دون علاج دوائي؛ لأنه متعلق بكيمياء الدماغ، حيث إن مادة الدوبامين والسيروتونين تكون قد تأثرت، وهذه المواد لا يمكن قياسها أثناء الحياة.

دولة البحرين بها الكثير من الإخوة الأطباء النفسيين المختصين، وأنا أعرف جلهم، فأرجو أن تتواصلي مع أحدهم، الدكتور أحمد الأنصاري سيكون -إن شاء الله تعالى- مرشدًا لك، ويصف لك العلاج اللازم.

إن كان من الصعوبة أن تذهبي إلى الطبيب فيمكنني أن أصف لك أدوية أرى أنها مفيدة جدًّا، لكنها تتطلب الالتزام بتناولها بجرعتها, ولمدتها الصحيحة.

عقار بروزاك, والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين), هو دواء مناسب جدًّا، البداية هي كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجرامًا – وتستمرين عليها لمدة ستة أشهر، بعدها يمكن أن تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى.

أما الدواء الثاني: فهو يعرف تجاريًا باسم (رزبريادون), ويعرف علميًا باسم (رزبريادال), والجرعة هي مليجرام واحد، يتم تناولها ليلًا، وبعد شهر ترفع إلى مليجرامين اثنين ليلًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى مليجرام واحد ليلًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى, ثم يتم التوقف عن تناول الدواء، ويستمر العلاج على البروزاك، وتوجد أدوية أخرى بديلة كثيرة، لكن هذه الأدوية ربما تكون هي الأفضل والأحسن.

عمومًا أنا أكثر ميولًا, وأفضِّل أن تذهبي لمقابلة الطبيب النفسي، ومقترح الأدوية الذي ذكرته لك هو أمر تحوطي في حالة أنك لا تودين الذهاب إلى الطبيب النفسي.

العلاجات الأخرى هي العلاجات السلوكية: الوساوس يجب أن تُحقَّر، يجب أن لا تناقش، اعرفي أنها سخيفة، حين تأتيك الفكرة أو الفعل الوسواسي قول:ي (أنت وسواس خبيث، أنت وسواس رخيص، أنا لن أتبعك، لن أناقشك).

كثير من الأخوة والأخوات يلجئون لمناقشة وساوسهم, ويحاولون إخضاعها للمنطق، وهذا ربما يزيد من حدة وشدة ووطأة وتسلط الوساوس واستحواذها.

عمومًا توجد تدريبات سلوكية كثيرة جدًّا معروفة لدى المختصين النفسيين، وهذا سبب آخر يجعلني أقول لك إن الذهاب للمختص مهم جدًّا.

أنا أتفق معك أن مثل هذه العلل هي ابتلاء، وأنت -إن شاء الله تعالى- من المؤمنين, والمقتنعين بالصبر على هذا الابتلاء، ولكن في ذات الوقت يجب أن تأخذي بأسباب العلاج، ويجب أن تقتنعي بها، ولا تحرمي نفسك هذه النعمة الغالية – نعمة العلاج -.

ديننا يدعوننا لأن نكون نحن الأفضل؛ لأن نكون نحن الأبصر، وأن لا نكون ضحايا للخزعبلات, والأمور التي تفتقد المؤسسية والعلمية.

استعيذي بالله تعالى من الشيطان، وخذي بالعلاجات الأخرى، وإن شاء الله تعالى تستمتعين وتفرحين بمتعة الشفاء والتعافي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً