الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هلع ووساوس واكتئاب ... ماذا أفعل لمحاربتها؟

السؤال

السلام عليكم..

لا أعلم ماذا أقول! لا أعلم ماذا أعبر! أنا مشتت الذهن, لكن كلامي من القلب, وأتمنى أن يصل للقلب, فأنا أشعر بنفسية منهارة جدًّا, نوبات الهلع دمرتني, مع اكتئاب حاد عطّل أجزاء جسدي عن العمل, وأصبحت عالة على أهلي, ووساوس فكرية قهرية تجعل دماغي يصاب بصداع حاد.

القصة وما فيها –يا دكتور- هي كالآتي:

أنا أعاني من نوبات هلع لمدة سبع سنوات, ما تركت طبيبًا إلا وذهبت إليه, وصُرِفت لي أدوية كثيرة استعملتها, لكن أعراضها الجانبية آذتني وتركتها, وما تركت قارئًا يرقي إلا وذهبت إليه, ونصحني بعدم استعمال الأدوية النفسية, والحالة هي الحالة.

في الأخير قررت أن أذهب إلى دكتور نفسي معرفي سلوكي, وقال لي: لا تتناول أي أدوية, واترك هذه الخرافات والأشياء؛ لأنك أنت من يتحكم بعقلك, وأنت من تصور لعقلك هذا المشهد من رعب وموت, ومهما بلغ بك الأمر فأنت لن تموت بسبب هذه الأفكار, والهلع من دقات قلب سريعة, وجفاف في الشفتين وزغللة في العين, سمعت كلامه, ولكن النتيجة أنني بدأت أصاب بالصرع, والغياب عن الوعي.

وقبل فترة في صلاة الفجر أصابتني زغللة عين قوية, مع رجفة قوية في الجسد وارتعاد إلى أن وقعت، وبفضل من الله ثم شخص بجانبي رفعني للأعلى, فقمت بالتشهد, ورجعت لسابق عهدي, وأنا أعلم أنها نوبة هلع, لكنها تلك المرة كانت مختلفة عن كل المرات, فقد فقدت الوعي, ناهيكم عن الأفكار الشيطانية التي لطالما حاربتها, وهي سب الذات الإلهية -تعالى الله عن ذلك- وسب الناس, وأشياء لا أقدر أن أذكرها.

تعبت, أخاف أن أموت وأنا أحمل هذه الأفكار, وأحاسب عليها, واللهِ تعبت, وظيفتي فصلت منها, وزوجتي طلقتها, والناس انعزلت عنهم, وأنا في صراع دائم مع أهلي, عصبي, مزاجي متعكر, متحطم, أخاف أن يصل بي الحال لمرحلة الجنون, لأنه بدأت تحصل لي أشياء غريبة, فمرات أشعر بالناس من حولي, وكأنهم مخلوقات غريبة, انصحوني, أفيدوني, أرشدوني فأنا تائه, لا أعلم ماذا أفعل؟ أشعر بضيقة قوية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

بارك الله فيك, وجزاك الله خيرًا، ونشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.

أيها الفاضل الكريم, الهلع والوسواس والاكتئاب والمخاوف كلها اضطرابات وجدانية متداخلة، إذن هي شجرة واحدة ذات أفرع متعددة، هذا يجب أن يكون وسيلة لطمأنتك، أنت لا تعاني من حالات نفسية كثيرة مقسمة ومتفرقة, إنما هي حالة واحدة بجزئيات مختلفة -كما ذكرنا لك-.

أيها الفاضل الكريم, الإنسان مهما بلغت به المعاناة, ومهما أصيب بالكرب والكدر يجب أن لا يتوقف أبدًا عن البحث عن الفرح والانشراح والسرور, يبحث عنها بطرق كل باب, ويتأكد أن الله تعالى قد استودع فينا قوة وطاقة داخلية تؤدي إلى التغير الإيجابي -إن شاء الله- في نهاية الأمر، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فيا أخي الكريم, أنت مطالب أن تكون نظرتك نحو المستقبل إيجابية، والأعراض التي تعاني منها الآن وظللت تعاني منها سابقًا أريدك أن تعتبرها فقط كتجربة وخبرة تستفيد منها للمستقبل؛ لأن الحكمة تقول: إن الإنسان يمكن أن يستفيد من كل الخبرة, حتى وإن كانت خبرة سلبية جعلت ماضيه يكون قاسيًا ومظلمًا.

أخي الفاضل, أنت لديك مقومات التغير, فأنت شاب لديك القوة الجسدية, والقوة الذهنية, والقوة الفكرية، نعم, أنا أتفق معك أن القلق والخوف والاكتئاب يشل من حركة الإنسان تمامًا، لكن الخروج منها يكون من خلال التفكير الإيجابي المغاير, واتخاذ خطوات عملية من أجل التغير.

أولا -يا أخي الكريم-: أنت فقدت وظيفتك, فيجب أن تبحث عن وظيفة أخرى؛ لأن قيمة الرجل في العمل, والعمل يطور المهارات الاجتماعية والنفسية، لا تنزعج أبدًا, ولا تعتقد ولا تعتبر أن الأمر بالتعقيد والصعوبة والاستحالة, فكل شيء ممكن، والرجوع إلى الزوجة -أسأل الله أن يقيض لك ولها الأسباب التي تجعلكما تلتقيان مرة أخرى-.

أيها الفاضل الكريم, حرصك على تناول الأدوية الدوائية النفسية المفيدة سيكون هو أحد المخارج الممتازة جدًّا لك، وأنا في مثل حالتك أنصح دائمًا بالرعاية الطبية, والمتابعة النفسية اللصيقة, فهذا أفضله لك كثيرًا، وأنا مع احترامي الشديد لكل الذي يقال لك من هنا وهنالك من المختص النفسي ومن الطبيب النفسي، ومن المعالج الديني أقول لك: إن المنهج الصحيح هو المنهج التوفيقي، أنت محتاج إلى العلاج, أنت محتاج إلى العلاج السلوكي، وأنت محتاج إلى الرقية الشرعية، وأنت محتاج إلى أن ترتقي بنفسك من حيث فكرك وأفعالك, فإذن خذ بهذا المنهج التوفيقي؛ لأنه المنهج العلاجي الذي نحسبه أفضل بالنسبة لك.

إذن: اذهب إلى الطبيب النفسي، وكن مداومًا على متابعته, وإن شاء الله سوف يصف لك أدوية جيدة, مهما كانت تجربتك سلبية مع الأدوية سابقًا, لكن إن شاء الله تعالى تبدأ بدايات جيدة، وتكون المنفعة كبيرة جدًّا.

دواء مثل سبرالكس, والذي يعرف باستالوبرام (Escitalopram) لا يمكن أن يفشل في هذه الحالات, فهو مجرب ومعروف, ولكن نجاح الدواء يعتمد على أن تكون الجرعة التي تتناولها صحيحة, وأن تلتزم التزامًا قاطعًا بتناول الدواء في وقته, وللمدة المطلوبة، جرعة البداية هي (10) مليجرامات يتم تناولها يوميًا لمدة أسبوعين, بعد ذلك ترفع إلى (20) مليجرامًا يوميًا, تستمر عليها لمدة ستة أشهر على الأقل بالتزام شديد كما ذكرنا, ثم تخفض إلى (10) مليجرامات يوميًا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى (5) مليجرامات يوميًا لمدة شهر, ثم يتم التوقف عن الدواء، السبرالكس يمكن أن يدعم بعقار رزبريادون (Risperidone) بجرعة مليجرام واحد ليلًا لمدة ثلاثة أشهر، أخي الكريم, عليك بالتواصل الاجتماعي، وأفضل أنواع التواصل الاجتماعي هو أن تصلي الصلوات الخمس في المسجد, ومن هنا سوف تتعرف على الإخوة والأحباب, وسوف تزور الأرحام, وسوف تبحث عن بر الوالدين, وتجد نفسك أصبحت محاضرًا اجتماعيًا بأشياء طيبة وجميلة، وعليك بالقراءة والاطلاع, وعليك بمصاحبة الصالحين والفعالين من الناس، وحاول أن تجد منهم النموذج الذي يساعدك على أن تكون ناجحًا.

أخي الفاضل الكريم, الرياضة لابد أن يكون لها موقع حقيقي في حياتك؛ فالرياضة تقوي النفوس, وتقوي الأجسام, وتقوي الأبدان, وتجدد الطاقات, وتحسن الدافعية, وتزيل الكرب والاكتئاب, وهذا تم إثباته علميًا.

أيها الفاضل الكريم, أسأل الله لك العافية والشفاء, والتوفيق والسداد، وأرجو أن تأخذ بما ذكرته لك, وأسأل الله تعالى أن ينفعك به.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً