الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محتارة في الرجوع إلى زوجي أو إنهاء هذا الزواج المغشوش!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قصتي أنه تقدم لخطبتي شاب وصف لي بالآتي: متدين، خلوق، ذكي في دراسته، يحفظ نصف القرآن الكريم، أمين في تعاملاته لدرجة أن والده لا يستأمن غيره من إخوته، محبوب ولطيف الشخصية، ويساير جميع الناس، لا يشارك الشباب الذين في سنه في عاداتهم السيئة، يبحث عن ذات الدين والخلق والنسب ولذلك اختارني.

كما أنه من أسرة طيبة، ومتوسطة الثراء، ويستطيع أن يبني بيتاً ويؤثثه، وغير ذلك أنه وسيم جداً، وأعطوني صورة له (تأخذ العقل) لدرجة أني قلقت أن يكون ممن يصيبهم الغرور بجمالهم، خاصة وأني مقبولة، ولكن لست فاتنة الجمال.

شعرت بأنه هدية من السماء، وأنه فارس أحلامي المنتظر، وصليت الاستخارة، وطبعاً عادات مجتمعنا لا تسمح بأي تواصل قبل الزواج، أو نظر أو ما شابه، والرجل لم يطلب ما يسمى (بالرؤية الشرعية) أبداً، وعندما سألت عن ذلك قيل لي: لأنه خجول، وهو يعرف أنك جميلة، وهو يهتم بنسبك ودينك وخلقك لا أكثر.

الحاصل أنه تم كل شيء -خطوبة وعقداً وزفافاً- خلال أسبوعين، تولى إخوته خلالها كل شيء، حتى الكلام بالنيابة عنه، وربما تلقينه الكلمات التي يجب أن يقولها، بعد ذلك أصبح يغيب بحجة الانشغال الشديد بالعمل، وطلبوا الاستعجال بكل شيء بحجة أن خير البر عاجله.

بعدها وجدت نفسي في بيته، وكانت أول صدمة لي عندما دخل الغرفة ورأيته لأول مرة! لا يوجد أي علاقة بينه وبين الصورة التي شاهدتها إطلاقاً، فتلك صورة رجل في غاية الوسامة والجمال، أما هذا فلا أريد أن أقول عن خلق الله أنه قبيح، ولكني فعلاً لم أستطع أن أتقبل أن يكون هذا شكل شريك حياتي الذي يرث أطفالي ملامحه، ووالله أني لا أبالغ.

ابتلعت الصدمة، وتجلدت لأكتشف من خلال تصرفات الرجل ونظراته وكلماته اكتشافاً أسوأ من الأول، وهو أن الرجل به شيء في عقله، في ذلك الوقت لم أستطع أن أميز بالضبط ما هو، هل تخلف عقلي، أم بله، أم حالة توحد خفيفة؟ المهم أن الرجل ليس مجنوناً تماماً، ولكنه ليس عاقلاً، ولا يتصرف بطريقة تدل على أنه سوي الذهن، عشت ليلتي كأني في كابوس، كنت أتخيل أني سأستيقظ في أي لحظة لأكتشف أني في بيت أهلي، وأن هذا كابوس! لكن هذا لم يحدث، لقد تزوجت، إنها الحقيقة!

ثم توالت الحقائق المؤلمة على قلبي المفجوع، فالرجل يعاني فعلاً من ضعف في ذهنه، يصنفه من حوله بكلمة كانت تجرحني وتؤذيني وهي "أهبل"، لكن ليس لدرجة الجنون، لذلك لا أستطيع أن أتحاور معه أو أن أتفاهم معه، ولا يعرف كيف يكلم عروسه بطريقة راقية، أو على الأقل صحيحة، لا يوجد بيننا أي انسجام.

وطبعاً توالت بقية الاكتشافات البديهية بعد ذلك، أنه لا يحفظ نصف القرآن، ولم يتمكن من إكمال دراسته، بل خرج منذ الصفوف الأولى، فقير جداً، لم يخطبني لأنه يبحث عن ذات دين، بل كان يبحث عن أي امرأة وتكون متعلمة، لتحمل عنه عبء النفقة.

وبطبيعة الحال من لا يمتلك عقلاً سوياً راجحاً فلن يمتلك الأخلاق الفاضلة، فهو بذيء اللسان، كثير الكذب، إذا استعار شيئاً من أحد لا يرده، يحب أن يطلب المال من الآخرين، وهذه الصفة تحرجني جداً، طماع بشكل غريب للمال، يؤمن بالشعوذة، ويحب الذهاب للعرافين والمشعوذين.

كنت أتعامل معه بطريقة طبيعية، وأحاول أن أعدل من تصرفاته، وأن أكلمه، ولكن التفاهم بيننا شبه معدوم، فالجهل وضعف الذهن كفيلان بأن يصنعا سدوداً عالية، عشت معه شهراً ونصف الشهر، أمضيتها وأنا أبكي، أتألم، وأستغفر، وأدعو، وأستخير، لقد شعرت أني فجعت في كل شيء، بل وأهم شيء (العقل).

ولكي أكون منصفة للرجل: لاحظت بأن له مميزات، فمثلاً: صحيح أنه يصلي، ولكنه لا يصلي في المسجد، ولكنه يصلي، كما أنه ليس عنيفاً معي فلا يضرب، ولكنني أشعر بالفقر الروحي، لم أجد معه السكن أو المودة، لم أشعر قط أني تزوجت، عندما أنام معه أقول في نفسي: اللهم إني أشكو إليك همي، كيف أنام مع هذا؟! فالحياة الزوجية بلا حوار ولا تفاهم تأخذ منحىً بهيمياً.

ذهبت إلى بيت أهلي، وطلبت الخلع، وأن أرجع له كل شيء، ولاقى مطلبي القبول، ولكن هناك ما يعذبني وهو ذلك المسكين الذي تعلق بي، أنا لا أحقد عليه، بل أرحمه رحمة شديدة، لا شك أنه سيتألم من موقفي هذا، ولن يفهم سبب تصرفي حتى لو شرحت له، عندما أنام أتذكره وأبكي، وأعلم أنه سيعاني، أفكر أحياناً أن أعيش حياتي بالشفقة وأرجع إليه، وأحياناً أفكر أن له رباً أرحم به مني، وأن من حقي أن أعيش حياة طبيعية، وأخشى إن تزوجت من بعده أن يظل قلبي معلقاً به، بالطبع ليس تعلق الزوجة بزوجها، بل تعلق الأم بطفلها الضعيف، وإن عدت إليه أخشى أنها عودة إلى الحسرات والآلام، أنا حقاً حيرى في أمري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لجين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن الإنسان يتأسف جدًّا لبُعد الناس عن تطبيق بعض الأحكام الشرعية، وما من حكم شرعي يغفل الناس عنه أو يقصرون في تطبيقه إلا أحوجتهم مرارات الحياة إليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي كان يقول: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)، وهو الذي كان يقول: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا)، وهو الذي كان يقول: (هلا نظرت إليها).

إن هذه الشريعة العظيمة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها تهتم بمسألة الرؤية الشرعية؛ لأن الرؤية الشرعية من قِبل الزوجة هي التي يُبنى عليها كل هذا البنيان، فالأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

ورحم الله فقهاء الحنفية الذين يرون أن المرأة أولى بالرؤية الشرعية من الرجل، لأن الرجل يستطيع أن يخرج بسهولة من حياة زوجته بخلاف المرأة التي قد يصعب عليها ذلك الخروج، ومع ذلك فكأن بعض الناس يزعم أنه أغير من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه متجاوز لهذه السنة ويأتي بأفضل منها -والعياذ بالله-، حين تسمع من يقول: "ما عندنا بنت يشوفها الرجال"، ولذلك تحصل مثل هذه الكوارث، ومثل هذه المواقف التي لا تُرضي الله تبارك وتعالى.

نحن نشعر أنك فعلاً قد خُدعت، ولكن لماذا هؤلاء لا يخبرون بالحقيقة؟ ولماذا يضعون الناس في مثل هذه المواطن؟ ألا يعلم أهل هذا الشاب الحالة التي هو فيها؟ ألا يعلم أهلك أن من واجبهم أن يسألوا عن الخاطب ويتعرفوا عليه وعلى دينه وعلى أخلاقه؟

حتى لو فرضنا أنه لا توجد رؤية شرعية، فأين دور محارمك؟! فمحارم الفتاة ينبغي أن يسألوا عن خطيبها ويتعرفوا عليه، ويبحثوا عنه في المساجد وفي الأماكن العامة، وتعامله مع الآخرين، لأن الزواج ليس بين رجل وامرأة فقط، وإنما بين بيت وبيت، وبين قبيلة وقبيلة، وبين جماعة وجماعة، لذلك لا بد أن يكون لنا اهتمام عظيم بهذه الأمور.

وقد أسعدني أيضًا صبرك عليه، ومحاولة التعامل معه، ومحاولة التعايش معه، ولكن بعد أن خرجت من حياته لا ننصحك بالعودة إليه، مهما كانت الأسباب، فإن له رباً يحميه – كما ذكرت– وسيهيئ الله تبارك وتعالى له من أمره رشدًا.

رجل مثل هذا ينبغي أن تتولى الأسرة أمر تزويجه وخدمته والوقوف إلى جواره، أما أن يوضع عند امرأة أخرى لا تعرف حاله، وهي قد خُدعت فيه، فإن هذا أمر لا يرضاه الله تبارك وتعالى، ومن هنا فنحن ندعوك إلى الاستمرار في هذا القرار الذي وصلت إليه، ولا ننصحك أبدًا بأن تفكري في العودة إليه، لأنك لن تسعدي معه، ومعك هذه المشاعر السالبة لا يمكن أن تحققي لنفسك السعادة.

والإنسان إنما يتزوج من أجل أن يرتاح، وهكذا أيضًا ينبغي أن يعلم أهل ذلك الرجل أنهم ظلموا هذه الفتاة، وأنهم سيرون عواقب هذا الظلم في بيوتهم وفي أنفسهم إذا كانوا يعلمون الحقيقة.

أما إذا كان الرجل يظن أنه يتعامل بطريقة طيبة، واكتُشف لك أو ظهر لك هذا الخلل الذي تكلمت عنه، فعند ذلك يكون لهم عذر يوم يقوم الناس بين يدي رب العالمين سبحانه وتعالى.

ولا شك أن القرار صعب، وهذا يدل على مشاعرك النبيلة، ورغبتك في الإحسان إليه والعطف عليه والشفقة عليه، ولكن أيضًا لا بد أن تراعي المصلحة، ولا بد أن تنظري نظرًا إلى الأمام، أن تتعرفي على عواقب الأمور، والإنسان قد يأتيه وقت هو بحاجة إلى من يحمله، فكيف يتولى حمولة الآخرين؟!

ينبغي أن يعلم الجميع أن الزواج مسؤولية، وأن مشوار الحياة طويل، وأن الإنسان ينبغي أن يحسن الاختيار، وأن أولياء المرأة ينبغي أن يقوموا بدورهم.

أملنا في الله تبارك وتعالى عظيم في أن يكتب لك هذه المشاعر النبيلة في موازين حسناتك، ونكرر: لا ننصحك بالعودة إليه، لأن الزواج – هذا مشوار طويل – ينبغي أن يكون على رضًا وقبول وارتياح تام، لأن الإنسان يمكن أن يرفض الطعام الذي لا يشتهيه، ولكن يصعب عليه أن يعيش مع إنسان يرفضه، وأنت تعيشين الآن معاناة، هذه المعاناة التي تعيشين فيها، والضيقة التي تجدينها في نفسك مع صعوبتها وخطورتها، والألم الذي تسببه لك إلا أنه أفضل آلاف المرات من الاستمرار في الحياة بهذه الطريقة التي يفقد الإنسان فيها الطمأنينة، ويفقد فيها الراحة، ويفقد فيها معاني الجمال ومعاني الخير.

فنسأل الله أن يقدر لك وله الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على كل أمر يرضيه، وقد أحسنت بأن رددت إليهم حقوقهم، وخرجت من حياته عن طريق الخلع، لأن هذا أيضًا يدل على مشاعر نبيلة، فالمرأة إذا كانت لا تستطيع أن تقوم بحق زوجها وتراه بهذه الطريقة؛ فإنا لا ننصحها في الاستمرار معه، (وإنْ يتفرقا يُغنِ الله كلاً من سعته وكان الله واسعًا حكيمًا).

فليس الطلاق هو نهاية المطاف، بل هو حل لمثل هذه الإشكالات، حتى لا تحصل الأمور التي لا تُحمد عقباها.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديم عليك النعم، وأن يكتب له الشفاء والعافية، وأن يردنا جميعًا إلى دينه ردًّا جميلاً، ووصيتنا لك هي تقوى الله تبارك وتعالى، ثم بالمواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات