الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش صراعًا نفسيًا حول إعفاء اللحية من عدمه .. كيف أتخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم.

السيد الدكتور: محمد عبد العليم, تحية طيبة, وبعد:

أرجو من سيادتكم أن يتسع صدركم لحجم المعاناة التي أعانيها, فأنا أعيش في عذاب حقيقي، وهو أني أعالج من الوسواس القهري منذ سنة, وآخذ 40 فلوتين، و10 استيكان (اسيتالوبرام), وريسبردون 1مجم، -والحمد لله- تحسنت كثيرًا جدًّا، واختفت الوساوس الجنسية، والقلق، والاكتئاب، غير أني واقع في مشكلة الصراع النفسي، وهو أني ملتزم دينيًا، وأطلق لحيتي، ولكني دائمًا أتخيل نفسي وشكلي بلحية، وأنا أتعامل مع الناس بلحيتي، وهل شكلي سيء، أم حسن، أقاربي ماذا يقولون عني وأنا ملتح، هل يقولون أني أتدروش، ولكني أرى أنها سنة، والناس تحترم الملتحي، لكني أكره شكلي هكذا، وأفكر أن أحلقها، وبعد حلقها أقول لماذا حلقتها؟ أرد على نفسي؛ لأن شكلي هكذا أحلى، ومن الممكن أن ألتزم وأنا من غير لحية، وأتعامل مع الناس بشكل عادي، وأرد على نفسي، ولكن اللحية واجبة وتقربني من الله؛ لذا لن أحلقها, ثم بعد دقيقة أقرر أن أحلقها, ثم أقرر ألا أحلقها, كل ذلك حوار يدور بيني وبين نفسي، وأنا جالس، أو ماشٍ في الشارع؟ ودائمًا أتخيل نفسي كأني أراقبها، وأرى صورتي من الخارج -أي من خارج جسدي- أرجوك يا دكتور، أريد دواء يعالج هذا الصراع الرهيب الذي كاد أن يقتلني، ولا أنام، ولا آكل، ولا أذاكر بسببه، أرجوك -يا دكتور- صف لي دواء لعلاج هذا الأمر وماذا أفعل؟

سؤال أخير: ما هو بديل الفلوتين لعلاج الاكتئاب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فكما تعرف أن التردد والفكر المتناقض هي سمة من سمات الوساوس القهرية، وأنت -الحمد لله تعالى- تخطيت عقبات كبيرة جدًّا في التحكم في هذه الوساوس, وبقيت لديك هذه المشكلة البسيطة، وأنا أرجو منك أن تتفهم أنها جزء من الوساوس، وحين تستوعب ذلك استيعابًا دقيقًا ومقنعًا فيجب أن يتجه فكرك إلى أن الوساوس سخيفة وحقيرة، ولذا يجب أن يتم تجاهلها.

حين تأتيك هذه الأفكار المتناقضة - والتي أعرف أنها كثيرًا ما تكون ملحة ومستحوذة – هنا خاطبها مخاطبة مباشرة: (قف, قف أيها الوسواس الحقير، قف, قف أيها الوسواس الحقير، أنا سوف أطلق لحيتي؛ لأنها سنة)، ويجب أن تغلق الموضوع تمامًا بعد ذلك، لا تفكر فيما يقوله الناس، أو أن شكلك كذا وكذا.

اجعل هدفًا واحدًا في إطلاق اللحية، وهي أنك تريد أن تتبع السنة، ومن يريد أن يتبع السنة يجب ألا يناقشها حتى مع ذاته – حتى مع نفسه – والإنسان حين يكون مكبّلاً في طاعة الله – وهذا هو الذي يجب أن يصل إليه العبد – لا يناقش مثل هذه الأمور.

حاول أن تصل إلى قناعات بمثل هذه الطرق، وهذه هي الطرق التي تواجه بها وسواس التردد، أما بخلاف ذلك إذا حاولت أن تخضعها للمنطق، أو تحللها، أو تشرحها، أو تقرأ خلفها، أو يومًا تطلق لحيتك ومرات أخرى تقوم بحلقها، أو تقول لنفسك: إنني سوف أكون مقبولاً شكلاً إذا قمتُ بكذا وكذا، لا.

أغلق هذا الملف تمامًا، وذلك من خلال ما ذكرته لك من كلمات ترددها مع نفسك، وتتبعها دون أي تحليل، أو إسراف في مسايرة الفكر الوسواسي, هذا من ناحية.

من ناحية الأدوية: لا شك أن الفلوتين – وهو الفلوكستين – دواء ممتاز، وكذلك الاستيكان، لكن أرى أنك إذا استبدلت السيتالوبرام – وهو الاستيكان – بالفافرين فهذا سوف يكون أنفع وأجدى في تحسين مزاجك، وكذلك الإطباق على هذه الوساوس بصورة أفضل.

أربعون مليجرامًا من الفلوتين هي جرعة ممتازة، وإذا دُعمت بمائة مليجرام من الفافرين فأعتقد أن هذا سوف يكون علاجًا جيدًا.

فإن أردت أن تأخذ هذا الخيار - وذلك بعد المشاورة مع طبيبك – فهذا منهج أفضل – أي مشاورة الطبيب-.

جرعة الفافرين هي أن تبدأ بخمسين مليجرامًا، تتناولها ليلاً، ومع بداية هذه الجرعة توقف عن السيتالوبرام، تناول الفافرين بانتظام لمدة أسبوعين، بعد ذلك ارفعه إلى مائة مليجرام، تناولها ليلاً، واستمر عليها لمدة عام على الأقل، بعد ذلك يمكن أن تراجع الأمور، والفلوتين لا تنقصه عن أربعين مليجرام.

وبالنسبة للرزبريادون: لا مانع أبدًا من أن تتناوله بجرعة مليجرام واحد كدواء مدعم للأدوية المضادة للوساوس، والقلق، والتوتر، والاكتئاب.

هذا هو الذي أراه من حيث العلاج الدوائي، ومن حيث الإرشاد السلوكي، وأنا أرى أنك قد خطيت خطوات إيجابية جدًّا في مقاومة هذه الوساوس، وعليك أن تصرف انتباهك عنها، وهذا يتأتى من خلال استغلال الفراغ بصورة جيدة، وتطوير المهارات على النطاق المهني والنطاق الاجتماعي، هذا نرى فيه خيرًا كثيرًا جدًّا للإنسان للفت نظره بعيدًا عن الوساوس.

بخصوص سؤالك: هل هناك بديل للفلوتين لعلاج الاكتئاب؟ .. نعم, توجد بدائل كثيرة جدًّا، هنالك بدائل نعتبرها من فصيلة الفلوتين، أي أنها تعمل تقريبًا على نفس المستوى الكيميائي الذي يعمل من خلاله الفلوتين، ومن هذه الأدوية عقار سبرالكس, وزولفت، حتى الفافرين يعمل تقريبًا بنفس المنظومة المشابهة.

هنالك مجموعة تعمل بصورة مخالفة جدًّا, منها: عقار مرتازبين، والذي يعرف باسم (ريمارون)، وهنالك سيمبالتا، والذي يعرف باسم (دولكستين), وكذلك الفلافاكسين، والذي يعرف باسم (إفكسر)، وهذه تعمل من خلال منظومة كيميائية مختلفة بعض الشيء، ويوجد الآن دواء جديد يعرف باسم (فالدوكسان), وهو دواء مضاد للاكتئاب، وهذا يعمل من خلال موصل عصبي مخالف تمامًا للموصلات السابقة، حيث إنه يعمل على مركب الميلاتونين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً