الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب والوساوس والحيرة تقتلني، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

أنا طالب جامعي في كلية الطب وحديث الالتحاق بالجامعة (عام واحد), وهنا مكمن المشكلة.

لقد عانيت من الوساوس منذ صغري بكل أشكالها, من وساوس الطهارة, وساوس الصلاة, وساوس الأمراض, مثال كنت أخاف من السكري, وأتجنب أكل الحلويات, وأذاقتني هذه الفكرة كآبة وإحباطا شديدا في الابتدائي وفي الدراسة عموما, وقد كانت تأتيني بشكل متقطع, يعني شهرين أقل أو أكثر ثم أنساها, عاودتني لكني تغلبت على هذا الخوف من السكري ولله الحمد والمنة.

كما عانيت من وسواس الموت, حيث كان خبر وفاة قريب أو جار يسبب لي في صغري حالة نفسية غريبة, شعورا بالاختناق, وضيقا في التنفس يكاد يقتلني, فلا أكاد أتحكم في أنفاسي, وهو ما أرّقني ليال كثيرة, ومرة تسلطت علي هذه الفكرة في الصلاة فلا يكاد ينهي الإمام الصلاة إلا وأنا منهك من شعوري بالاختناق والذي يكاد يقتلني.

على كلٍ هي معاناة نفسية عشتها في صغري, ومازلت أتلظى بنارها, وقد تقاسمت تلك المعاناة في بداية الأمر مع أمي وأهلي, ولكن فيما بعد صرت أكثر كتما لتلك الوساوس, أعاني في صمت من سلسلة احباطات وكآبة شديدين, ولا أنكر أني عشت أياما سعيدة لعبت فيها ومرحت مع أقراني, وقد كنت دوما متفوقا في دراساتي رغم تلك المعاناة, فقد كنت ربما مستمتعا بحياتي الدراسية وتميزي, ولكن مازاد الطينة بلة فيما بعد أني أصبت بقصر النظر, وهو ما لم أتقبله, وصار شغلي الشاغل فلا أنا بحت بمعاناتي لأحد و لا أنا اقتنيث نظارات طبية.

كنت أنظر إلى النظارات على أنها نقيصة لأخلق بذلك معاناة جديدة دامت ثلاث سنوات, ما كان فيها جليسي في القسم يعلم بقصر نظري لأتشجع بعد صراع مرير مع الأحاسيس السلبية تجاه النظارات والمرض؛ فزرت طبيب العيون, وارتديت النظارات رغم عنادي ورفضي الشديد لها, لتمر هذه المحنة مخلفة في أعماقي الكثير من الجراح.

كما ظهرت في منذ الصغر بوادر الإصابة بالرهاب الاجتماعي, غذته تلك المعاناة والإحباطات والمشاعر, ومنذ سنوات قررت أن أخوض حربا ضروسا تجاه هذا الرهاب والوساوس القاتلين, وربما نجحت في التقليل منهما على الأقل, فأنا الآن إنسان اجتماعي طبيعي, نميت ثقتي بنفسي, تمكنت إلى حد كبير في تحويل الأفكار السلبية إلى أخرى إجابية, فأنا الآن أعيش طمأنينة نسبية بعد اكتسابي لمعارف من خلال النت, ومن كتب في التنمية البشرية, وكيفية العلاجات السلوكية للرهاب الاجتماعي, فحسنت من حياتي.

هذه مجمل معاناتي النفسية التي عشتها, لكن ما يؤرقني هو أنني قبل أشهر ماضية عانيت قلقا شديدا بسبب علامتي في الباكلوريا التي كانت دون طموحي, أعادتني إلى حالة الاختناق, وضيق النفس. ووسواس الموت لم تفارقني طيلة الصيف, كانت تزداد حدتها بسماع خبر وفاة أحدهم بشكل فضيع, منعت عني النوم ليال كثيرة, حتى صرت أحسب لقدوم الليل ألف حساب, ولم أستطع بسببه أن أصلي التراويح في المسجد في رمضان, ولم أتخلص منه إلا بصعوبة بعودتي لمقاعد الدراسة التي أنستني وخلصتني منه.

وأنا أشعر هذه الأيام بحال أفضل وراحة بال ولله الحمد, لكن الذي يخيفني الآن هو فكرة أن طبيعتي النفسية لا تؤهلني لكي أكون طبيبا ناجحا, فأنا أخاف من عودة وسواس الموت نتيجة لطبيعة المهنة التي اخترتها, وأخشى أن لا أكون قادرا عليها رغم أني أحبها جدا, واستمتع بدروسها, وطالما كنت متفوقا في مادة العلوم الطبيعية والحياة, فهي كانت أفضل المواد عندي, وعلى هذا الأساس اخترت الطب.

فأرجوكم بم تنصحوني؟ هل سأستمر في دراستها ولا يجب أن ألتفت لهذه المخاوف أم أني يجب التخلي عنها لمجرد هذه المخاوف التي فحواها أن هذه المهنة ستسبب لي المزيد من وسواس الموت ...؟ وهل من علاج نهائي للرهاب والوسواس؟

أرشدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.

رسالتك واضحة وأنت قد عانيت من قلق الوساوس وتحول إلى ما يسمى المخاوف الوسواسية، اعجبني تماما توجهك بأنك في فترة ومنذ سنوات قررت أن تخوض حربا ضروسا تجاه هذه الوساوس وكذلك المخاوف، وهذا هو المبدأ الذي يجب أن يرتكز عليه الإنسان, ونحن دائما نقول للإخوة والأخوات الذين يعانون من الوساوس إن الوساوس وإن كانت قهرية فيمكن أن تقهر, ويمكن أن يقطع الطريق أمامها تماما, ويستطيع الإنسان أن يغلق عليها إغلاقا تاما, وذلك بتحقيرها, ومواجهتها, وتجاهلها, واستبدالها بما هو مضاد قولا وفكرا و فعلا.

المخاوف أيضا تعالج بنفس المستوى, التحقير والمواجهة مع منع الاستجابات السلبية، أيها الفاضل الكريم الوضع الأمثل أن تكون نوعا من الملاحظة الطبية النفسية, وهذا هو الوضع الأمثل بالنسبة لك، مراجعة الطبيب الملتزم والمحترم والثقة تشكل ركيزة لعلاقة علاجية جيدة ورصينة ومفيدة من متلقي العلاج، فإن توفرت لك هذه الفرصة فهذا هو الأفضل، وإن لم تتوفر لك فأنا أقول لك سر على نفس المنهاج من التحقير والتصبيت.

وأما الوسواس والخوف: فيجب أن تثق في مقدراتك وهي واضحة بأنها عالية جدا, ويجب أن تأكد على ذاتك، فهي ذات محترمة وجيدة, وذات مهارات لابد أيضا أن تأخذ دواء مضاد للوساوس والمخاوف, وهذه الأدوية كثيرة, ومن أفضلها دواء المعروف باسم ديروكسات وهكذا يسمى في الجزائر, واسمه العلمي هو باروكستين والجرعة يجب أن تبدأ بمتدرجة وتصل إلى حبتين على الأقل في اليوم, ويجب أن لا تقل مدة العلاج عن عام كامل.

بالنسبة لموضوع الدراسة أنا أعتقد أنه لن تواجهك مشاكل حقيقية مادام لك العزيمة والإصرار على هذه الدراسة، أي دراسة العلوم الطبية والأمر الآخر يعرف أن الوساوس هي من الحالات التي تكون مرتبطة كثيرا بمرحلة عمرية معينة، أنا لا أنكر أنها قد تكون مزمنة في بعض الأحيان، لكن الإنسان المستبصر والذي يريد أن يواجهها ويعالجها يستطيع بالفعل أن يتحكم فيها بدرجة كبيرة، فيا أخي هذه كلها بشريات جيدة في أن وساوسك يمكن التحكم فيها بل تحولها إلى طاقة نفسية إيجابية, والعلاج الدوائي لاشك أن سوف يساعدك.

أنا على ثقة مطلقة بذلك بإذن الله تعالى، هنالك أمر آخر, الطب مهنة تتطلب الانضباط, والوساوس تعلم الناس الانضباط إذا كانت هذه الوساوس بدرجة معقولة؛ لأن الوساوس في بعض الأحيان تمثل طاقة نفسية إيجابية جدا، من أجل أن يكون متدققا ومنضبطا وملتزما، الوساوس أيضا تشجع المنظومة القيمية للإنسان لتكون رفيعة، إذن هذا الذي بك يمكن أن يحول إلى طاقة إيجابية وهذا من وجهة نظري يشجع على أن تدرس الطب.

ومن جانبي أسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً