الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم إليّ شاب أحبه ورفضه والداي، فهل أستمر بالحديث معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أود أن أشكر هذا الموقع الرائع, بل الأكثر من رائع، جزاكم الله كل خير.

لن أطيل عليكم في الحديث, لكني أرغب فعلا في الاستماع لأشخاص يكبرونني سنا وأكثر تجربة مني، فعلا أود الحديث إلى شخص ما فوجدت أمامي هذا الموقع المتألق.

أنا فتاة أبلغ من العمر 23, طالبة جامعية سنة 3 في جامعة الحقوق، سأتكلم بكل صراحة لأكسب المساعدة بصدق.

أنا فتاة محافظة على صلواتها وأملك إيمانا قويا، منذ أن دخلت الجامعة وأنا لا أرى إلا الظلام, موت جدتي, فشلي في بعض الامتحانات, وعدة أمور... لكن ما أريد أن أركز عليه هو شيء واحد يشغل تفكيري دائما على مدار الساعة.

أنا لست مخطوبة، ولكني أتكلم مع شاب عن طريق الانترنت وأحيانا ألتقي به في الجامعة (هو لا يتعلم في الجامعة إنما يأتي لزيارة أخته) فأراه أحيانا عن طريق الصدفة، عندما أتكلم معه أنسى هموم الدنيا وأكون في قمة السعادة, ولكن بعد فترة طويلة من الحديث معه, بدأت أخاف وأنا أقولها بصدق!! أنا إنسانة تخاف الله وكلما أتكلم معه كلما ضميري كان يؤنبني أكثر, أنا لا أتكلم معه سوى بالانترنت وليس أكثر، بعد أن ازدادت علاقتي به طلب مني أن يأتي لبيتنا لكي يطلب يدي، لكني لم أعره اهتماما لأني لا أستطيع أن أعده شيئا بدون استشارة والدي.

بعد أن أحببته, بكل شجاعة جلست مع والديَ لأخبرهم عنه وأني أريده وأستريح له وأني أقبل به، وهنا بدأت المصيبة أن أهلي لا يوافقون عليه لأسباب لا أراها مقنعة ومنها أنه في نفس عمري وأنه لا يمكنني الانتظار فترة طويلة في الخطوبة معه حتى يجد بيتا وحتى يدير ويعيل نفسه.

إن الشاب جدا محترم ووالداه أناس محترمون ومعروفون في البلدة، أخبروني لو كان له بيت أساسا لكانا وافقا لكن الأمور مختلفة تماما؛ فما من بيت وهذه المشكلة أن والدي لا يقبلون به بسبب بيت, فلا يقبلون خطبتي منه. بعد المحاولة عدة مرات لم يقتنع والداي ويرفضونه بشدة.

منذ ذلك الوقت وأنا حزينة, أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا ضد والديَ. ومنذ ذلك الوقت لم أخبر الشاب بما قاله لي والداي, لا أملك الجرأة الكافية لأخبره أن والدي يرفضان خطبتنا بسبب أنه ليس له بيت وليسوا مستعدين للانتظار ! لم أخبره بهذا الشيء أنا جدا خجلة حتى أن أخبره أن هذا السبب يمنع خطبتنا, ولكني ما زلت أتحدث معه حتى الآن، وهذا ما يزعجني كثيرا لا أريد أن أتعلق به أكثر، أو أن يتعلق بي أكثر، ووالداي حتى الآن يشكلان عائقا أمامنا.

أنا جدا حزينة ولا أعرف ما علي أن أعمل! أنا لا أريد خسارة هذا الشاب ولا أريد أن أستمر بالتكلم معه وأمنحه الأمل بأننا سنخطب يوما ما! وما من أمل أساسا! لكني حتى اليوم لم أستطع التوقف من الحديث معه. أنا خائفة جدا لأنه كثيرا ما يأتون شباب لطلب يدي, وأهلي يريدون الآن أن أخطب, أنا خائفة لا أريد أن أخطب فجأة في الوقت الذي أتكلم معه, لا أريد أن أكون في النهاية كأنني جعلت منه أضحوكة أنا أفكر به قبل أن أفكر بنفسي، لا يمكنني فعل شيء كهذا له.

لا أعرف ماذا أفعل! هل أواصل الحديث مع الشخص الذي أحبه؟ أم كيف أتوقف عن الحديث معه بعد فترة طويلة من التكلم معه؟ لكني في كل لحظة يمكن أن أخطب لشاب آخر وما من مفر لا أستطيع القول لوالدي لا، لا أستطيع أن أقف أمامهم، لكني داخليا حزينة جدا حزينة لأني حتى لو خطبت لشاب آخر سوف أكون دائما أفكر بما أنا اخترت وبالفترة الجميلة التي تواصلت معه.

أتمنى المساعدة والنصيحة لوجه الله، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وكم تمنينا أن يتفهم الآباء هذه المشاعر، وأن يشكروا لك هذا الموقف، ولكن إذا كان هذا لم يحصل فإننا ندعوك الآن إلى التوقف عن التواصل مع هذا الشاب والتحدث معه، لأن هذه العلاقة ليس لها غطاء شرعي، وليس لها الضابط الشرعي الذي ينبغي أن تمضي في سبيله، فالفتاة لا يمكن أن يكون لها علاقة بشاب أجنبي عنها إلا في إطار المحرمية أو في إطار الزوجية، وهذا لم يحدث، حتى بعد حصول الخطبة فما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح الخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، ولا التواصل معها في مثل هذا الكلام.

وليس من الضروري أن تخبريه بأنهم رفضوه من أجل هذا السبب، ولكن أخبريه بأن الوالد والوالدة لا يريدون أن أرتبط في هذه الفترة حتى لا أنشغل عن دراستي، وإذا تيسر لك الأمر فمن حقك أن تبحث عن أخرى، وأن تعيش معها. وقولي له أيضًا: سننظر في المستقبل، لكن لا تعطيه وعدا، ولا تعطيه أملا، فإننا لا نؤيد الارتباط الطويل بهذه الطريقة مهما كانت الأسباب.

ونحن بلا شك ندرك مدى مرارة وصعوبة اتخاذ مثل هذا القرار، لكن نريد أن نؤكد لك أن الاستمرار والتمادي لا يزيد الأمور إلا تعقيدًا، ولا يزيد الوضع إلا صعوبة، وليس في مصلحتك ولا مصلحة الشاب أن تستمر العلاقة بهذه الطريقة، فالإسلام يشترط في العلاقة أن تكون معلومة، أن يكون الهدف منها الزواج، فلا يرضى أن تكون هناك علاقة ليس الهدف منها الزواج، بحيث أن النهايات غير معروفة وغير معلومة.

وفي نفس الوقت نحن لا ننصح أي فتاة أن تخالف رغبة أهلها في هذا الأمر، فأهل الفتاة هم أولى الناس بها، وأعرف الناس بمصلحتها، ولذلك كوني دائمًا طوع أهلك، واحرصي على إرضائهم، واحرصي على الاقتراب منهم، فإن الأولياء هم مرجع الفتاة، الذي ترجع إليه إذا احتاجت، ولابد أن تحتاج لأهلها ولمحارمها والعودة إليهم، فلا ننصح بخسارة الوالد والوالدة في مثل هذه العلاقة التي تمنينا لو أن الكلام مع الوالد والوالدة كان في بدايتها، ليس بعد التمادي، ليس بعد أن أصبحت العلاقة عميقة، لأن هذا فعلاً مصدر إزعاج لك وله، وعليك أن تتوبي أيضًا وتستغفري الله تبارك وتعالى.

ونحن سعداء لمعرفتك بأن هذه العلاقة لا ترضي الله تبارك وتعالى، ونؤكد لك أن البدايات الخاطئة لا توصل إلى نتائج صحيحة، فندعوك إلى أن توقفي هذه العلاقة، وتكلمي الشاب بهدوء، وتقولي له (يبدو أن والديّ الآن ليس لهم رغبة في أن أرتبط لأنهم حريصين على إكمال دراستي، وأنا لا أريد أن أكون سببًا في تأخرهم، وإذا وجدت صالحة فكن معها).

وأنت أيضًا افتحي أمامك الخيارات لهؤلاء الذين يطرقوا الباب، اشترطي الرؤية الشرعية، واشترطي الدين والأخلاق، فإن وجدت في نفسك ميلاً لأحدهم أو جاء الرجل المناسب صاحب الدين والأخلاق، ووجدت في نفسك ميلاً إليه وقبولاً فاقبلي به دون تردد، واعلمي أنه من سعادة الفتاة أن تجد الشاب الذي يلبي طموحاتها ويحقق بذلك رغبتها، لأنها في هذه الحالة تستطيع أن توفق بين بر والدين وبين الوفاء لهذا الزوج الذي طرق باب أهلها.

ونكرر: نحن نوقن أن القرار صعب، لكن الاستمرار في المخالفة أصعب والاستمرار في المخاطرة أشد وأعظم، فلابد أن تتوقفي عن هذه العلاقة فورًا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك، ولا تجاملي في أمر الزواج أيضًا إذا جاء المناسب الذي وجدت في نفسك ميلاً إليه، أو استطاع هذا الشاب أن يبني بيتًا ويجهز نفسه عند ذلك سيزول السبب – بكل أسف – الذي جعلوه عائقًا بين إكمال مشوارك معه.

ونسأل الله أن يسهل أمر شبابنا، وأن يعين الآباء والأمهات على فهم هذا الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، حتى لا يحولوا بين شاب وبين فتاة وبين ما يريدون، لأن الشريعة لا ترضى بمثل هذه المواقف، وأكثرهنَّ بركة أقلهنَّ مؤنة – أو مهرًا – ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً