الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد وفاة والدي أصابني القلق والاكتئاب فما المخرج؟

السؤال


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أشكر القائمين على هذا الموقع الطيب الذي يفيدنا كثيرا.

أنا طالبة جامعية, عمري 22 سنة, أدرس تخصص نظم المعلومات الإدارية, أعاني منذ فترة ليست بالقصيرة من تغيرات كثيرة أثرت سلبا على حياتي الاجتماعية والدراسية أيضا.

والدي توفي منذ سنة وشهرين بمرض السرطان الذي انتشر في كبده وبنكرياسه, كنت قريبة جدا منه, وأنا من تلقيت خبر وفاته, لكني استغربت من نفسي كثيرا لأني لم أنهار أو أحزن كثيرا على وفاته, وسرعان ما تجاوزت هذه المحنة, مع أنه كان قريبا كثيرا مني, وكثيرا ما أفكر لماذا أنا لم أتأثر كثيرا, وألوم نفسي كثيرا لأنه عندما كان مريضا لم أستطع الذهاب إليه كثيرا, وهو كان بأمس الحاجة لأي أحد, لكني لم أستطع أن أكون معه؛ لأن أمي أيضا كانت مريضة, وبقيت في المستشفى في نفس أيام مرضه, وهي مقعدة منذ 8 سنوات, بعد أن أصيبت بجلطة دماغية.

من بعد وفاة والدي تغيرت أشياء كثيرة في حياتنا, ساءت أحوالنا المادية, وأنا أصبحت عصبية جدا, أتفه الأمور تجعلني أنفعل وأغضب, وأبدا بالصراخ والشتم, حتى على أقرب الناس مني, وهي والدتي, وبعد أن أهدأ أندم على ما فعلته.

أصبحت أيضا أفكر أفكارا سلبية, كأن أتمنى الموت, لكني أفكر بعذاب الآخرة, وأخاف على والدتي -أطال الله في عمرها وشافاها- لأني أنا من يهتم بها, ومؤخرا أصبحت لا أطيق أن أتحدث معها, وسرعان ما أنفعل عندما تطلب مني شيئا, لا أعلم ماذا أصابني, أنا أعرف حقوق الوالدين, وكنت دائما محافظة على صلتي معها, لا أعلم ماذا أفعل.

أصبحت أشعر بالملل الشديد لدرجة أنني أبكي من الملل, وأحب أن أكون لوحدي, وكثيرا ما أتهرب من الناس, ولا أرد على اتصالاتهم, لا أحب الذهاب للمناسبات, تغيرت طبيعتي كليا, لكن إذا اجتمعت بأحد أكون طبيعية, أضحك معهم, لا أظهر لهم أي شيء.

وأيضا أصبحت أنام كثيرا, حتى وإن نمت مبكرا أرغب بأن أنام طول اليوم, والنوم الكثير تسبب لي في مشاكل كثيرة, أهمها أني أعتذرت عن الجامعة فصلا دراسيا, مع أني كنت في السابق أحب الدراسة كثيرا, واخترت تخصصي عن قناعة, وبسبب النوم أيضا أهملت نفسي ومواعيدي في المستشفى.

وأعاني أيضا من فقد الثقة بالنفس بسبب سمنتي الزائدة جدا التي تبلغ 180 كلغ, وطولي 170, جربت كل شيء, لكن سرعان ما أيأس, وهذا أيضا أثر علي اجتماعيا ودراسيا.

لا أعلم ماذا أفعل, أفيدوني فأنا بحاجة إليكم, ساعدوني أريد أن أبدأ في السنة الدراسية الجديدة, وأكمل دراستي, جربت كل الحلول, حاولت تنظيم وقتي لكني لم ألتزم بالجدول الذي أضعه, جربت طرقا للاسترخاء لكن لم استمر عليها, حاولت أن أخفف وزني لكن سرعان ما أفشل.

آسفة على الإطالة, وبوركت جهودكم, وجزيتم خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوره حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فكل الأعراض ونمط الحياة الذي تتبعينه الآن وطريقة التفكير والتعامل مع الأمور تدل على أنك تعانين من درجة متوسطة من الاكتئاب النفسي. الاكتئاب النفسي في سن الشباب قد لا يظهر ككدر حقيقي في المزاج، لكن يظهر في شكل أداء سلبي, وشعور دائمًا بالإخفاق, وافتقاد الثقة بالنفس، وكثرة النوم أيضًا هي سمة من سمات حالات معينة من الاكتئاب.

شعورك بالذنب حيال والدك هو شعور مقدر، لكن لا تُثقلي على نفسك، سلي الله تعالى له الرحمة والمغفرة، واعتبري أن عدم تعبيرك عن أحزانك كان ناتجًا من الصبر. تفسير الأمور إيجابيًا دائمًا يفيد الإنسان.

انفعالاتك الآن والتي تتمثل في شكل غضب وصراخ - قد يصل إلى درجة الشك - لا شك أن هذا مسلك لابد أن تراجعي نفسك حياله، مهما كانت درجة الاكتئاب، مهما كانت درجة التوتر، فالإنسان لابد أن يقدر الضوابط الاجتماعية خاصة في تعامله مع الناس، والتعبير عن الغضب لا يكون بهذه الطريقة أبدًا.

موضوع السمنة التي تعانين منها لا شك أنها مشكلة، يجب أن تنظري إليها بجدية أكثر، فالسمنة التي لديك هي من النوع المفرط، وأعتقد أنه من المهم جدًّا أن تقابلي مختصا في أمراض الغدد والتغذية، سوف توضع لك برامج معروفة لتخفيف الوزن، لكن يأتي أمر الالتزام بهذه البرامج كأمر ضروري، والعلاقة بين السمنة والاكتئاب أيضًا موثقة ومعروفة في الطب النفسي.

أنت أمامك فرصة عظيمة جدًّا أن تلعبي دورًا إيجابيًا في الحياة, خاصة فيما يخص اهتمامك بأمر والدتك المُقعدة، وبرّك لها يكون من خلال خدمتها بل السهر على راحتها، وهذا - إن شاء الله تعالى – يعود عليك بعائد إيجابي عظيم، وسوف تحسين - إن شاء الله تعالى – بفائدته ومنفعته في حياتك، ولك ثواب آخر عند الله تعالى.

الإنسان حين تأتيه فرص مثل هذه يجب أن يتحينها ويستفيد منها. أنا أرى أن اهتمامك بوالدتك فرصة عظيمة، فتحت لك بابًا من أبواب الجنة، فأرجو أن تستغلي هذا الأمر استغلالاً إيجابيًا. وفي نهاية الأمر سوف تجدي أن هذا – أي اهتمامك بوالدتك – قد انعكس أيضًا إيجابيًا على صحتك النفسية والاجتماعية.

الدراسة مهمة ويجب أن تُعطى الوقت الكافي، ومن خلال تنظيم الوقت يتحسن التحصيل الدراسي.

أنا أرى أنك بحاجة لعلاج دوائي مضاد للاكتئاب، وأنا أفضل حقيقة أن تكون لك أيضًا صلة مع طبيب نفسي، وذلك بجانب طبيب الغدد وأخصائي التغذية. هؤلاء الثلاثة إذا عملوا كفريق متكامل يهتم بأمر صحتك هذا هو الوضع الأفضل والوضع الأمثل. إذا لم تتمكني من مقابلة الطبيب النفسي فالعقار الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين) يساعد في علاج حالتك، لكن لا أقول أنه سوف يكون هو الحل النهائي، فالأمر يتطلب منك اتخاذ مبادرات إيجابية حول وزنك، وإدارة حياتك بصورة عامة، وإن شاء الله تعالى أنت لك المقدرة على ذلك.

جرعة البروزاك المطلوبة هي أن تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم، تتناوليها بعد الأكل، وبعد شهر تجعليها كبسولتين في اليوم، وهذه هي أقل جرعة مطلوبة في حالتك، وتستمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر على الأقل، وتراقبي درجة التحسن التي طرأت، وعلى ضوء ذلك يمكن تخفيض الجرعة أو الاستمرار عليها كما هي – أي كبسولتين في اليوم – وفي حالة التحسن بعد ستة أشهر يمكن أن تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

أسأل الله تعالى أن ينفعك بهذه الإرشادات التي ذكرناها لك، لكنني أحتم وأقول لك أنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن مقابلة الأطباء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً