الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركت العمل، وحياتي مدمرة لفقداني الثقة بنفسي..فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

الدكتور محمد عبد العليم جزاك الله خيرا علي ما تقدمه للمسلمين من نفع بما رزقك الله من علم، وأسأل الله التوفيق، والسداد لك، والشفاء لجميع مرضي المسلمين.

أنا شاب في السابعة والعشرين من عمري، متزوج ولدي ابن، وأعاني من بعض الاضطرابات النفسية التي تؤثر علي حياتي، وسأحاول إبراز أهمها:

- التخيل الدائم بأني شخص يجتهد في إدارة مشروع صغير يكبر، ويكبر، ثم تصبح مشاريع، وشركات ضخمة تدر أموالا كثيرة، وأتخيل حياتي وقتها وشكل يومي، وماذا عندي، وماذا أفعل بالمال، ومع هذه التخيلات أكون سعيدا جدا.

- أما في الواقع فأنا بوصف بسيط مثال للشخص الفاشل الذي لا يحقق أي شيء، ويهرب دائما من المواجهات، ويحمل أسس الأخطاء علي الظروف أو علي الآخرين حتى لو اعترفت بوقوعي في الخطأ نفسه، فأنا لست السبب الرئيسي.

- في بعض الأوقات أتخيل بأني أحكي لأحد (بصوت مسموع) ما بداخلي، وهو يستمع، أو كأنني أجري لقاءا مع أحد.

- رهاب اجتماعي كان شديدا جدا في الماضي، وأنا صغير، ثم أصبح الآن خفيفا، والحمد لله، وأستطيع التعامل معه، لكن الاضطرابات النفسية التي تحدث لي من وقت لآخر قد تصيبني بالاكتئاب، والابتعاد عن المجتمع، والخوف من رؤية الناس حتى الأصدقاء، لكي أتلاشى نظرات الناس لي علي أني فاشل.

- اهتزاز الثقة بالنفس بدرجة كبيرة، وهذه أكبر مشكلة تؤرقني، وتؤثر علي حياتي، وتصيبني بالاكتئاب، والشعور بالفشل، خصوصا عندما أري من هم أقل مني في القدرات، ويحصلون علي فرص أفضل مني في العمل، وأنا أضيع الفرص الجيدة لأنني أخاف أن أفشل، وأظهر أمام الناس بأني غير كفء، أو لأنني أعتبر نفسي بالفعل غير كفء، ولا أستحق هذا العمل حتى إذا وافق علي أصحاب العمل أنفسهم.

- الآن أنا تركت العمل، وأشعر بالإحباط؛ لأن أمامي الكثير لأتعلمه حتى أصبح علي المستوي المطلوب في نظري، وأرفض فرص العمل التي تأتي لي بحجج قد لا يقتنع بها من حولي، أتلقي المساعدات من الأهل وأشعر بأن حياتي مدمرة.

- تحدث لي رعشة شديدة، وملحوظة عند أي انفعال أو مشادة كلامية... ظننت أنها خوف داخلي، لكنها تحدث عندما أختلف مع بائع حول إرجاع سلعة، أو رجل كبير لا يمكن أن يصل الأمر معه إلى شجار أي في مواقف لا تستدعي خوفاً... بل لو أنني وضعت في أمر سيؤدي إلي شجار فلا تحدث هذه الرعشة!، وكذلك فهي تظل فترة بعد انتهاء الأمر، وتجعلني لا أستطيع الإمساك بأي شيء كالقلم، أو الهاتف مثلا، علماً بأن هذا الأمر لم يكن يحدث لي حتى سن 21 سنة، وظهر بعد ذلك.

فهل هناك سبب واضح لحالتي هذه؟ وما هو علاجها؟

ولي سؤال آخر بخصوص مضادات الاكتئاب، هل هي تزيد الدهون بمنطقة الصدر عند الرجال؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فأحلام اليقظة التي تنتابك هي رد فعل مباشر نسبة لتصورك السلبي عن ذاتك، فأنت حقيقة من الواضح أنك تقلل من قيمة ذاتك بصورة جلية جدًّا، وكشيء تعويضي قد تأتيك أحلام اليقظة هذه، وهذه ظاهرة نفسية معروفة.

لديك أيضًا طابع وسواسي في التفكير، وما وصفته بالرهاب الاجتماعي هو أحد جزئيات القلق التي نشاهدها في مثل هذه الحالات، وأعتقد أن الأمر كله أدى إلى درجة بسيطة من الاكتئاب النفسي الثانوي، وهو الذي جعلك تحس بالفشل، وتكون ليس لديك رغبة في العمل، وتدخل في شيء من المقارنات ما بينك وبين الآخرين.

فإذن حالتك هي قلق وسواسي مصحوب بأعراض المخاوف، والاكتئاب الثانوي البسيط.

هذا من الناحية التشخيصية، لا تنزعج أبدًا لهذه المسميات، فهي كلها متداخلة مع بعضها البعض، وأعتقد أنه أمامك فرصة جيدة وممتازة أن تنهض بنفسك، وهذا يتم أساسًا من خلال تقدير نفسك بصورة أفضل، وتقدير النفس بصورة أفضل يعني أن تكون منصفًا مع ذاتك، وأن تنظر إلى الجوانب الإيجابية الموجودة في حياتك، وتحاول أن تنميها، وهذا يقودك إلى فهم ذاتك، وحين تفهمها سوف تسعى لتطورها، هذه هي الوسيلة التي تتخلص من الفكر السلبي التلقي.

أرجو أن تضع برامج يومية، هذه البرامج تحتوي على أنشطة مختلفة، ولابد من الالتزام بها، البرنامج اليومي يجب أن يشمل وقتا للراحة، ووقتا للرياضة، التواصل الاجتماعي، القراءة، العبادة، والعمل، والعمل مهم جدًّا، ويعتبر طريقة مهمة؛ لأن يشعر الإنسان بقيمته، ويطور نفسه، وكذلك مهاراته.

لابد أن تصرف انتباهك من كل هذه السلبيات عن طريق العمل، والتواصل الاجتماعي، التواصل الاجتماعي لا شك أنه من أفضل السبل لعلاج الرهاب الاجتماعي، لأن الإنسان إذا تقيد، وتبع الرهاب هذا يجعله محصورًا في ذاته، ويجعله انطوائيًا، وتضعف مهاراته الاجتماعية بالتدريج حتى يجد نفسه أمام معضلة حقيقية، لكن التواصل خاصة التواصل من النوع من المشجع، مثل زيارة الأرحام، الأصدقاء، بر الوالدين، الصلاة مع الجماعة، ممارسة الرياضة الجماعية ... هذا نوع من التواصل الاجتماعي المحبب، والمفضل، والذي من خلاله ينمي المهارات ويُبعد الإنسان عن الرهاب.

أعتقد أيضًا أنك في حاجة إلى أحد مضادات القلق والخوف، والوساوس، وكذلك الاكتئاب، ودواء واحدا وبجرعة بسيطة يمكن أن يؤدي كل هذه الفعاليات - إن شاء الله تعالى – إن استطعت أن تقابل طبيبا نفسيا فهذا هو الأفضل، وإن لم تستطع فيمكنك أن تتحصل على أحد الأدوية التي لا تتطلب وصفة طبية، ومنها عقار (مودابكس) متوفر، وموجود في مصر، وهو دواء سليم، ويسمى علميًا باسم (سيرترالين)، والجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تبدأ بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – تناولها يوميًا ليلاً بعد الأكل، وبعد عشرة أيام اجعلها حبة كاملة، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفض الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

هذا هو الذي أنصح به وأوصي به، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به.

بالنسبة لسؤالك حول مضادات الاكتئاب: هل تزيد الدهون بمنطقة الصدر عند الرجال؟ .. بصفة عامة لا، لكن إذا زاد الوزن بصفة عامة لدى الإنسان هذا ربما يجعل منطقة الصدر على وجه الخصوص يترسب فيها بعض الدهنيات، وهذا نشاهده أكثر بعد عمر الأربعين لدى الرجال، لكن هذه الأدوية ليس لها تأثيرات هرمونية تؤدي إلى زيادة معينة في الصدر لدى الرجال.

هنالك مجموعة أخرى من الأدوية تعرف بمضادات الذهان فيها بعض الأدوية تؤثر على إفراز هرمون الحليب، والذي يعرف باسم (برولاكتين) وهذا الهرمون موجود لدى النساء بالطبع، وكذلك لدى الرجال، إفراز هذا الهرمون بدرجات كبيرة قد يؤدي إلى زيادة الدهون عند الرجل خاصة في منطقة الثديين، وهذا يعرف بالتثدي، أي يحدث نوع من التضخم في الثدي لدى الرجال، وهذا مرتبط ارتباطًا مباشرًا بتناول بعض الأدوية المضادة للذهان والتي قد تؤدي إلى ارتفاع هذا الهرمون (برولاكتين)، أما بالنسبة لمضادات الاكتئاب فهي ليس لها هذا الأثر على هذا الهرمون.

وللمزيد من الفائدة يمكنك مطالعة الاستشارات التالية حول وسائل زيادة الثقة بالنفس سلوكيا: (265851 - 259418 - 269678 - 254892)

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء، والعافية، والتوفيق، والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً