الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد علاجًا مؤقتًا للهلع

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر القائمين على هذا الموقع، وجزاهم الله عنا خير الجزاء.

مشكلتي هي:
على الرغم من سني الكبير نوعًا ما - 38 سنة - إلا أنه ينتابني نوبة هلع عند مقابلة الناس، أو الحشود في الأفراح والمناسبات، ويكاد قلبي أن ينفجر من شدة النبض، وأنا أعرف أنها حالة هلع ليس إلا، ولكني لا أستطيع تجاوزها، وأستسلم لها فورًا.

تقدمت لخطبة إحدى الفتيات، فطلب والدها حضوري وحدي ليراني عن قرب، فأصابني الهلع، وكدت ألغي فكرة الزواج، ولكني استجمعت قواي للذهاب إليه، وعند وصولي وجدته مع اثنين من أولاده الكبار، فظهر عليّ الهلع والارتباك، حتى أن كنت أمسك فنجان القهوة بصعوبة، وشعرت أنني سأدخل في غيبوبة، وأثناء شرب القهوة وتقريبِها من فمي يبدأ رأسي بالاهتزاز بشكل ملحوظ، حتى أنهم لاحظوا ذلك عليّ.

وبدأت بالتلعثم في الكلام، واستبدال الحروف، والتكلم بجمل غير مترابطة، والتأتأة، وبعد يومين اتصل والد الفتاة بي وقال: إنه لا يوجد نصيب لي عندهم، ولا أعلم هل كان ارتباكي ذلك اليوم السبب أم لا؟ فقد ظهرت بشخصية ضعيفة أمامهم.

أرجوكم - يا أطباء - أنا لا أريد استعمال الحبوب مدة طويلة، وإنما أريد استعمال علاج عند مواجهة هذه الظروف فقط؛ لأني لا أعاني باقي أيامي إلا من المواجهات، أو التركيز عليّ من أشخاص ينظرون إليّ، ولأني لا ألتزم بمواعيد الأدوية إطلاقًا.

كما أنني أصبحت عصبيًا، وهذا منذ فترة طويلة، وعندي شعور أنه ازداد معي هذه الأيام، وقال لي الكثير: إنني قاسي القلب.

أرجو منكم سرعة الرد؛ لأني سأتقدم للخطبة في الأيام القليلة القادمة، وأحتاج إلى حل، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مرشود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فما تعاني منه ليس جُبنًا، وليس ضُعفًا في شخصيتك، فأنت تعاني من مفاهيم خاطئة حول شخصيتك، وفي ذات الوقت لديك درجة من القلق والخوف الاجتماعي.

هذا هو الذي تعاني منه، ومن وجهة نظري البسيطة أنه من الضروري والمهم جدًّا أن تُعيد تقييم نفسك بصورة كاملة جدًّا، فأنت الآن ضيقت الحيز على نفسك من خلال التلبس بهذه الأعراض السلبية التي حدثت لك مع من تقدمت لخطبة ابنتهم، أنا أؤكد لك أنه حتى الذين يعانون من الخوف الاجتماعي الشديد جدًّا لا تظهر أعراضهم السلبية أمام الآخرين بنفس الدرجة التي يستشعرونها؛ لأن التغيرات الفسيولوجية هي تغيرات داخلية ناشئة من الذات؛ فلذا يحس بها صاحبها أكثر مما يلاحظها الآخرون، لكن يُهيأ له أنه مكشوف ومفضوح أمام الناس.

فأرجو أن تغيّر وجهة نظرك، وأنا أحترم جدًّا مشاعرك، وأعرف فعلاً قسوة الخوف الاجتماعي، وما يعانيه صاحبه من تمزق نفسي داخلي، ومن واجبي أن أصحح مفاهيمك، وعلى أسس علمية، وهذا - إن شاء الله تعالى – فيه فائدة كبيرة جدًّا بالنسبة لك.

ثانيًا: يجب أن تتجاهل موضوع القلق والخوف.

ثالثًا: الجأ لأسلوب التعرض, والتعرض في الخيال, وفي الواقع:

في الخيال: تصور نفسك أنك أمام حشد كبير من الناس، وأنك قمت بعرض موضوع معين عليهم، وانظر لهؤلاء الذين يخطبون أمام آلاف الناس، ويتحاورون في التليفزيونات – وخلافه – وأنت لا تقل عنهم بأي حال من الأحوال، بل ربما تكون أفضل منهم في أشياء كثيرة، فارتقِ بنفسك إلى هذا النوع، فالتفكير التعرضي السلوكي جيد جدًّا، وفي ذات الوقت طبِّق المواجهات الاجتماعية كما هو مطلوب، وطوِّر من هذه المهارات، وقابل الناس بوجه طيب وبشوش ومنطلق، وابدأ بالتحية، وانظر إليهم في وجوههم، وشارك الناس دائمًا في مناسباتهم: في أفراحهم، وفي أتراحهم، وخذ بيد الضعيف.

أنت ذكرت أن البعض قد اتهمك بقسوة القلب، وهذا الاتهام قد لا يكون صحيحًا، ولتطمئن على ذاتك اسأل الله تعالى أن يجعل الرحمة في قلبك، وامسح على رأس اليتيم، ويا حبذا لو كفلت يتيمًا فهذا - إن شاء الله تعالى – يلطف نفسك وقلبك، ويجعل نفسك أكثر اطمئنانًا.

المواجهات تتطلب المشاركة، والإنسان بفطرته وطبعه وغريزته كيان اجتماعي، لكننا في بعض الأحيان نفرض على أنفسنا الفشل، ونلبس أنفسنا ثوب الخوف والفشل، وهذه هي الإشكالية الكبيرة، فأرجو أن تتبع هذه الأسس التي ذكرتها لك، وسلّم على الجماعة متى ما أتيح لك ذلك، بل اسعَ لذلك؛ حيث إنه ضروري ومهم جدًّا.

الحادثة التي ذكرتها حول موضوع الخطبة والتقدم لهذا الرجل بخصوص ابنته وما حدث، لا تنظر إليه كأمر سلبي وأنك كنت السبب، وأن ضعفك أمامه وارتجافك هو السبب، فهذا الرهاب الشديد الذي أصابك قد لا يكون هو السبب، وهذا الأمر غير مقدر وغير مقسوم، وربما يكون هذا الذي حدث فيه خير لك، أقصد - رفض والد الفتاة لك – فلا تقسُ على نفسك، ولا تحكم عليها هذا الحكم القاسي.

فيما يخص العلاجات الدوائية: أنت لديك تحفظ حول الأدوية، وأنا أحترم ذلك جدًّا، لكن أرجو كذلك أن تعلم رأيي، وهو أن الأدوية ضرورية ومهمة لعلاج الرهاب الاجتماعي، والأدوية التي تستعمل عند اللزوم هذه مجرد أمور إسعافية، لا أرى أنها موثقة علميًا؛ ولذا أنا لا أنصح بها، ويأتيني الكثير من الناس الذي يودون السفر بالطائرات أو بالسيارات، أو أن لديهم مناسبات اجتماعية، وهناك من يقول: أعطني دواء إسعافيًا - كما ترى - وهناك من يسمي دواءه، مثل: الزاناكس والإندرال، وهذه ليست طريقة صحيحة، بل الطريقة الصحيحة هي أن تتناول كورسًا محسوبًا ومعلومًا ومدروسًا من الأدوية المضادة للمخاوف، وحين يتم التعافي سوف تحس بالثقة في نفسك، ومن ثم تجد أن الآليات السلوكية قد أخذت طريقها، وأصبحت لست في حاجة إلى الدواء.

عمومًا: من الأدوية الفاعلة جدًّا عقار (لسترال), والذي يعرف علميًا باسم (سيرترالين)، وجرعته هي: أن تبدأ بحبة واحدة، تناولها يوميًا ليلاً - وقوة الحبة هي خمسون مليجرامًا – استمر عليها لمدة شهر، وبعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء، ولا شك أنه دواء فاعل وسليم، وسوف يفيدك كثيرًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد، وأسأل الله أن ييسر أمرك، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً