الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد حلا نهائيا للوسواس القهري

السؤال

السلام عليكم.

جزاكم الله كل خير على هذا الموقع, وكثر الله من فاعلي الخير أمثالكم, ويا له من خلق حميد أن تكون واقفا مع أناس لا تعرفهم.

الحقيقة أن مشكلتي كتب لها الكثيرون ممن يزورون موقعكم المبارك, وأنت يا دكتور محمد عبد العليم بارك الله فيك أملي بعد الله؛ للتخلص مما أنا فيه, حيث أنني أسكن في سوريا, والوضع المتأزم عندنا لا يسمح لي بزيارة أي طبيب, وثانيا لا أثق بأي طبيب في منطقتي, فمشكلتي ذات صلة دينية, والأطباء في المنطقة التي أسكن فيها معظمهم بعيدون عن هذه القضايا, لذا أرجو أن تقرأ مشكلتي بتمعن, وتصف لي دواء مناسبا, علما بأني لم أتناول أي دواء لها سابقا, وليتني أحصل على رقمك؛ لكي أكون مطمئنة بأني وصفت حالتي جيدا.

تتعلق مشكلتي بالوسواس القهري الفكري, حيث بدأ معي الأمر في سن الثامنة, بدأ في داخلي سب وشتم للمقدسات كلها, عذبني ذلك كثيرا, ولا أدري بعدها كيف ذهب الأمر, ولكنني أذكر دعواتي المتواصلة لله أن يذهب عني ذلك, وأن يسامحني عليه, ثم في عمر الثانية عشر مررت بفترة عصيبة للغاية, كآبة, وأفكار متضاربة حول الحياة, والجدوى منها, والمشكلة أنه في تلك المرحلة تشكلت لدي أفكار ثبتت ورسخت, حتى باتت جزء مما أتوقعه في حياتي.

فكرة أني قد أعيش طويلا تتعبني وتحزنني, وحتى الزواج بالنسبة
لي يخيفني؛ لأنه يعني إنجاب الأطفال, ويعني تقيدي بالحياة لأجلهم, والله أعلم أنها أفكار وأحاسيس جنونية, لكني لا أستطيع ضبطها, وبعد ذلك خف الأمر, ثم في المرحلة الثانوية عادت الأفكار لتهاجمني في ديني, وحياتي, ومعتقداتي, وآمالي, وحتى في دراستي التي كنت أتفوق بها, حتى كدت أن أترك المدرسة.

أما في الصف الثالث الثانوي فكانت تلك معركتي التي لا أنساها ما حييت, كم الوساوس, والأفكار, والضغط, والضيق الذي عشته لا يعلمه إلا الله, وهو وحده يعلم كم عدد الليالي التي لم أنمها في ذلك العام, ولكني حاربت أفكاري وضيقي بكل قوة, وأحرزت معدلا مرتفعا والحمد لله, لكن الأمر ترك نتائجه في جسدي.

فبدأت أعاني أحيانا أثناء النوم من رجفة مفاجئة, وأحيانا أستيقظ ليلا فترتسم أمامي كتل من الشعر متحركة, وأعاني من تسارع في ضربات القلب عندما أنام فترة الظهيرة بشكل عام, استمرت هذه الأعراض إلى هذا اليوم, تزيد و تنقص.

وضعي الحالي هو أنني أصبحت مقبلة على زواج, فيتقدم لخطبتي الشبان ظاهريا, وكل شيء ممتاز, أما في داخلي فلدي معاركي الخاصة, لا أريد أن أتزوج, وأنا أتناول أدوية لهذا المرض الوسواسي؛ لأني لا أريد لمن أرتبط به أن يعرف بمشكلتي هذه أصلا, وأخاف إن تزوجت أن أرتجف رجفة مفاجئة, أو أستيقظ نتيجة رؤيتي لبعض المشاهد والصور؛ فيسألني عن ذلك.

بالإضافة إلى أني لا أسيطر على بعض أفكاري, إذ إنني عندما أفكر بشيء ما أحيانا أجده يتكرر في خاطري, رغم رغبتي بالتوقف عن التفكير به.

وساوسي بما يتعلق بالذات الإلهية, والمقدسات؛ أصبحت لا تطاق, المشكلة أني اعتدت بعضها, والذي أخشاه أن بعض الأسئلة التي أفكر بها أصبحت منطقيا, وتحتاج إلى جواب, وأنا شارفت على الانتهاء من حفظ كتاب الله, ولا يخلو يوم لي من القرآن, ولا أستطيع التخلي عنه, وفي ذات الوقت كم التساؤلات, والأفكار, والكلام القذر في داخلي بات لا يحتمل.

أريد أن أصلي وأنا أشعر حقا بأن الله يسمعني, وأريد أن أقرأ القرآن وأنا أشعر حقا بأنه كلام الله, ولكني لا أستطيع ذلك, وفي رمضان وعندما نذهب للعمرة تزداد الحالة, والله الناس يشتاقون لزيارة الكعبة, أما أنا فأخاف من ذلك؛ لأن كآبتي ووساوسي في الحرم لا تطاق.

أشعر أن أفكاري مشتتة, ولا أريد الموت بإيمان ضعيف كهذا, وهناك أمر آخر وهو أني أشعر وكأني أكره الخير للناس, وهو مجرد إحساس داخلي, ولا أستطيع التخلص منه, إذ عندما يصيبهم مكروه أحزن لحزنهم, وعندما يموت أحد الصالحين أشعر بالضيق؛ لأنه سيذهب للجنة, وبالتأكيد لا أريده أن يذهب للنار, ولكني لا أعرف كيف أفسر هذه الأحاسيس المتضاربة.

المهم التفاصيل كثيرة, وأربد علاجا وحلا لمشكلتي, أشعر أني ضعيفة من الداخل للغاية, ويزعجني ذلك, أنا مستعدة لأخذ الدواء, ولكن أخشى أن يكون لتلك الأدوية أعراض جانبية.

أرجو أن تساعدني يا دكتور, فأنا على وشك أن أفقد صوابي, وأنتظر الرد بفارغ الصبر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبدالله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فأشكر لك ثقتك في إسلام ويب، وفي شخصي الضعيف، وأسأل الله تعالى أن يفرج كربكم في سوريا، وأن يحفظ دماء المسلمين، وأن يتقبل الشهداء, وأن يداوي جرحاكم، وأن ينفس كربكم، وأن يحقن دمائكم، وأن يأخذ كل جبار أخذ عزيز مقتدر.

أؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها، وحقيقة ما ورد في رسالتك هو صورة مثالية لما نشاهده في حالات الوسواس القهري، فالوسواس القهري يأتي في شكل موجات ترتفع وتنخفض، المحتويات قد تتبدل وتتغير، وإن كان جوهر المحتوى كثيرًا هو يكون نفسه، بمعنى أن الوساوس قد تكون متمركزة حول العقيدة مثلاً، والوساوس دائمًا وفي أغلب الأحيان نشاهدها لدى الطيبين من الناس والحساسين، والذين لا يحبون إيقاع الأذى بالآخرين، فأصحاب الوساوس تجد أن درجة المثالية ودرجة الفضيلة لديهم عالية جدًّا.

من الأشياء التي تشكل صعوبة في علاج الوساوس هو أن كثرة التردد الذي قد يميزها يجعل الشخص الذي يعاني من الوسواس يتردد حتى في أمر العلاج، وهذه إشكالية حقيقة، لكن الحمد لله تعالى الناس الآن بدأت تتفهم كثيرًا حول الوساوس، وأصبح الإقدام على قبول العلاج أفضل مما كان، خاصة أن الدراسات أشارت وبما لا يدع مجالاً للشك أن بعض الاضطراب الذي يحدث في الناقلات العصبية في الدماغ هو الذي يُساعد كثيرًا في استمرارية الوساوس، لذا العلاج الدوائي يعتبر علاجًا فاعلاً ومهمًّا وضروريًا، وذلك بجانب المبادئ السلوكية المعروفة والتي تقوم على فكرة تحقير الوساوس، وتجاهلها، وعدم الدخول في تفاصيلها ونقاشها، واستبدالها بفكر وفعل مخالف لها.

أرجو أن تتعاملي مع الوساوس على هذا النطاق، وأنا أتفهم تمامًا درجة الألم النفسي الذي تسببه لك هذه الوساوس، وأعرف أن أحد الروابط المهمة للوساوس هي أن تنفر الإنسان من العبادة، أو الإنسان يحاول أن يبتعد من العبادة، لأن العبادة مثيرة للوساوس.

أنت الحمد لله تعالى على فهم وإدراك تام بطبيعة الوساوس، أسأل الله تعالى أن ييسر لك حفظ كتابه، وإن شاء الله تعالى أنت من الفائزين بذلك، وأعجبني كثيرًا حقيقة تفكيرك الإيجابي حول العلاج الدوائي، لأن العلاج الدوائي بالفعل أصبح الآن يُمثل الفارق الرئيسي في الشفاء من الوساوس وعدمه.

الدواء الذي سوف أختاره لك دواء بسيط جدًّا، دواء سليم جدًّا، دواء فاعل، ليس له آثار جانبية ملحوظة، وهو غير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، لكن الدواء لا تظهر فعاليته قبل ثلاث إلى أربع أسابيع، ولا بد أن يكون هنالك التزام قاطع بتناول الجرعة والصبر عليها.

الجرعة التي تُعطى في الوساوس القهرية دائمًا هي جرع متوسطة إلى كبيرة، لكنها بالطبع لا تتخطى أبدًا حيز السلامة الدوائية.

الدواء الذي أريدك أن تتناوليه يعرف علميًا باسم (فلوكستين) وله مسميات تجارية كثيرة أشهرها (بروزاك) لكن ربما يوجد في سوريا –حررها الله من الأشرار– تحت مسميات تجارية أخرى.

جرعة الفلوكستين هي كبسولة واحدة في اليوم -وقوة الكبسولة عشرون مليجرامًا– يمكنك أن تتناوليها نهارًا أو ليلاً، تناولي الدواء بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعلي الجرعة كبسولتين في اليوم –أي أربعين مليجرامًا– استمري عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعليها ثلاث كبسولات في اليوم، وهذه هي الجرعة المطلوبة في علاج الوساوس، تناولي كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، واستمري على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم اجعليها كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم يمكنك أن تتوقفي عن تناول الدواء.

هذه هي المدة المطلوبة، وهذه هي الجرعة التي نراها جيدة وسليمة ومجربة ومفيدة جدًّا في حالة الوساوس، وإن شاء الله تعالى بعد أن يبدأ التحسن لديك أرجو بالفعل أن تطبقي الآليات السلوكية التي تقوم على مبدأ تحقير وتجاهل الوساوس وصدها وعدم اتباعها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً