الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتقي مجالس الغيبة وقد أدمنتها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو منكم مساعدتي, فأنا في كثير من الأحيان أكون في جمعة مع أناس, ونبدأ بالكلام عن هذه وتلك, ونستغيب الناس, وقد أشاركهم في الكثير من هذه الأحاديث, لكني في الفترة الأخيرة -وخصوصا بعد دخول شهر رمضان- بدأت أحس بتأنيب الضمير, أنا فعلا أود أن أكف عن هذا الفعل, حتى أنني في كثير من الأحيان أتخيل كيف أن الله يوم القيامة سيأخذ كل حسناتي, ويعطي من أغتبتهم, ويعطيني سيئاتهم وسيئات من استغبتهم, فيحترق قلبي غيرة.

أود فعلا أن أتوب؛ لأني بدأت أقتنع أني مهما عملت من أعمال فهي لن تنتهي إلا إلى الناس التي اغتبتهم, والمشكلة الكبرى ليست فتاة, أو فتاتين, بل أكثر من ذلك, فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مرام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا الشعور وهذا الاهتمام بالسؤال، وصدقت وأحسنتِ فإن الغيبة من كبائر الذنوب، بل هي من أخطر الذنوب، لأنها من الذنوب المركبة، التي فيها حق للعباد وفيها حق لرب العباد سبحانه وتعالى، وإذا كان الله تبارك وتعالى هو الغفور الرحيم يغفر لمن يسيء ولمن يُذنب، فإن حقوق العباد لا بد فيها من رد الحقوق إلى أهلها، ورد الحقوق إلى أصحابها.

والإنسان إذا تكلم في أعراض الناس فإنه يأتي يوم القيامة مفلسا والعياذ بالله، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – لما سأل الصحابة: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) المفلس عند الصحابة -وعندنا كذلك– من ليس عنده أموال, وليس له أغراض, أو أمتعة, أو عقارات، إذا باعها جاءته أموال، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم– ضرب صفحًا عن هذا المفلس أن إفلاسه سهل, وأمره هين, والدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وإذا زار الإنسان المقابر يلاحظ كأنه ما جاع من جاع ولا شبع من شبع، ولكنه قال: (ولكن المفلس من أمتي) أراد أن يُخبر عن المفلس الحقيقي (هو الذي يأتي بصلاة وصيام وحج وزكاة) هذه رؤوس الأعمال الصالحة، ولكن بكل أسف (يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا وأخذ مال هذا -واغتاب هذا- فيُعطى هذا من حسناته ويُعطى هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).

ولذلك الإنسان يورط نفسه جدًّا عندما يقع في هذه الكبيرة التي هي الغيبة، والغيبة كما عرفها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ذكرك أخاك بما يكره) وهو غائب، قالوا: (يا رسول الله، أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟) هو قصير وقلنا قصير، طويل وقلنا طويل؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) هذه أيضًا أكبر من أختها.

لذلك ينبغي للإنسان أن يتجنب الغيبة والنميمة، فإنه ما صام من لم يرعِ حق مجاورٍ وأخوة وقرابة وصاحبِا، ما صام من أكل اللحوم بغيبة أو قال شرًّا أو سعى لخرابِ، ما صام من أدى شهادة كاذبًا وأخل بالآدابِ والأخلاقِ.

والإنسان يتعجب من حالنا كيف أن الواحد منا يتعب في تحصيل الحسنات ثم يأتي ليوزع هذه الحسنات على الذين ظلمهم، على الذين اغتابهم، على الذين أكل لحومهم والعياذ بالله. لذلك العاقل فعلا ينبغي أن ينتبه لهذا الخطر، والعجيب أن الغيبة -فاكهة المجالس– يقع فيها معظم الناس إلا من رحم ربك، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تجد الإنسان يترك الربا ويترك الزنى ويترك المنكرات، لكنه لا يستطيع أن يُمسك لسانه عن أعراض الناس. والعياذ بالله.

فأنت اكتشفت موطن الخطورة، فما عليك إلا أن تجتهدي في الابتعاد عن مجالس الغيبة، وتعاهدي الله تبارك وتعالى على التوبة من هذه الخطيئة، والإنسان إذا أراد أن يتوب من الغيبة عليه أن يذكر الذين ذكرهم بالسوء في المجالس التي ذكرهم فيها، ثم إذا استطاع أن يطلب عفوهم يطلب، وإذا لم يستطع فإن عليه أن يدعو لهم ويذكرهم بالخير، ويتصدق نيابة عنهم، حتى يعوض تلك الحسنات التي ذهبت إليهم، وقد يفوز بذلك بعفو الله ومغفرة الله تبارك وتعالى.

لكن الإنسان يورط نفسه عندما يقع في هذه الخطيئة، ولكي يتعود الإنسان ترك هذه الخطيئة لا بد أن يتوب أولا إلى الله تبارك وتعالى، ثانيًا: علينا أن ندعو الله تبارك وتعالى أن يعصم ألسنتنا. ثالثًا: علينا أن نتذكر عيوبنا، وأن للناس أعين وألسن يستطيعوا أن يتكلموا عنا.

علينا أن ندرك أن العاقل الذي يشتغل بعيب نفسه, علينا أن نتذكر خطورة الوقوع في الغيبة من أن الإنسان يُصبح فقيرًا من الحسنات يوم القيامة, علينا كذلك أن ندرك أن الإنسان يعيّب على الناس بقدر ما فيه من العيوب، يسعى الإنسان في إكمال نفسه, ويكتشف الخلل الذي عنده، ويصحح ما في نفسه من نقص, علينا كذلك أن نهجر مجالس الغيبة، نبتعد عنها، كما كان ابن المبارك يفعل، كان يترك المجالس ويقول: أنا أجلس مع النبي -صلى الله عليه وسلم– والصحابة. قالوا: أين تجدهم؟ قال: (أدرس سيرهم وأخبارهم، ولن أجلس معكم فأنتم تغتابون الناس).

وإذا كنا في بعض المجالس وحصلت الغيبة فإن من واجبنا أن ندافع عن الذين اغتابوهم، نقول (يا جماعة دعونا نذكر عيوبنا، ما علمنا عنهم إلا خيرًا) ونحو هذا الكلام، حتى ينجو الإنسان بنفسه، ويجتهد في تغيير المنكر.

ثم عليك أيضًا أن تجعلي مجلسك مجلس ذكر, وتلاوة, وعبادة, وإنابة لله تبارك وتعالى، فإن الذي لا يشتغل نفسه بالخير تشغله نفسه بالمعصية والشر، وقد كره لنا الله قيل وقال، وإذا وجد الإنسان مجلسا فيه طاعة لله تبارك وتعالى فإما أن يُشارك وإما أن ينصرف، لكن إذا فتحنا مجالسنا وسعدنا بسماع أخبار الناس فإنه سيأتينا كلَّ مُغتابٍ ونمام وشريرٍ عياذًا بالله, وحتى تكون مجالسنا مجالس إسلامية ينبغي أن تكون فيها مراقبة لله، ذكر لله تبارك وتعالى، وبُعد عن تناول أعراض الناس.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يستخدمنا في طاعته، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يتوب علينا لنتوب، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً