الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالة هلع وخوف شديد من كل شيء حولي، فهل هناك علاج لي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، عمري 23عاما، من السودان، تخرجت من كلية الهندسة، كنت متفوقة جدا دراسيا في الجامعة بالرغم من معارضة أهلي الشديدة لدخولي هذه الكلية لكونها صعبة، ولن أتفوق فيها، إلا أنني أصررت على الدخول، والحمد لله تفوقت.

كنت اجتماعية منذ طفولتي، وحيوية، ومتفائلة، وأحب الخروج، إلى أن وصلت المرحلة الثانوية، وكنت أستطيع عمل عدة أشياء في نفس اليوم، كأن أدرس، وأخرج، وأشاهد التلفاز، وغيره.

ولكن بعد دخولي السنة الأولى في الجامعة اختلفت عندي مواعيد تناول الوجبات، فمرضت جدا، وأصبت بتقرحات في المعدة، وجلست في المستشفى قرابة الأسبوع، وخرجت منها، والامتحانات على الأبواب، - وبحمد الله - امتحنت بعد مرضي هذا، ولكنني أصبحت ألاحظ أشياء غريبة تحدث لدي لم تكن تحدث لي من قبل، فعندما أتوتر، أو أشعر بالخوف، فإنه يصاحب ذلك شعور بالغثيان، فأذهب إلى الحمام وأستفرغ، وأصاب بحالة خوف، وأقول بأن معدتي تؤلمني، وأنا لا أشعر بألم، ولكن أشعر بضيق في التنفس، وخوف شديد، وأعبر لأهلي عن هذا بألم.

هذه الحالة كانت تأتيني خصوصا عندما يتقدم لي شخص ما لخطبتي، أو يريد أن يقيم معي علاقة حب، وكنت أتحجج بأنه غير مناسب، أو أني مشغولة بالدراسة، ولكن هذه الحالة لم تؤثر على شخصيتي في البداية، وكنت أخرج وأرى صديقاتي، وأزور أقاربي، ولكن لم يكن هذا حالي من قبل أن أمرض.

ومرت الأيام، ووصلت إلى السنة الثالثة في الجامعة، وتقدم لي أستاذ لخطبتي، تحمست أمي جدا له، ولكنه في كل مرة يتصل بي هاتفيا للنقاش في أمور الخطبة، أو أي شيء آخر، فإنني أتوتر، وينتابني الشعور بالغثيان، وأستفرغ، وتصيبني حالة الخوف، ولكن هذه المرة جاءت بشدة، لدرجة أني ذهبت للمستشفى بحجة ألم المعدة، وأخذت حقنا وأدوية، وأجروا لي منظارا، ولم توجد تقرحات هذه المرة، وكل من حولي يفسر ما يحصل لي بأنه خوف من الامتحانات، وأنا كنت أعلم بأنني لست خائفة من الامتحانات، وأنه ليس لدي مرض عضوي، وقطعت علاقتي بالأستاذ، لأنه غير مرضي، ولا يصلح كزوج.

وبالفعل أصبحت أخاف من الامتحانات، ومن الخروج، ومن ملاقاة الناس، ومن أي شيء، وحصرت نفسي في دائرة المذاكرة فقط، لا أذهب لصديقاتي، ولا أسمح لهم بزيارتي، وعندما يزورونني فجأة أشعر بخوف شديد، لأنهم عاشروني فترة مرضي، وكنت أخاف من أن يتقدم لي شخص ما، ويحصل ما يحصل، والشيء الوحيد الجيد في حياتي هو أنني بعد أن خسرت نفسي، وحيويتي، وتفاؤلي، هو تفوقي الدراسي، فكنت الأولى على دفعتي في كل فصل، وعندما تأتي مناسبة، أو عرس، أتحجج بالدراسة حتى لا أذهب، وكان أبي فرح جدا بتفوقي، ولكنني كنت لا أشعر بفرح في نفسي، فقد كنت أدرس، وأؤدي واجبي، وأدرس من بداية الفصل، حتى لا يأتي آخر الفصل وأفاجأ بالمرض، أو يحدث مثل الذي حدث لي في السابق.

كنت في خوف دائم جدا على دراستي، وعندما أذهب إلى مناسبة في فترة الإجازة، لا أتناول شيئا حتى لا أستفرغ، وأكتفي بأن أمضغ العلكة طول فترة العرس، وأكون قلقة ومتوترة، وأرقص بشدة حتى أضيع التوتر، لقد فقدت متعة أي شيء، وأعمل أي شيء كأنه أداء واجب فقط، وأخاف كثيرا.

وعندما وصلت السنة الأخيرة من الجامعة، تعرفت على قريب لي، وأحببنا بعضنا البعض، وكنا نتواصل عن طريق رسائل الهاتف، وكانت تأتيني أوهام بأني لن أكمل دراستي، وأنه سوف يحصل لي شيء ما يعطل دراستي.

أحببت قريبي بشدة، وهو كذلك، وأخبرته عن حالتي، وقال لي سوف أنتظر وأتحمل وأساعدك حتى تتعافي، وكانت تأتيني الحالة كلما يتحدث معي عن الخطوبة أو الزواج، وكنت أستفرغ، وأشعر بالخوف، ولكني كنت أتحمل حتى تخرجت من الجامعة، وتفوقت - والحمد لله - وجزء من الخوف زال، ولكن ما زال موجودا، وتحسنت قليلا، ولكن ليس بالشيء الذي أريده، وظلت علاقتي بقريبي، نتحدث بالهاتف بالنهار، وأحيانا قليلة بالليل، لأنني أخاف بالليل من التحدث بالهاتف معه حتى لا أصاب بالغثيان، ولقد مضى الآن على علاقتنا سنة ونصف، لم يحدث لها تطور، نلتقي أحيانا لعدة دقائق بسيطة، وهو يريد خطبتي، وأنا أخاف من أن تأتيني حالة الهلع يوم خطبتي، أنا لا أعرف ما بي، أهو اكتئاب، أم حالة بانك أتاك؟، أم ماذا؟ لقد أصبحت حالتي أسوأ من السابق، فلقد أصبحت أخاف أن أذهب لأي مكان، وأخاف من مقابلة الناس، حتى أقاربي لا أذهب لزيارتهم، أخاف أن أذهب للدكتور، أو حتى مركز تجميل، أصبحت عدوانية ولا أتقبل النقد، وعندما ينتقدني أحد في شكلي، تأتني حالة الهلع هذه، أو عندما يذكروا لي أيام مرضي أتضايق جدا، وتأتني أوهام بأني إذا أنجبت أطفالا لا أستطيع تربيتهم بسبب حالة الهلع، وإذا خطبت، فلن أقدر على مقابلة خطيبي، والتحدث معه ومع أهله، أو الأكل أمامه، وعندما تأتني هذه الأوهام أخاف جدا وأبكي بشدة، أحس بأن حياتي انتهت، أخاف أن أمرض وحتى إذا أحسست بالألم أو المرض فإني لا أخبر أهلي، وأتحمله لوحدي، حياتي في منتهي الصعوبة.

تعينت معيدة في الجامعة، فأجدني أخاف جدا قبل أدائي للمحاضرة، وأعمل كل احتياطاتي لكي لا تأتيني حالة الهلع أمام الطلبة، لدرجة أنني فكرت في تركه، ولكن أهلي ضغطوا علي بعدم تركه، ولا أستطيع أن أقول لهم السبب، وأصبحت أكره نفسي وحياتي.

أريد أن أتزوج قريبي لأني أحبه، أريد أن أعيش حياة طبيعية مثلي مثل أي فتاة، أريد أن أعمل في شركة، ولكن أي تعيين يعرض علي لا أذهب إليه، لأني أخاف مقابلة الناس.

طلبي هو: إن كان هناك دواء لعلاج حالتي فصفه لي كي أعوض ما فقدته، أرجوك ساعدني لكي أتخلص من الخوف، وأرجو تفسيرا للاستفراغ والهلع الذي يأتيني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سماح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فنشكر لك هذا التواصل مع إسلام ويب، ونهنئك بتخرجك من الجامعة بتفوق، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك التوفيق والسداد، وأن يتم زواجك قريبًا.

فإن حالتك بسيطة جدًّا، وهي ما يعرف بقلق المخاوف، والمخاوف التي تعانين منها هي من النوع التوقعي، أي أنك تضعين أمورا افتراضية أمامك، وتتضخم وتتجسم الأمور المستقبلية حتى وإن كانت بسيطة، وهذا يؤدي إلى شعورك بالقلق والتوتر الداخلي.

القلق الذي تعانين منه في معظمه هو من النوع المقنع، وأقصد بذلك أن الأعراض الجسدية أكثر من الأعراض النفسية، ولذا تصابين بالغثيان والاستفراغ، وكل الأعراض الجسمية التي ذكرتها -وهذه الحالات يسميها البعض بالحالات النفسوجسدية- ليست مرضًا خطيرًا، ولكن أتفق معك أنها مزعجة بعض الشيء، وقد تعيق الإنسان اجتماعيًا، لكن في نهاية المطاف سوف يتم علاجها بصورة ممتازة جدًّا.

وقبل أن نتحدث عن الدواء، أريدك أولاً أن تثقي في قدراتك، فأنت إنسانة منجزة وممتازة.

ثانيًا: أرجو أن تُقدمي على الزواج مباشرة بالشاب الذي ترين فيه الزوج الصالح لك، وما أصفه لك من دواء - إن شاء الله تعالى – سوف يُذهب كل أعراضك هذه.

ثالثًا: من الضروري جدًّا أن تمارسي تمارين الاسترخاء، ولدينا في إسلام ويب استشارة تحت رقم 2136015 أرجو الاطلاع عليها، والتدرب على تمارين الاسترخاء.

رابعًا: هنالك أدوية كثيرة جدًّا تفيد في حالتك، أفضل هذه الأدوية يعرف باسم: (سيرترالين) وهذا هو مسماه العلمي، ويسمى تجاريًا باسم (لسترال) أو (زولفت)، ولكن أعتقد بأن له مسميات تجارية أخرى، اسألي عن الدواء تحت مسماه العلمي، وتناوليه بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا – أي نصف حبة، حيث كل حبة تحتوي على خمسين مليجرامًا – تناوليها ليلاً بعد الأكل، وبعد عشرة أيام اجعليها حبة كاملة، استمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضي الجرعة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

ويوجد دواء آخر يعرف تجاريًا باسم: (فلوناكسول)، ويعرف علميًا باسم: (فلوبنتكسول)، وهو متوفر في السودان، وأرجو أن تتناوليه بجرعة حبة واحدة في الصباح، وقوة الحبة هي نصف مليجرام، تناوليها يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقفي عن الفلوناكسول، لكن يجب أن تستمري في السيرترالين بنفس الطريقة التي وصفتها لك.

هذه الأدوية أدوية سليمة، وفاعلة، وممتازة، وغير إدمانية، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها.

إذاً: خلاصة الأمر: إن هذا مجرد قلق المخاوف، وهي حالة نفسوجسدية، وتمارين الاسترخاء، والتفكير الإيجابي، والحد من التوقعات السلبية، وتناول الدواء، سوف تقضي عليها تمامًا.

أرجو ألا تترددي مطلقًا في موضوع الزواج، وأهنئك أيضًا بتعينك معيدة في الجامعة، وأسأل الله تعالى لك مستقبلاً باهرًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً