الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت باكتئاب شديد بعد ولادتي، فما هو العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أحببت أن أستشيركم وأن أعرض عليكم مشكلتي فأنتم أملي بعد الله، فأنا في كرب لا يعلمه إلا الله.

أنا امرأة أبلغ من العمر30 سنة ولدي ثلاثة أطفال، وبعد ولادتي بطفلتي الثالثة بثلاثة أسابيع أصبت بحالة اكتئاب وأعراضها أولاً: قلق وخوف شديد وفقدان اللذة في الحياة، وأن كل شيء في الحياة ليس له معنى ولا متعة حتى أبنائي وزوجي والأكل واللبس وكل شيء كنت أستمتع به في الحياة، وأصبح عندي شعور بعدم القدرة على القيام بمسؤولياتي حتى مع أبنائي، وفقدان للشهية، وأعاني من النوم بأني لا أنام من شدة الخوف، وإذا نمت أستيقظ على شدة الحالة وكأن قلبي يسقط من شدة الخوف ولا أستطيع العودة للنوم وأحلام وكوابيس.

كنت في بداية مرضي أستيقظ ولا أستطيع تذكر ما رأيت، ولكن بعد فترة أصبحت أرى أحلامي، وعدم تركيز وكأنني أمشي بدون عقل أو في حلم، وكأنه لا يوجد في نفسي حل سوى الموت، وأصبح عندي العقل يستوعب أفكار الموت بأن أسقط من مرتفع أو أي حل يفقدني الحياة، ولكن بفضل الله استطعت أن أتغلب على هذه الأفكار، وذهبت فكرة الموت لأني أتذكر أبنائي وزوجي وحبي لهم، ووضعت هدفي أنني سأعود كما كنت معهم لأستمتع بحياتي معهم، وحتى رضاعتي لطفلتي لم أنجح فيها مما تألمت منه كثيراً.

وأنا لي الآن شهرين منذ أن بدأت الحالة، ومع استشارتي لمن سبق له المعاناة ممن حولي قالوا بأنها مسألة وقت وتذهب، أنا الآن - ولله الحمد - ألاحظ تحسن في حالتي بأني أصبحت أستطيع التغلب على نفسي في الأكل والنوم، حتى لو لم أستمتع بها فأنا أستطيع مزاولتها وأقاوم نفسيتي وأخرج وأخالط الناس وأضحك، ولكن المشكلة أنني فاقدة للذة في كل شيء متضايقة من الداخل، وأخاف من المستقبل وتصيبني أحياناً بعد المقاومة حالة بكاء وأنهار.

كل ما أتمناه أن أعود لزوجي وأبنائي ولنفسي كما كنت وأمارس حياتي بشكل طبيعي وأستمتع بما كنت أحبه.

مع العلم بأن ولادتي كانت فرحة كبيرة لي وكنت أنتظر مولودتي بفارغ الصبر، ولكني بعد الولادة أصبت بالتهابات وانفتحت الخياطة واستمريت أعالجها أسبوعين ثم أعدت الخياطة من جديد وبعدها بعدة أيام أصابتني الحالة.

فما رأيك دكتور، هل أستمر على مقاومتها وبإذن الله ستزول مع الوقت أو أذهب لطبيب نفسي وأخذ الدواء؟ إذا كان هناك دواء يجعلني أرتاح وأزاول حياتي كما كنت بكل راحة وأمل ومتعة، مع العلم أني أخاف من الدواء النفسي؛ لأني لا أريد دواء منوم.

وأسأل الله أن يشفي كل مريض ويرزقني السكينة والطمأنينة في قلبي، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المتفائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فما تحدثتِ عنه هو حالة مثالية جدًّاً لاكتئاب ما بعد الولادة، وقد كان توجهك في مقاومة المرض وعلاجه أيضًا مثالي جدًّا، ولا بد أن أهنئك على هذا المبدأ، أي مبدأ علاج النفس بالنفس، ومن خلال الإصرار والتفاعل والتفكير الإيجابي يستطيع الإنسان أن يتخلص من جزئيات كبيرة جدًّا من الاكتئاب، وهذا هو الذي حدث لك.

اكتئاب ما بعد الولادة ربما يكون له مكون بيولوجي رئيسي، بمعنى أن الناقلات العصبية - أو ما يعرف بالموصلات العصبية – في الدماغ ربما يحدث فيها شيء من ضعف الإفراز أو عدمه، أو أن إفراز مادة السيروتونين – على وجه الخصوص – يكون غير منتظم، لذا يرى كثير من المفكرين في عالم الصحة النفسية وكبار المختصين أن تناول الدواء يعتبر ركيزة وجوهر أساسي في العلاج، هذا لا يعني أننا نقلل أبدًا من شأن الآليات العلاجية الأخرى، وأنت كما ذكرتُ الحمد لله تعالى تمارسينها بصورة جيدة جدًّا.

وعليه ومن خلال ذلك وبما أن افتقاد اللذة وعدم تذوق طعم الأشياء الجميلة في الحياة هو عرض رئيسي من عرض الاكتئاب النفسي، أرى أنه من الضروري جدًّا أن تتناولي أحد الأدوية البسيطة والفاعلة جدًّا، وإن أردت أن تذهبي إلى طبيب نفسي لا شك أن ذلك سوف يكون أفضل كثيرًا؛ لأن الطبيب من خلال الحوار معه وكلماته المشجعة وتأكيد الاستبصار لديك وثقتك في ذاتك، هذا كله يؤدي - إن شاء الله تعالى – إلى شفاء هذه الموجة الاكتئابية.

على العموم: موجتك الاكتئابية أعتقد أنها سوف تؤول إلى الزوال - إن شاء الله تعالى – لكن التعجيل بإزالتها قد لا يتم إلا من خلال تناول أحد الأدوية - كما ذكرت لك – وذهابك إلى الطبيب أيضًا هو شيء إيجابي وجميل جدًّا.

عمومًا: إن لم يتيسر لك الذهاب إلى طبيب نفسي فهنالك دواء بسيط جدًّا يعرف تجاريًا باسم (سبرالكس) واسمه العلمي هو (إستالوبرام) أنت محتاجة لهذا الدواء لمدة قصيرة، وبجرعة صغيرة، الدواء جرعته هي عشرين إلى ثلاثين مليجرامًا في اليوم، لكن أعتقد أنك في حاجة إلى عشرة مليجرام فقط.

البداية – أو ما يسمى بالجرعة التمهيدية – هي أن تتناولي نصف حبة – أي خمسة مليجرام – يتم تناولها ليلاً لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبة كاملة – أي عشرة مليجرام – يوميًا لمدة شهرين، ثم تخفض الجرعة إلى خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقفي عن تناول الدواء، هو دواء فاعل وممتاز وسليم جدًّا وغير إدماني.

أرجو أن تستمري في برامجك التشجيعية والتأهيلية، نظمي وقتك، استفيدي منه بصورة إيجابية، الأشياء الطيبة والجميلة في الحياة حاولي دائمًا أن تذكري نفسك بها، فهي - إن شاء الله تعالى – سوف تقوّي دوافعك لمقاومة الاكتئاب وهزيمته.

أيضا اجعلي لك وردا من القرآن الكريم، واختلطي بالصالحات، وحاولي ان استطعت الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم فهي مساعد كبير للتخلص مما أنت فيه.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تونس المتوكلة على الله

    انا الان اشعر مثل ما كنتي تشعرين بالظبط و اتمنى من الله ان يشفيني من هذا الاكتئاب و اعود لنفسي و حياتي و الطموح الكثيرة التي كانت لدي مع العلم انا لست متزوجة و اتناول في الدواء منذ 20 يوما خفت اعراض الخوف لكن بقية الاعراض لم تنتهي بعد..اتمنى ان اشفى و يا رب يكون الله كتبلك الشفاء اختي الكريمة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً