الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما الطرق المثلى لامتلاك محاسن الأخلاق واجتناب مساوئها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل لكم التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة: أما بعد فسؤالي هو:

ما هي أحسن الطرق لامتلاك محاسن الأخلاق؟ وما هي أحسن الطرق للابتعاد عن مساوئ الأخلاق؟ وكيف نتجنب الكلام الكثير؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابننا الفاضل - في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الجميل، وأنت حقيقة – ابننا الكريم – شرف لموقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وكم هو جميل أن يسأل الإنسان عن الأخلاق الحسنة، وكيف يكتسبها، وكيف يتجنب الأخلاق السيئة، ثم بعد ذلك كيف يتجنب كثرة الكلام.

حقيقة إذا شعر الإنسان أن كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه، قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} والكلمة خطيرة جدًّا، لأن الإنسان قد يتكلم بالكلمة من رضا الله لا يُلقي لها بالاً ينال بها أرفع الدرجات، وقد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض، ولا شك أن قلة الكلام ميزة ونعمة، الإنسان إذا صمت سلم، وإذا قال خيرًا غنم، والنبي - عليه الصلاة والسلام – هو الذي قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).

ورغم أن الصمت وعدم الكلام الكثير والحرص على الكلام الموزون من مكارم الأخلاق إلا أنك حرصت على أن تبرز هذه المسألة، فنسأل الله أن يشغل ألستنا بطاعته، وأن يطهر قلوبنا من الشقاق والنفاق وسيئ الأخلاق، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ونبشرك - ابننا الكريم والقارئ الكرام وكل من يمر على هذه الاستشارات – بأن من نعم الله علينا أن الأخلاق الحسنة تُكتسب، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم – جاء متممًا لمكارم الأخلاق، جاء فوجد أخلاقًا جميلة ربطها بالله وصوّبها - عليه الصلاة والسلام – ووجد أخلاقًا سيئة صوّبها وأعادها إلى صوابها ونصابها، وجاء بأخلاق جديدة كالإيثار ما كانت الدنيا تعرفه، يطعم الناس وهو جائع، ويسقيهم وهو ظمآن، يقدم الآخرين على نفسه، ربط الأخلاق جميعها بالله تبارك وتعالى، فأصبح الكريم ليس كريمًا لأجل الشهرة ولكن لأن الله كريم يُحب الكرماء، وأصبح الإنسان الحليم ليس ضعفًا ولكن الله تبارك وتعالى هو الحليم، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم – والأنبياء ضربوا أروع الأمثلة في الحلم والعفو والصفح.

إذن فالبشارة هنا هي أن الأخلاق تُكتسب، وأن الإنسان يستطيع من خلال قراءة القرآن، من خلال قراءة السيرة، من خلال السنة، من خلال فهم هذه الشريعة أن يكتسب الأخلاق جميلة، كذلك من خلال التأسي بالرسول - عليه الصلاة والسلام – الذي مدحه العظيم فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم} فإن خصال الخير احتشدت في رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه -.

كذلك يكتسب الإنسان الأخلاق الحسنة بالجلوس مع أهلها وبتكلفها، فقد يُصبح البخيل كريمًا، إذا جالس الكرماء، إذا حمل نفسه على الكرم، يحمل نفسه حتى تصير عادة وتصير سجية يكون طبعه بهذه الطريقة.

كذلك يكتسب الأخلاق الحسنة عندما يعرف أن الأخلاق ترفع الإنسان درجات، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن من أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا، الموطؤون أكنافًا)، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم) فعندما يعرف الإنسان قيمة هذه الأخلاق ومكانة حسن الخلق، فإن هذا دافع كبير جدًّا لاكتساب الأخلاق الحسنة.

كذلك أيضًا بالقراءة عن السلف وأخلاقهم، كذلك أيضًا بمعرفة ثمار حسن الخلق، وأنها تُوصل إلى الجنة، فقد سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم – عن أكثر ما يُدخل الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل النار؟ فقال: (الفم والفرج).

وإذا حرص الإنسان على اكتساب الأخلاق الحسنة فإنه تلقائيًا يكون تفادى الأخلاق السيئة، وهذا هو الذي ينبغي أن يسعى الإنسان، بأن يعرف أن فيه نقائص، وفيه إيجابيات وفيه سلبيات، يعزز الإيجابيات، الأخلاق الحسنة، يتمسك بها، يشكر الله عليها، ثم يسعى في علاج نفسه وفي الصعود بها بالتخلص من الأخلاق السيئة، ولأجل هذا التخلص كانت المواعظ وكانت الدروس، وكانت التربية النبوية، والصيام والحج والزكاة، الزكاة تربي وتطهر من الشح والبخل، الصيام يطهر من الشره، وألا يكون الإنسان عابد طعامه، وعابد بطنه، والصلاة أيضًا تربي على الجدِّية، فما من عبادة ولا من فريضة شرعها الله إلا وهي تحقق هذه المعاني الكبيرة، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – كما قلنا بُعث متممًا لمكارم الأخلاق، والأخلاق عندنا لا تنفصل عن الدين، ولذلك قال ابن القيم وقال قبله كثير من العلماء: (من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين) بل إن المتأمل يلاحظ أن الأخلاق هي ثمرة مطلوبة، فالنبي - عليه الصلاة والسلام – أخبر عن امرأة تصلي وتصوم - وكذا – لكنها تؤذي جيرانها، قال: (هي في النار) لأنه: أين ثمرة الصلاة؟ أين ثمرة الصيام؟ إن لم يكن حسن الأخلاق، وسئل عن امرأة عبادتها عادية لكنها تتصدق على جيرانها – وكذا – قال: (هي في الجنة).

هذا دين عظيم يُعلي من الأخلاق، والإنسان يعرف الأخلاق الفاضلة من خلال الشريعة، لأن الشريعة هي التي حددت الحسن وحددت القبيح، والناس أيضًا يعرفون الأخلاق الحسنة، ولكنهم يحتاجون إلى وحي الله ليؤكد الأخلاق الحسنة، كذلك يحتاجون لفهم الشريعة حتى تكون تحسين الأخلاق رغبة فيما عند الله تبارك وتعالى، فالإنسان الذي يحسن أخلاقه ليجتهد ليُشكر هذا يحرم نفسه من الثواب والأجر عند الله تبارك وتعالى، ولذلك نحن ينبغي أن نحسن أخلاقنا، وينبغي أن يكون هذا التحسين للأخلاق رغبة فيما عند الله تبارك وتعالى وتأسيًا برسولنا - عليه صلوات الله وسلامه -.

نكرر شكرنا لك على هذا السؤال، وندعوك للإقبال على كتاب الله، وإلى قراءة الكتب التي تتكلم عن الأخلاق، كموسوعة الأخلاق الإسلامية، وكتابات عبد الرحمن حبنكة الميداني في الأخلاق، وصولاً إلى كتابات ابن القيم والغزالي وغيرهم – عليهم رحمة الله تعالى – الذين كتبوا عن الأخلاق وأجادوا وأبدعوا في ذلك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السويد ايمان

    اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب,
    اشكرك على الاداء العظيم وجزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك

  • أمريكا رديف الشمري

    جزاكم خير على نشر مثل هذي المواضيع

  • مصر عبده سعيد

    هههههههههههههههههههه

  • الأردن ولاء

    جزاكم الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً