الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفتقد إحساسي بذاتي كفتاة ولا أستطيع أن أعيش حياتي طبيعية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشعر بالضيق الشديد لعدة أمور تجول في رأسي, ولا تترك بالي, فتتركني وأنا دامية القلب, ولا أشعر ببهجة الحياة, ولا أشعر كمن هم في مثل سني, لعل أهمها وأشدها على الإطلاق شعوري بمشكلة في شكل جسمي, فأنا أعاني من السمنة والنحافة الموضعية؛ حيث امتلاء الجزء العلوي, ونحافة الجزء السفلي, فالعلوي يبدو كامرأة كاملة النضج, والسفلي يبدو كالأطفال, فأخجل من نفسي عندما أرتدي أي ملابس, فلا أشعر بالتناسق, وهذا يجعلني أفكر: كيف لي أن أتزوج وأنا بهذه الحالة؟ ومن هو ذاك الرجل الذي سيقبلني هكذا, ويترك الآلاف لأجلي!!
وحتى إذا تزوجني فإنه سيكتشف الأمر بعد الزواج, وهنا سوف تظهر المشكلات, فمن حقه أن يرى في بيته مثلما يرى في الشارع, أو حتى في القنوات, ولن أستطيع أن أحقق له هذا, فأفكر تارة في هجر الزواج مدى الحياة, وتارة أخرى أجد نفسى بحاجة شديدة لشريك في حياتي، وبعيدًا عن الزواج وتفكيري فيه فعندما يأتي فأنا أريد أن أشعر بنفسي, وأشعر أنني فتاة بعمر الزهور, وهذا الوصف قد يكون غير دقيق, ولا معبرًا عن أقل شعور تجاه هذا الإشكال بداخلي, فقد كاد أن يجن عقلي, وأمي لا تساعدني في ذلك؛ لأنها ترى أنها خلقة الله, فعلي أن أقبلها ويقبلها هو الآخر، ولكني أرى أن الله قد يخلق بنا قصورًا أو عجزًا لا لشيء, وإنما يريد بنا خيرًا, أو يبتلينا, وليس معنى هذا ألا نصلح ونحسن من أنفسنا طالما أن الامر يخلق عائقًا نفسيًا في استمرار الحياة ومواجهتها بشكل طبيعي, خاصة أني أتلقى تعليقات ممن حولي, وذاك يرميني في بئر مظلم لا أعرف كيف أنجو منه، وكما أن للزوج حقوقًا على زوجته, وإذا كان هناك بد من إصلاح شيء فيها لأجله, فلا أعتقد أن الدين يمنع إصلاحه, طالما أن الهدف هو إرضاء الزوج وحمايته من الفتن الخارجية, وإرضاء النفس قبل كل شيء لتستمر الحياة.

أكتب وأنا بحالة مزرية, وقد سئمت, وفي كل يوم أعاني من أحلام تارة تصيبني بالاكتئاب, وتارة أراني كما أريد، وليت هذا فقط, وهي ما يلقى بي إلى هاوية الانهيار عصبيًا وفكريًا, فماذا أفعل؟ وأرجوكم لا تعطوني حلولاً بسيطة تعمل عمل مسكنات لحظية.

آسفة للإطالة, وشكرًا جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ر.ز.ع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

بالنسبة لموضوع جسدك ورؤياك حوله وعدم ارتياحك لافتقاد التناسق فيه: فهذا يحتاج لشيء من التوضيح, فكثير من الفتيات يُصبن بعلة حول تقييمهنَّ لأجسادهنَّ، وقد تكون هناك بعض الاختلافات البسيطة هنا وهناك في الجسد، لكنه يحدث تضخيم وتجسيم وتجسيد لهذا الأمر؛ مما يكون شاغلاً ومقلقًا للفتاة، وهذه العلة معروفة – معروفة جدًّا في الطب النفسي – وبكل أسف لم أجد مصطلحًا عربيًا سهلاً لأعطيك وصفًا كاملاً للحالة، لكن لها معايير تشخيصية باللغة الإنجليزية، وخلاصتها أن الفتاة تكون نافرة جدًّا من جسدها إن كان به عيوب بسيطة, أو حتى إن لم تكن به عيوب، ونسبة لتعلقها بصورة ذهنية استحوذت عليها تقوم بوصف نفسها وجسدها بصورة فيها شيء من الخلل.

أنا لا أريد أبدًا أن أقلل من قيمة شكواكِ، وربما تكون هنالك علة حقيقية، ولعلها كما وصفتها ابتلاء يجب أن يُقبل, ولا شك في ذلك، وإذا كانت هذه العلة علة ظاهرة بالفعل من خلال مجالستي مع بعض العلماء, وكذلك الأطباء المختصين في جراحة التجميل والذين أثق بهم, وأعرف أنهم من أصحاب الخلق والدين، معظمهم أقر أنه لا بأس من إجراء بعض العمليات، لكن يجب أن يكون هذا القرار متخذًا من قبل طبيبين من أصحاب الاختصاص في جراحة التجميل, ومن أهل الخلق والدين.

إذن الحلول موجودة، فاعرضي هذا الأمر على أسرتك، وإن أردت أن تراجعي طبيبًا نفسيًا أيضًا فهذا قد يكون جيدًا؛ لأن الطبيب النفسي أيضًا له رؤية حول وجود علة حقيقية من عدمها، وهل الأمر هو فقط أمر معرفي وسواسي سلوكي متسلط عليك؟ لأن هذه الحالات موجودة, هذا هو الذي أراه من هذه الناحية.

من ناحية أخرى: فالإنسان إذا رأى نفسه ناقصًا أو معيبًا في شيء ما فيمكنه أن يعوض بصورة ممتازة جدًّا، ونحن نشاهد ونقابل الكثير من أصحاب الاحتياجات الخاصة من الذين فقدوا أبصارهم أو أسماعهم أو فقدوا أطرافهم، ونجدهم ما شاء الله تبارك الله في قمة الرضا والقبول لهذه النواقص، وفي ذات الوقت تجدهم قد تطوروا معرفيًا وعلميًا وأخلاقيًا, وأصبح لهم وجود حقيقي, فأنت لك فرصة عظيمة جدًّا لأن تُغلقي جميع الثغرات الفكرية والقلقية لديك, وذلك من خلال اكتساب المعرفة، وأن يكون لك عمل اجتماعي واضح تستفيد منه أسرتك ومن يعرفك، وبما أنك خريجة إعلام فأمامك فرصة عظيمة جدًّا أن تطوري نفسك مهنيًا, هذا كله يفيدك.

وأنت أيضًا محتاجة لبناء أنشطة اجتماعية، كالانضمام للجمعيات الخيرية، والمنظمات النسوية الثقافية الراشدة، والذهاب إلى مراكز تحفيظ القرآن، فهذا سوف يُشبع كل ما تفقدينه ونتج عنه القلق والتوتر وعدم القدرة على التواءم التي تعانين منها.

أنا لا أرى أنك محتاجة لعلاج دوائي، فأرجو أن تتبعي ما ذكرته لك، وبمقابلة المختصين - إن شاء الله تعالى – سوف تتضح الرؤية؛ مما يساعدك على قبول ما هو معقول ومنطقي.

بارك الله فيك, وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً