الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وساوس إيمانية، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أنا فتاة، أعاني من مشكلة إيمانية، تأتيني وساوس رهيبة عن الله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – وكذلك عن الرسول - صل الله عليه وسلم - والقرآن الكريم.

فأنا أحيانا أستطيع أن أسيطر على هذه الوساوس، وتذهب عني يوما كاملا، ولكن تأتي على أوقات تكثر وتسيطر علي، وأشعر بسببها كأني مخنوقة، وكأني لست أنا، وأشعر بأني شريرة وسيئة، فكل شيء أكرمني به الله أشعر بأني لا أستحقه.

ولقد مضى على هذا الموضوع ما يقارب 4 سنوات تقريبا وأنا أعاني منه، فأنا -والحمد لله- أصلي، ومواظبة على الأذكار، وأقرأ القرآن.

أرجو الرد لأني تعبت كثيراً، والموضوع أصبح يزيد علي كثيراً، وخصوصاً عندما أكون متضايقة من شيء، لدرجة أني لا أعرف هل هذه وسوسة؟

أنا خائفة من غضب ربنا، والله إني أحب الله ورسوله، ومؤمنة جداً بهم.

أرجو الرد، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - فإنه مما لا شك فيه أن الذي تعانين منه ليس بالأمر السهل أو الهين، لأنه نوع من الحرب القذرة، التي يشنها الشيطان على أولياء الله تعالى، فإن الشيطان يشن حربه دائمًا على أولياء الله ليُفسد عليهم عقيدتهم، وليُفسد علاقتهم بربهم وسيّدهم ومولاهم، وليصرفهم عن الإيمان الجاد، وليجعلهم لا دين لهم، ولا قيم، ولا مبادئ، ولا أخلاق، وهذا ما أخبر الله تبارك وتعالى عنه بقوله: {إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوًّا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}.

ولذلك - أختي الكريمة الفاضلة - هذا الذي تعانين منه كما ذكرتُ هو نوع من حروب الشيطان، لأن الشيطان يشن على المؤمن حربين: حرب ظاهرة، وحرب باطنة.

أما عن الحرب الظاهرة: فتسمى حرب الشهوات، وهي المعاصي الظاهرة التي تقع من العبد في حياته عن طريق العين، أو عن طريق الأذن، أو عن طريق الفم، أو عن طريق اليد، أو عن طريق أعضائه الظاهرة، وهذه تسمى بحرب الشهوات.

وهناك حرب أخرى باطنة، تسمى بحرب الشبهات، وهذه الحرب هي التي يشنها الشيطان على قلب عباد الله المؤمنين، بأن يُفسد عليهم علاقتهم مع ربهم عن طريق الوسوسة، والتزين لهم والتخيل، وعن طريق تشكيكهم في ربهم وسيّدهم ومولاهم جل جلاله سبحانه، أو في نبيِّه - عليه صلوات ربي وسلامه - أو في الإسلام كله، أو في أحد مبادئه العِظَام.

وهذه الحرب الداخلية - حرب الشبهات - علاجها بفضل الله تعالى ليس بالأمر المستحيل ولا الصعب، وإنما هو علاج يحتاج إلى شيء من الصبر، وإلى شيء من الترتيب والمتابعة، - وبإذن الله تعالى- سوف تزول تلك الأعراض - بإذن الله تعالى - في أقرب فرصة.

ولتعلمي - أختي الكريمة الفاضلة - أنك لست أول من يشن عليه الشيطان هذه الحرب القذرة، وإنما أنت على الدرب سائرة، فمعظم أولياء الله تعالى يبدأ الشيطان معهم تلك الحرب، وينصرهم الله تبارك وتعالى على الشيطان، لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {الله ولي الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور} فالله تبارك وتعالى هو وليُّنا وسيِّدنا ومولانا لا يُسلمنا لعدونا أبدًا، ولكن علينا أن نسلك الأسباب التي تؤدي إلى تحقيق نُصرة الله تبارك وتعالى لنا، من هذه الأسباب:

أولاً: المحافظة على الصلاة في أوقاتها.

ثانيًا: المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وخاصة (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحًا، وثلاث مرات مساءً، وكذلك (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، ثلاث مرات صباحًا، وثلاث مرات مساءً، وكذلك التهليلات المائة: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، صباحًا ومساءً، لأن النبي - عليه صلوات الله وسلامه – قال في نهاية هذا الحديث: (وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي أو حتى يُصبح).

كم أتمنى أيضًا أن تجتهدي في المحافظة على الطهارة قدر استطاعتك، بأن تكوني على وضوء معظم الأوقات، أو كل الأوقات إن استطعت ذلك، لأن الله تبارك وتعالى بالوضوء يجعل لك حارسًا يحول بينك وبين وصول الشيطان إليك.

كما أتمنى - بارك الله فيكِ - الاجتهاد في الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وقراءة آية الكرسي، واستماع سورة البقرة أو قراءتها، ومن الممكن أن تُحضري شريطًا به الرقية الشرعية، وتضعينه في مسجل في داخل البيت ليقرأ في بيتكم، لاحتمال أن تكونوا في حاجة إلى تطهير هذا البيت من كيد الشيطان وبراثنه.

كما أنه عليك إذا ما شعرت بالوسوسة، أو بدأت تحسين ببدايتها، فقولي: (آمنتُ بالله ورسولِهِ، أعلمُ أن الله على كل شيءٍ قدير)، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى الصحابة عندما يأتيهم ذلك في قلوبهم، فقال لهم (ذاك صريح الإيمان)، يعني كون الشيطان يُشكك الإنسان في الله سبحانه وتعالى حتى يقول: من خلق ربك؟ - إلى غير ذلك، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (ذاك صريح الإيمان)، فعليك باستعمال هذه الأسلحة، - وبإذن الله تعالى - سوف يرد الله تبارك وتعالى عنك كيد الشيطان الرجيم.

وهناك أيضًا سلاح آخر، وهو سلاح المدافعة، وأقصد بالمدافعة: عدم الاستسلام لهذه الفكرة، فأول ما تشعرين ببدايات الدخول في هذه الوسوسة، حاولي أن تغيري الواقع الذي أنت عليه، فإذا كنت مثلاً نائمة فقومي، وإذا كنت جالسة فقفي، وإذا كنت وحدك فحاولي أن تخرجي من غرفتك، وأن تتكلمي مع أي أحد من أفراد أسرتك، أو أن تنظري حتى من النافذة، أو في أي شيء آخر، المهم أن تُشتتي فكرة الوسوسة، وأن تحاولي أن تجتهدي بأن تشغلي نفسك بالنظر، أو الانشغال في أي شيء آخر حتى تتخلصي من هذه الوسوسة، لأن الشيطان يجرب أسلحته، فإذا وجد أن هناك سلاحًا بدأ يُثمر، وبدأ يؤدي دوره في إفساد علاقة الإنسان بربه، ركّز عليه بكل قوة، وحاول أن يجد ويجتهد في استغلاله، ويعظم في عين الإنسان ذنوبه، ويشعره بأن الله لا يحبه، ولن يقبل توبته، ويظل يضغط على هذه الفكرة، حتى يصدقها الإنسان، ويتوقف عن التوبة، وسؤال الله المغفرة.

فعليك بالتوبة، والإكثار من الاستغفار، وأن تعلمي أن ذنبك مهما عظم فإن رحمة الله أعظم وأوسع.

كما أنصحك بالرقية الشرعية، لاحتمال أن يكون هذا بسبب مس الجن، أو العين، أو الحسد، وعليك بالإكثار من الدعاء، والإلحاح على الله مع البكاء، أن يصرف الله عنك كيد الشيطان، وأن يحفظ عليك دينك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات.

وأخيرا: أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً