الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدرستي بها اختلاط وفتن وأريد تركها.. فكيف أقنع أبويّ بذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أولا: أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع المفيد، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، وأن يبارك فيكم.

عمري 15 سنة، من دولة عربية، أدرس في السنة الأولى الثانوية، أواجه مشاكل في الدراسة نظرًا لكثرة الاختلاط والفتن الشديدة الموجودة التي أراها كل يوم داخلها، مما أدى إلى انخفاض مستواي الدراسي وحتى الديني لكثرة الإجهاد والتعب النفسي الذي أواجهه، ولقد كرهت هذا الوضع، وأفكر جديًا في ترك الدراسة.

مع العلم أنه يمكنني أن أعوضها في أي وقت آخر، وذلك عن طريق ''البكالوريا الحرة''، وأرغب بشدة أن أرتدي النقاب، وأن أحفظ القرآن، والمشكلة أنهم يمنعون ارتداء النقاب داخل الثانوية؛ لأنهم يعتقدون أنه من التشدد والانطواء، وأن فيه شبهات، وأرجو منكم أن تساعدوني في هل ما أنوي فعله صحيح أم لا؟

لأني -والله يشهد على ما أقول- تعبت من البيئة التي أدرس فيها؛ ففيها الفساد منتشر بشكل كبير جداً، وكذلك الفتن، حتى أنه يوجد فيها أساتذة، أسأل الله أن يقي الفتيات من شرورهم، وهم ممن قال فيهم الله عز وجل {في قلوبهم مرض}، ففي بعض الأحيان تصل بهم الحال إلى أن يغازلوا التلميذات، والتلفظ بكلمات سيئة.

هذه أول سنة لي في الثانوية، ووالله إني ما عدت أستطيع أن أكمل السنة كلها فيها، فقد رأيت فيها ما لم أعتقد أنه يمكن للإنسان أن يصل به الفسوق إلى هذه الدرجة، وأن يجهر بالمعصية.

أسأل الله الثبات لي ولجميع المسلمين، لكن والدتي ترفض أن أخرج في هذه السنة، وتقول بأنه يجب أن أكمل هذا العام من أجل ألا يقول الناس أني تركت الدراسة بسبب النقاب.

ووالدي لن يقبل أن أرتدي النقاب بسهولة إذ أنه من المعارضين له، وأسأل الله أن يهديه، فأعينوني وأرشدوني فإني حائرة في أمري.

وجزاكم الله خيرا، وأرجو أن تعذروني على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ étoile حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يزيدك صلاحًا وأن يثبتك على الحق.

لقد أصبت كبد الحقيقة -أيتها البنت العزيزة- حين قررت الخروج من هذه الدراسة التي وصفت فيها ما وصفت من المنكرات، وكوني على ثقة تامة -أيتها البنت الكريمة- من أن الله -سبحانه وتعالى- سيكفيك ما أهمك إذا تركت شيئًا لوجهه سبحانه وطلبًا لمرضاته، فأحسني ظنك بالله جل شأنه، واعلمي أنه سيخلف عليك بخير، وسييسر لك الأمور فإنه وعد سبحانه وتعالى ووعده حق لا يتخلف، فقال جل شأنه: { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا* ويرزقه من حيث لا يحتسب}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:(من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه).

وأنت -بحمد الله- قادرة على إكمال الدراسة بطريقة أخرى سليمة من الوقوع من المنكرات والمعاصي، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد حذرنا من فتنة الرجال بالنساء والرجال بالنساء أشد التحذير، وقد وفقت للصواب حين أدركت خطورة هذه الفتن، ومن ثم فنحن نشجعك على المضي في هذا القرار الذي اتخذته.

ونوصيك مع ذلك بضرورة التلطف بوالديك، ومحاولة اتخاذ أحسن الأساليب في إقناعهما، فإنهما بلا شك أشد الناس حرصًا على مصلحتك ورحمة ورفقًا بك، ورحمتهم هذه تدعوهم إلى أن يحرصوا على جلب المصالح والمنافع لك، ولكنهم قد يخطئون في تقدير هذه المصالح، ومن ثم فينبغي أن تدركي أن حرصهم عليك وحبهم لمصالحك يدفعانهما للوقوف في هذا الموقف، فإذا أحسنت طريقة عرض المشكلة التي تعانينها وتجدينها، وأحسنت إقناع أمك بالأخطار التي تهددك من وراء هذه الدراسة المختلطة والفتن التي تحيط بك، وخوفك على نفسك، وحال هؤلاء الأساتذة الفساق، وأبديت لها مخاوفك على نفسك من الانجراف والانجرار، إلى ما لا تحمد عاقبته، فإننا نثق بإن أمك ستتفهم هذه الأوضاع، وستكون عونًا لك في إقناع أبيك للموافقة على ما اتخذته من قرار.

وعلى فرض أنك قمت بما ينبغي أن تقومي به من التلطف بهما، وحسن العرض لهما، ثم أصرا على رأيهما فإنه لا يجوز أن تطيعهما في ذلك ما دمت تدركين من نفسك خوف الوقوع في هذه المعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتلطفي بأبيك قدر الاستطاعة في إقناعه بارتداء بالحجاب وتغطية وجهك، وأن هذا فيه صيانة لك، وحفظ لسمعتك وسمعة أبيك، وأن هذا يعود عليه بالصيت الحسن، وثناء الناس عليه، وحفظ عرضه، ونحن على ثقة من أنه سيتفهم هذا كله؛ ولكنه إذا لم يتفهم ذلك، فإن طاعة الله مقدمة على طاعته، مع ضرورة الإحسان إليه بكل حال كما أوصى الله -سبحانه وتعالى- في قوله: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يأخذ بيدك، وأن يجعل حرصك على طاعته سببا لجلب الأرزاق الحسنة إنه جواد كريم.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً