الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتغلب على شهوتي التي تدعوني للمعصية؟

السؤال

السلام عليكم

أنا -الحمد لله- التزمت دينياً، ولا أفوت فرضاً ولا سنة، وقيام الليل وصلاة الفجر مهما كنت تعباً، وألتزم بالأذكار وقراءة القرآن، رغم طول فترة عملي، وقلة ساعات نومي، إذ لا تتعدي 4-5 ساعات يومياً، وأنا سعيد بهذه الطاعات جداً، ولكن يوجد ذنب يفسد علي كل هذا، ولم أستطيع التخلص منه.

أنا مغترب ومتزوج، وزوجتي سافرت، وأعيش لوحدي وعندي شهوة شديدة جداً، تجعلني أمارس العادة السرية، مما يصيبني بالاكتئاب والإحباط، والضعف في الطاعات، أو الحرج من ربنا لكثرة تكرار الذنب.

حاولت التخلص من الذنب بجميع الحالات، ولكنه يأتي الشيطان يسيطر علي في دقيقة واحدة، يفسد كل شيء، وذلك نتيجة زيادة الرغبة، ولا أعرف ماذا أعمل؟ بدأت في الخجل من الله، ولا أريد أدخل بيته لأنني شخص لا أستحق الشرف بدخول بيت الله، أو أقف بين يديه أو أمسك مصحفه أو أي شيء، لأنني أتوب وأبكي وأرجع عشرات المرات، وأعرف أن لحظة زيادة الرغبة سوف أعمل هذا الذنب.

أرجوكم ساعدوني في التخلص من هذا الذنب، خاصة وأني في ظروف طول فترة عملي 12 ساعة يومياً، وغربتي وظروفي الشخصية، وبعدي عن زوجتي وأهلي أمور تصيبني بالاكتئاب. وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك فإنه مما لا شك فيه أن العبد إذا أنعم الله عليه بنعمة الطاعة والالتزام، خاصة هذه العبادات الكبيرة التي تمارسها وغيرك قد لا يستطيع أن يقوم بشيء منها، خاصة ما يتعلق بقيام الليل.

أقول: مثل هذه العبادات تجعل الإنسان يتمتع بحساسية عالية جدًّا من المعاصي والذنوب، لأنه يعلم أنه وصل إلى درجة راقية في العلاقة مع الله تبارك وتعالى، وأن مثله لا ينبغي له بحال أن يقع في مثل هذا الأمر.

من هنا فإن الذي تشعر به من الآلام النفسية وشدة الحياء والخجل من الله تعالى أمر طبيعي، نظرًا لمستواك الإيماني الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به.

اعلم -رحمك الله وبارك الله فيك وغفر لك- أنه لا حل إلا بعودة زوجتك إليك، أنت رجل -كما ذكرت- تتمتع بشهوة زائدة، ولم ولن يتركك الشيطان أبدًا وحدك بأي حال من الأحوال تعيش عبدًا صالحًا قانتًا مخبتًا منيبًا، ولذلك مهما وصفت لك من حل فهو عبارة عن مسكنات مؤقتة، الحل الأمثل إنما هو رجوع زوجتك إليك، قد تقول إنها لو جاءت معي فسوف ننفق الراتب كله، وأقول: وما المشكلة؟ هل أنت مخلوق لجمع الأموال وحرمان نفسك منها ثم بعد ذلك تتركها لأولادك من بعدك، وفي الوقت ذاته حرمانك من الاستمتاع بأهلك ووقوعك في المعاصي والذنوب والآثام حتى تلقى الله أسود الوجه والعياذ بالله.

مما لا شك فيه أن هذا ليس صحيحًا، فالواجب على المسلم الصادق أن يفتدي دينه بكل شيء، لأنك تعلم أن هنالك ضرورات تسمى بالضرورات الخمس، وعلى رأسها حفظ الدين، فالمال وجمعه يأتي في مرتبة متأخرة جدًّا عن حفظ الدين، ولذلك أنت عكست الأمور وسرت على عادة الناس وأعرافهم وتقاليدهم فأرسلت زوجتك إلى بلدك حتى توفر أكبر قدر ممكن من المال، وحتى تستطيع أن تُنشئ الإنجازات من عقارات وعمارات ومنقولات ومصنوعات ومشغولات -إلى غير ذلك- كعادة الناس، ولكن هذا فهم خاطئ، لا ينبغي أبدًا أن يكون جمع المال على حساب الدين، خاصة وأنت شاب وسوف تعاني معاناة مرّة، والشيطان يعرف عنك أنك ضعيف، والشيطان يعلم أنك سقطت في يده أكثر من مرة، هذه المرات التي سقطت فيها تُسجل ضدك.

لذلك الحل الأمثل ولا تسأل عن حلٍّ غيره، كن شجاعًا وكن جريئًا وكن قويًّا وخذ قرار عودة زوجتك إليك، حتى وإن أنفقت الدخل كله كاملاً، لأن الله -تبارك وتعالى- ما أعطاك هذه النعمة لتعذب بها نفسك، والأرزاق بيد الله، وكما أن الله رزقك بلا حول منك ولا قوة فهو قادر أيضًا على أن يرزق أولادك بلا حول منك ولا قوة.

أما مسألة أننا نجري على عادات الناس وأعرافهم وأن الزوجة ما دامت معك فإنك ستكون مسكينًا تُنفق كل شيء وسترجع في نهاية السنة إلى أهلك ليقولوا لك أنت رجل لست موفقًا، غيرك فعل وفعل وفعل، نقول: نعم كلٌ له ظروفه، ما دمت تعلم حال نفسك فلماذا تدفن نفسك في الرمال ولا تواجه مشكلتك بقوة ولا شجاعة وجرأة.

عليك أخذ قرار شجاع وجريئ من الآن باستقدام زوجتك إليك، وعودتها لك مرة ثانية حتى وإن لم توفر شيئًا، فإن هذه نعمة من أجل نعم الله تعالى، نعمة الأمن والأمان والاستقرار، نعمة الزوجة الطيبة الحلال، كلما أتيتها، أو كلما مازحت معها أعطاك الله -تبارك وتعالى- على ذلك أجرًا، وهي عبادة مما لا شك فيه كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يخفى عليك، وأنت رجل شاب فلا تحرم نفسك هذه المتعة الحلال تحت أي ظرف من الظروف وتحت أي حجة من الحجج؛ لأنك بذلك قد تفقد دينك كله مع الأيام -والعياذ بالله-، لأن الشيطان لن يستثني بهذه المعصية، وإنما قال ابن القيم -رحمه الله-: (ما من معصية إلا وهي تنادي على أختها لأنها لا تُحب أن تكون وحدها)

أر الله من نفسك خيرًا، وخذ قرارًا بعودة زوجتك إليك، وإذا كان لك أبناء تربيهم ويستمتعون بك، أما مسألة أن يكون لديَّ مال أو لا يكون فهذه مسألة يجب أن تكون متأخرة جدًّا، لأن دينك مُهدد، وإذا تم تهديد دينك فقل بربك مَن الذي يُغني عنك من الله شيئًا يوم العرض عليه سبحانه.

أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لكل خير، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً