الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

في داخلي كبر لا أظهره للناس، فهل أعد من المتكبرين؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا في قلبي يوجد كبر, لكن لا أتكبر على أحد -أي أنا متكبر في داخلي فقط- ولا أظهره للناس, ولا أتكبر عليهم.

فهل هذا يعتبر تكبرا, وهل أعتبر من المتكبرين؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

أهلا بك -أخي الفاضل- في موقعك إسلام ويب, وإنه ليسرنا تواصلك معنا, ونسأل الله أن يوفقك لكل خير.

الأخ الحبيب: هناك فارق كبير بين الكبر والإعجاب بالنفس، فالكبر: بطر الحق, وغمط الناس، وأما الإعجاب بالنفس فهو يعني: السعادة الداخلية في النفس بمدح المادح, أو فعل الصالح، والأخيرة صفة مشتركة بين الناس, وقد أمر الإسلام بتعهدها, وعدم ترك العنان لها؛ حتى لا يصل الأمر إلى التكبر على خلق الله.

وفي سبيل ذلك نهى الإسلام أن يمدح الرجل في وجهه إلا بضوابط, فعن أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ: (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا). وهذا الضابط يقي -إن شاء الله- من الوقوع في المهالك، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نحثو التراب في وجوه من امتهنوا هذه المهنة, فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) رواه مسلم.

ولعلك -والله أعلم- واقع في الإعجاب بالنفس لا في الكبر، وعلى كل حال فإن علاج هذا الشعور نلخصه لك في النقاط التالية:

1- ضع هذا الحديث نصب عينيك، وعلقه على جدار قلبك, وكرره على مسمعك, يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان, وملك كذاب, وعائل مستكبر) فانظر -حفظك الله- إلي سوء العقوبة, نسأل الله السلامة.

2- عاقبة الكبر: الهم والحزن, والفشل للمتكبر, وهي وبال على صاحبها في الدنيا والآخرة؛ ففي الدنيا تصده عن اتباع الحق والهدى، وعن الإصغاء إليه بقلبٍ مفتوح, وتكسو حياته بالضنك كما قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} طه:124.

والإعراض عن الذكر والعلم والهدى -كما تقدم- من أخص ما يدخل في معنى الكبر، وهو من أبرز سمات المتكبرين. وقال تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كلَّ آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً} الأعراف:146. أي: أن الله تعالى يصرف المتكبرين عن الانتفاع بالآيات القرآنية, والآيات الكونية, والنفسية؛ لأن كبرهم يحرمهم من الانتفاع بها، فهو لا يجعلهم يرون الحق حقاً, فهم لو رأوا الآيات الباهرات لا يؤمنون بها؛ لكبرهم الذي يمنعهم من الإصغاء إلى الحق, وكذلك لو رأوا سبيل الحق والرشاد لا يتخذوه سبيلاً، وإنما يتخذون سبيل الغي, والضلال, والعذاب, والجهل, والعمى سبيلاً, وما ذلك إلا لكبرهم وترفعهم عن الحق وأهله.

وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا أخبركم بأهل النار: كل عُتُلٍّ جوّاظٍ مُستكبر) ضع كل هذا أمام عينيك.

3- لا تغتر بثناء الناس أو مديحهم، فقد قال بعض عباد الله: (إنما يمدحك من يمدحك لظن خير فيك, وأنت أدري بيقين نفسك, فلا تدع يقين ما عندك لظن ما عند الناس).

4- اقرأ كثيرًا في فضل التواضع وأثره، وانظر إلى سير الصالحين من أهل العلم كيف كانوا يراقبون أنفسهم, ويلجمونها بلجام التواضع.

5- عود نفسك على إهانتها حين تتكبر عليك، فالنفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه سرقك.

6- أكثر من مصاحبة من هم أعلى منك شأنًا وأقرب منك دينًا؛ فإن المرء ضعيف بنفسه, قوي بإخوانه.

7- أكثر من الدعاء إلى الله والاحتماء به، فالدعاء سهم من سهام العبد الصائبة، والله ـ عز وجل ـ قد وعد بإجابة الدعاء.

نسأل الله أن يبارك فيك, وأن يحفظك, وأن يقدر لك الخير حيث كان, وأن يرضيك به.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً