الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مع اعتزازي بنفسي إلا أنني أعاني من حساسية في نظرة الناس للمواقف التي تحصل معي.

السؤال

السلام عليكم..

أنا شاب عمري 26 سنة، أعتز بنفسي كثيرا، وأملك ما يدفعني لذلك؛ فأنا دائم الاطلاع والقراءة، اجتماعي وقوي القلب والشخصية بشهادة كل من عرفني، وأحسب نفسي متدينا ولا أزكيها على الله تعالى، أمارس عدة رياضات مثل: كرة القدم والكاراتيه، وأعيش حياتي بجدية تامة وأسعى للعيش بمثالية.

لكن مشكلتي: تكمن في الحساسية المفرطة من كلام الناس؛ فمزحة واحدة لا تعجبني من شخص وإن كان صديقا كفيلة بأن تهز ثقتي بنفسي وتجافي النوم عن عيني ساعات وساعات، وفي هذه الحالة يصبح شغلي الشاغل هو التفكير بما دار في رؤوس الحاضرين عني بعد تلك المزحة؛ فتجدني أصبح وأمسي وأنا أقول: أظن أن فلانا اعتقد بعد تلك المزحة أني لست بقوي الشخصية، وأظن بآخر قائلا: هذا ليس عنده من الشجاعة ما يكفي للرد....؛ ولأتغلب على هذا الأمر مؤقتا؛ أحاول أن أجتمع بكل من حضر ذلك الموقف بجدية تامة، وأفرض نفسي إلى أن تعود ثقتي بنفسي، ويزول شكي في نظرتهم إلي.

وبالطبع هذا الحل مؤقت وليس دائم الإتاحة؛ لأنه ببساطة يمكن أن يكون أحد الحاضرين قد سافر، فهذه الحالة تزيد الأمر سوءا وتعقيدا بالنسبة لي؛ يعني باختصار: أصبحت الثقة بالنفس عندي هاجسا أخشى فقدانه في أي لحظة!! والحقيقة أني أقسم بالله لا أعلم لم يحصل معي هكذا؛ نعم أنا أؤمن بأن وسواس الشيطان لها دور في هذا؛ لكنني -يا دكتور- أؤمن أيضا بأن هناك شيئا ما يجب إصلاحه في داخل نفسي؛ فماذا أفعل؟

وسؤالي الآخر هو: أنني أدرب نفسي كثيرا على المحافظة على الحضور الذهني والبديهي في جميع لحظات يومي، وفي كل الأوقات والأمكنة؛ وذلك من أجل أن أصيب في الرد وأتعامل بشكل سليم مع كل المواقف؛ إلا أن هذه الجهود كثيرا ما تخونني وفي أبسط المواقف وأكثرها بداهة؛ وخصوصا تلك التي تستوجب ردا مباشرا وسريعا؛ حيث أتصرف فيها بشكل خاطئ!! فأقوم بعدها بلوم نفسي وجلدها بشدة أسفا على ذلك التصرف؛ فكيف السبيل إلى التصرف بحكمة مع كل ما يواجهني ويتطلب مني الاستجابة السريعة؟!

بارك الله في جهودكم العظيمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا، وسررت لنمط حياتك الذي اختطه لنفسك.

يعاني بعض الناس مما نسميه الميل أو النزعة للكمال (perfectionism) حيث يميل الشخص في كل شيء يعمله إلى أن يكون "كاملا" والكمال لله تعالى، وهذه النزعة للكمال واضحة من خلال عنايتك واهتمامك بطريقة كتابة رسالتك، من استعمال الفواصل وخاصة الفاصلة المنقوطة وكل علامات الترقيم!

وصحيح أن الإسلام طالبنا بحسن العمل، وكما قال الحبيب المصطفى: (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه) أو في قوله (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) وطبعا مهنتك كمهندس تتطلب منك الدقة والحذر، ولعل هذا يزيد عندك من هذا الميل، ولاشك أن المهندس الناجح هو: الإنسان الدقيق والذي يعتني بأدق التفاصيل، ولكن لكل شيء حدود، وما زاد عن حدّه ربما انقلب إلى ضده، وقد يصل هذا الميل إلى حدّ الوسواس القهري، وخاصة عند الشخص الشديد الحساسية، مما يبدأ فيؤثر على جوانب كثيرة من حياة هذا الشخص، وكما هو الحال معك ربما.

أمامك طريقان:

الأول: طريق العلاج النفسي؛ سواء الجلسات العلاجية، أو بعض الأدوية النفسية والتي يمكن أن تخفف عنك بعض أعراض هذا الوسواس القهري وهذه النزعة للكمال، ولكن هذا العلاج لن يفيد أصلا من دون الأمر الثاني؛ وفي التحليل النفسي هناك رأي يقول: إن هذه النزعة للكمال والحساسية الشديدة إنما هي غطاء للهروب من أمر ما في حياة الإنسان، فهل هذا صحيح في حالتك، الله أعلم.

الأمر الثاني: أن تقتحم مجالات الحياة والعمل، وأن تقبل بالأوضاع النصف مطبوخة، وتبتعد عن الرغبة في أنك تريده عملا كاملا، نعم اقبل بأنصاف الحلول، فهذا أفضل من لا حل بالمطلق! ومن الصعب أن يتمنى الإنسان أن يكون كل شيء كاملا في هذه الحياة، فمن الصعب مثلا: التأكد من أنه لا يوجد أحد من الناس ممن لا يحمل عنك فكرة سلبية، وإن وجد وعرفتهم، فهل أنت مطالب بالذهاب إليهم جميعا وتصحيح الأفكار التي يحملونها عنك؟

درّب نفسك شيئا فشيئا على أن تقوم بالأعمال غير المتقنة 100% وأنت قادر على هذا، فربما هناك جانبا ما من جوانب حياتك الخاصة أو المهنية حيث أنت لست في حالة الكمال المطلق.

هل تعرضت في طفولتك لحدث أو بعض الأحداث الصادمة، مما يجعلك تشعر بالحساسية بعض الشيء؟

من المحتمل أن تخف عندك مثل هذه الحساسية من تلقاء نفسها، وخاصة من خلال اقتحام المواقف التي تقلقك وحيث يمزح معك الشباب، ومن دون أن تتابع الأمر بكل تفاصيله، فيمن قال كذا...؟ ومن قال كذا...؟ وربما يفيدك هنا أن تعلم أن الناس عندهم ما يشغلهم، وبصراحة هم "غير فاضين لك" حيث عندهم ما يشغلهم في حياتهم الخاصة!

وإذا طال الحال أو اشتدت الأعراض التي تزعجك من أعراض هذه الحساسية فقد يفيد مراجعة أخصائي نفسي، ممن يمكن أن يقدم لك الإرشاد النفسي المطلوب.

وفقك الله ويسّر لك راحة البال.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر محمد

    اخي ما قاله الدكتور سليم انك تريد ان تصل الي الكمال ولكنني مررت بشئ مشابه لك وتعلمت ان فهم الانسان الصحيح للحياه يحميه من اي مشاكل نفسيه سواء خوف او عدم ثقه او قلق او اكتئاب
    مشكلتك اخي العزيز انك عودت نفسك بشده علي كمال وتوهج الشخصيه وتحاول ان توصل هذه الشخصيه للناس وتتعامل بها فاذا مازحك شخص تحس بقلة شديده في الشخصيه قد تقول كيف لي كمهندس وقارئ وصاحب كل هذا التوهج ان اسقط مثل هذه السقطه المدويه ولكن الفهم الصحيح لما حدث انه ما من انسان الا ويخطئ او ينسي او يفهم شئ خطا فليس هناك انسان كامل وصديقك الذي يمازحك من الؤكد ان له سقطات و كل ما قلته من مميزاتك هي ما يجب ان يسترعي اهتمامك اما سقطاتك
    فلا يجب ان تسترعي اهتمامك وان مازحك شخص اخر فاضحك برضا وثبات كالجبل لانك تعلم انك شخص ممتاز فانت تحاول ان تعيش بمثاليه وترضي ربك وانت مهندس وقارئ ورياضي وكلنا نخطئ ونصيب فثق في نفسك بوسطيه كانسان لان انجازاتك تجعلك حقا تستحق الثقه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً