الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشكلتي الوسواس القهري وتشتت التركيز لأتفه الأسباب.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً: أود أن أعتذر فأنا سأثقل عليكم قليلاً.

ثانياً: أود أن أثني عليكم، وعلى موقعكم الناجح كثيراً، وفقكم الله وإياي للطريق المستقيم.

أبلغ من العمر 16 عاماً، أعاني من عدة مشاكل في التركيز، غالباً أفقد تركيزي لأتفه الأسباب، مثلاً عندما يوجد شخص في الغرفة التي أكون فيها لا أستطيع قراءة القرآن، أو لا أستطيع الاستماع للبرنامج الذي أتابعه، فتأتيني أفكار كثيرة عن ماذا يفكر بي هذا الشخص عندما يراني هكذا؟ أو لو كان هناك صوت، ماذا يفكر حينما يسمع هذا الصوت؟ وأفكار تافهة أخرى، أستعيذ وأحاول الانسجام لكن تظل المشكلة، وخاصة إذا كان برنامجاً أو شيئاً أسمعه، فينصب تفكيري على الشخص الذي دخل أو بجواري، في ماذا يفكر حينما يسمع هذا؟

أتعبتني هذه المشكلة التي يراها بعض الناس أنها غباء، أو فضولا زائدا كما قيل لي، حتى عند الصلاة -أستغفر الله- لو دخل أحد عليّ، لا أستطيع إكمال الآية التي أقرؤها، بدأت الوساوس تنقض علي، أصبحت أرى ما أفعله من طاعات رياء، لأني عندما أفعل طاعة ويدخل أحد عليّ أرتبك، وأبدأ بالتفكير في ماذا يفكر فيّ هذا الشخص؟ أنا خائفة أن ما يصيبني هو رياء حقاً، أعلم عاقبة الرياء، وخائفة أن يعاقبني الله، أصبحت حياتي تفكيرا في تفكير، إضافة للوسواس القهري في ديني الذي أصابني منذ فترة، تأتيني أفكار أعيذني وإياكم بالله منها، وجدت أن حلها هو الاستعاذة، والانتهاء عن الأفكار التي تراودني، رغم أنها تغلبني أحياناً.

أصبحت أكره نفسي، أشعر أني بدون شخصية، أعلم أن ما أفعله خاطئ، لكن لا أستطيع إيقاف تفكيري، أحياناً وأنا أقوم بعمل مهم، أجد نفسي شاردة الذهن في أشياء أخرى، أحلم أن أكون كاتبة، فأنا أحب الكتابة كثيراً، فهذا زاد الطين بله، أجد نفسي كثيراً أفكر فيما سأكتبه في وقت غير مناسب! باختصار لا أعرف كيف أرتب أفكاري، وخائفة جداً إن كان مسّ ديني الرياء، إضافة لفقدي تركيزي.

أنا آسفة فقد أطلت عليكم، لكني ضائعة بحق، اليوم خطر لي أن أطرح مشكلتي عندكم، علماً أني متابعة لكم منذ وقت طويل، ولا أستطيع الذهاب لطبيب نفسي، ولا أستطيع حتى شراء الأدوية، الحالة المادية صعبة قليلاً، إضافة أني إذا تكلمت مع أحد، سأجد الضحك والاستهزاء أو التجاهل.

جزاكم الله كل خير، وجعلكم الله الوسيلة لهدايتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيمو حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

شكراً لك -يا بنيتي- على التواصل معنا والكتابة إلينا، وعلى إطرائك على هذا الموقع، فهذا ما يدفعنا للمزيد من العمل.

يمكن أن أختصر الموضوع في قضيتين، الأولى: شدة الحساسية، والثانية: الوسواس القهري، فبالنسبة لموضوع الحساسية، فقد يميل بعض الناس إلى شيء من الحساسية في شخصيتهم، ويبدو أنك واحدة من هؤلاء، حيث تتأثرين بالأحداث والكلام الذي يجري من حولك، ونرى عادة هذا الشخص يفكر طويلاً فيما جرى، أو فيما قيل له أو أمامه، ويرتبك أمام الآخرين، وقد ينفعل ويرتبك أو يرتجف أمام الآخرين، وكما يحدث معك عندما تضطربين عندما يدخل عليك أحد أثناء الصلاة، أو متابعة برنامج تلفزيوني، وذلك من شدة الارتباك، ولعل ما يمرّ بك من هذا الارتباك، هو شكل من أشكال الرهاب الاجتماعي، وبسبب هذه الحساسية الزائدة عندك، وهو من أكثر أنواع الرهاب، وإن كان العادة أن يحدث الارتباك أمام الغرباء، وأحياناً أمام حتى بعض أفراد الأسرة.

واطمئني أن هذا ليس في تعريف الرياء، وأعمالك بخير -ولله الحمد-، فلا تقلقي من هذا الجانب، فهذا ليس في يدك أو من صنعك أصلاً، وما يعينك على التكيف مع هذا الحال عدة أمور، ومنها: محاولة التفكير بأن للناس همومهم الخاصة، فليس عندهم وقت ليضيعوه في تتبع أمورك أو أمور غيرك، وكما يُقال عندهم ما يكفيهم، فيمكن لهذه الفكرة أن تبعد عنك شبح مراقبة الناس لك، فهم منشغلون عنك، وأنت لست مركز اهتمامهم، مما يخفف من ارتباكك أمامهم.

الأمر الثاني: هو أن تذكري أنك في 16 من العمر، وأن أمامك الوقت لتتجاوزي هذا الحال، وخاصة إن بادرت باتخاذ بعض الخطوات التي تعينك على تجاوز هذا، تذكري أن التجنب، كتجنب الجلوس أو الصلاة مع الآخرين، هذا التجنب لن يحلّ المشكلة وإنما سيزيدها شدة، فحاولي الاقتراب أكثر من أفراد أسرتك، واحرصي على أن تصلي معهم أو أمامهم، فمثلاً لا تنتظري أن يدخل أحد لغرفتك وأنت تصلين، وإنما في بعض الأحيان اخرجي من غرفتك إليهم وصلي أمامهم، ولا شك أن المحاولة الأولى ستكون صعبة بعض الشيء، إلا أنك ستلاحظين أن الأمر أبسط مما كنت تتوقعين، وهكذا خطوة خطوة ستتعلمين مثل هذه الجرأة، وبذلك تخرجين مما أنت فيه.

وثالثاً: مما يعينك خاصة عندما تشعرين بأن الارتباك قادم، القيام ببعض تدريبات الاسترخاء، مثل الجلوس في حالة استرخاء، والقيام بالتنفس العميق والبطيء، فهذا سيساعدك على ذهاب أعراض الارتباك والارتعاش.

وأما بالنسبة لما ورد عن الوسواس القهري، والذي يتمثل عندك في بعض الأمور الدينية أو التعبدية، ذلك أنك تفكرين بعض الأمور المزعجة، وتحاولين دفعها إلا أنها تعود من جديد، ربما من أفضل العلاجات لمثل هذا الوسواس القهري هو العلاج السلوكي، وهو ببساطة ما تقومين به مما ورد في سؤالك، من أنك تقومين "بالاستعاذة، والانتهاء عن الأفكار التي تراودك رغم أنها تغلبك أحياناً"، وهذه هي طبيعة الأفكار القهرية، وأرجو أن تقرئي بعض الأسئلة والأجوبة عن الوسواس القهري، وهي كثيرة في هذا الموقع.

وصحيح أنك ذكرت أنك لا تستطيعين الآن زيارة الطبيب النفسي، فأقول أنه يمكنك القيام بما ذكرت لك بنفسك، لكن إن طالت المعاناة واشتدت، فلا بد حينها من ضرورة مراجعة طبيب نفسي صاحب خبرة في علاج الأفكار والأعمال القهرية، حيث يمكن أن يستعمل مع العلاج النفسي السلوكي أحد الأدوية المساعدة، والمخففة للأعراض القهرية.

كل هذه الخطوات هامة من أجل أن تمارسي ما تحبين من الكتابة، واطمئني أيضاً أن من صفات المؤلف والكاتب، أن تأتيه الأفكار ولو كان في الأماكن والأوقات غير المناسبة، فعندما ينفتح باب الأفكار فهي تتدفق في أي زمان وأي مكان، وفقك الله في فن الكتابة، -وإن شاء الله- نقرأ لك في أقرب وقت.

وفقك الله ويسّر لك تجاوز ما أنت فيه، وما هي إلا مرحلة عابرة، وستتجاوزينها عاجلاً أو آجلا، -وإن شاء الله- يكون الأمر عاجلاً.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً