الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قمنا بإجهاض الحمل ثم ندمنا، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

مشكلتي بدأت منذ ثلاثة أشهر، حين اكتشفت زوجتي أنها حامل بشكل غير مقصود، ونتيجة ظروف صحية لديها وأسرية عدة، فقد اتفقنا على إجهاض الحمل، وذلك بعد الاستشارة الطبية والشرعية، والتي أفادت أنه يمكن التخلص من الحمل في حال كان دون الأربعين يوما، وهو ما تم فعلا، وعانينا خلال فترة الحمل، -وحتى تم الإجهاض- من ضغوط نفسية هائلة، وقلق عظيم، لدرجة توقعي أنني سأصاب بأحد الأمراض المزمنة، كالضغط والسكري نتيجة تلك الضغوط، وبمجرد حصول الإجهاض شعرنا براحة كبيرة، كوننا كنا نسابق الزمن لإتمام ذلك قبل وصول الحمل إلى أكثر من أربعين يوما.

بعد ذلك بعدة أيام بدأت أشعر بالندم على قرار الإجهاض، والخشية العظيمة من أن أكون قد أغضبت رب العالمين، بارتكاب ذنب عظيم، وأصابني الهم والحزن وسيطر علي تماما، أصبحت مشغولا بتقليب الموضوع والتفكير به في كل لحظة، ووصلت إلى الشك في كون الإجهاض قد حصل بعد الأربعين يوما، رغم قناعتي بخلاف ذلك.

فقدت الرغبة في كل شيء، وضاقت نفسي، وكنت أستغل وحدتي لأبكي ندما وخشية من الله تعالى، وأصبحت تغزوني بين الحين والآخر وساوس تتعلق حصرا بالشك في عدد الركعات، فقدت الرغبة والمتعة في ممارسة أي نشاط كنت أتمتع به سابقا، وشعرت بفتور الهمة وعدم الرغبة في ممارسة أي شيء، بالإضافة للتهيج وعدم القدرة على الاستمرار في نفس المكان لفترة طويلة.

هذا مع العلم أنني واصلت ممارسة حياتي كالمعتاد، من حيث العمل والحياة الاجتماعية والأسرية، وكنت حريصا على عدم إظهار ما أعانيه أمام الأولاد أو الأهل باستثناء زوجتي.

شعرت بضرورة مراجعة طبيب، وبالفعل راجعت مستشارا نفسيا له اسم مشهور هنا منذ ثلاثة أسابيع، وكان رأيه أنني أتأرجح على حدود الاكتئاب، وأن حدثا كبيرا كالذي حصل معي يجب أن يترك آثارا نفسية ستختفي تدريجيا لوحدها، ولكنها قد تستمر لغاية 6 أشهر، وأنه قبل ذلك لا يستطيع تشخيص حالتي بأنني مصاب بالاكتئاب، لكنه من أجل مساعدتي على تخطي الحالة بسرعة وصف لي الأدوية التالية (deanxit- صباحا ومساء، Solotik50 mg- حبة واحدة،).

واظبت على الأدوية منذ ذلك الوقت، وكان أول أثر هو تحسن جيد في النوم لدي، ثم تحسن نسبي في المزاج، وغياب بعض الأعراض التي كنت أعاني منها لكن الوساوس لا تزال موجودة، وإن كانت في حدود معقولة.

كيف تشخصون حالتي، وكيف تقيمون الأدوية الموصوفة من قبل الدكتور، وهل هناك ارتباط طبيعي بين الوسواس والاكتئاب، وكم تقدرون فترة العلاج التي أحتاجها لأتجاوز الحالة تماما؟

وشكرا جزيلا لكم وبارك الله فيكم، وجعل هذه الاستشارة في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تفاعلك هو تفاعل نفسي إنساني، وأي شخص له درجة من الضميرية -إذا حدث له نفس الموقف الذي حدث لك- لا شك أن هذا سوف يؤدي إلى كثير من النزاع النفسي الداخلي.

أمر الإجهاض ليس بالأمر السهل أبدًا، ومهما كانت أسبابه، خاصة أن الجانب الشرعي في هذا الموضوع مهم وضروري جدًّا، وكل من يتمسك بدينه قطعًا سوف يأتيه شيء من الشك حول ما تم، حتى وإن أجازه البعض، فإذًا تفاعلك تفاعل إنساني، وهو يدل أنك -إن شاء الله تعالى- بخير وعلى خير.

أخي الكريم: سل الله تعالى أن يغفر لك ولزوجتك إن كان هنالك خطأ في هذا الموضوع، أو هنالك إثم في هذا الموضوع، فالاستغفار هو باب الرحمة الكبرى، فإن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن تاب تاب الله عليه.

هذا سوف يبعث في نفسك طمأنينة عظيمة، هذا هو المنهج الأساسي والضروري الذي أراه جوهريًا في حالتك.

ما قاله لك الأخ الطبيب هو صحيح، في أنك بالفعل على أعتاب مرض الاكتئاب، والذي تعاني منه عسر في المزاج، والذي حدث لك نسميه (عدم القدرة على التكيف) وعدم القدرة على التكيف قد يكون شديدًا جدًّا على الإنسان، تأتي أعراض اكتئابية، شعور بالذنب، شعور بالحيرة، افتقاد الفعالية، الهواجس، الوساوس، المخاوف، هذا كله يأتي كحزمة أعراض مصاحبة لهذه الحالات، لكن -بفضل الله تعالى- هذه الأعراض تنحسر، وتبدأ -إن شاء الله تعالى- في الانخفاض التدريجي إلى أن تنتهي تمامًا، المدة تتفاوت من إنسان إلى آخر، لكن المعروف أنها من ثلاثة إلى ستة أشهر.

الدواء الذي وصفه لك الطبيب هو دواء جيد جدًّا، أدوية بالفعل مضادة للقلق والتوترات والمخاوف والاكتئاب والوساوس.

أعتقد أنها سوف تمثل أيضًا دفعًا إيجابيًا بالنسبة لك، لكن أهم شيء هو أن تصل إلى قناعات نفسية داخلية في أن الذي حدث حتى ولو كان فيه خطأ فعلاجه الاستغفار، ورحمة الله تعالى واسعة جدًّا.

حاول أن تعيش حياتك بصورة طبيعية، وزع وقتك، وقسمه بصورة جيدة، مارس أي تمارين رياضية، صلي الصلاة في وقتها مع الجماعة، واحرص على وردك القرآني اليومي، تواصل اجتماعيًا، وهذا -إن شاء الله تعالى- يعطيك فسحة كبيرة في راحة النفس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • البحرين جواهر يوسف علي

    انا اتمنى طفل وانت ترفس نعمة الله .. يارب ارزقني عاجلا غير اجلا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً