الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من التذبذب بين التحسن والثبات بالنسبة للخوف.. ماذا أفعل؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: أحب أن أشكر القائمين جميعا على هذا الموقع المفيد الثمين، بارك الله فيكم، وجزاكم عن المسلمين خير الجزاء.

ثانيا: أود وأحب أن أشكر الدكتور العالم والأب الحنون السخي المعطاء الدكتور محمد عبد العليم، وأريد أن أعلمه أنني دائم الدعاء له عسى ربي أن يتقبل مني؛ لأنه بعد الله سبحانه وتعالى كان سببا في شفائي بعد ما ضاقت بي الأرض بما رحبت.

ثالثا: حالتي النفسية قد شخصها شخصكم المحترم بأنها ( قلق المخاوف الوسواسي)، وهذا في استشارات كثيرة سابقة، ومنذ عام 2011 تقريبا تناولت العديد من الأدوية بتوجيهكم واستفدت منها جميعا استفادة جيدة، ومن هذه الأدوية.

1- باروكسيتين لمدة عام ونصف، 20 مجم.
2- سيرترالين 9 أشهر 50 مجم.
3- كلوميبراين 75 مجم لمدة 9 أشهر، هذا مع الأدوية التكميلية مثل دوجماتيل، واندرال، وموتيفال.

رابعا: كما اتفقنا في البند الثالث أن لي ما يقارب الآن ثلاث سنوات، وأنا أتعالج من هذه الحالة، وما جعلني أتنقل بين الأدوية هي آثارها الجانبية مثل تكسير كرات الدم الحمراء مع الباروكسيتين، والخمول الزائد مع السيرترالين والكلوميبرامين، بعد هذه الفترة لم أشعر بالشفاء الذي يغنيني عن استعمال الدواء، فما زلت أعاني من المخاوف بدرجة متوسطة، ومن عسر المزاج بدرجة خفيفة، وأيضا ما يؤذيني حقيقة هو القلق والتخوف التوقعي، مع أعراض نفسوجسدية كثيرة كضيق التنفس أحيانا، والإجهاد المتكرر، والنسيان الكثير، وعدم التركيز، والخمول.

خامسا: الآن بعد هذه الفترة من العلاج، وما وصلت له من درجة تعافي، وما تبقى من أعراض نفسية، ماذا علي أن أفعل؟

1- هل من الأفضل أن أقطع تناول الأدوية نهائيا؟
2 - أنا الآن لي ما يقارب الشهر، وأنا أتناول الفلوكسيتين40 مجم بدأتها 20 مجم، ولكن أحيانا يزيد الدواء درجة المخاوف عندي والقلق لدرجة كبيرة، هل دواء السبراليكس سيكون أفضل منه؟ لأني كما أعتقد أن مشكلتي الأساسية هي المخاوف.

ساعدني -يا دكتور- لقد ضقت من هذا التذبذب بين التحسن والثبات على الحالة، مشكلتي هي الخوف ماذا أفعل؟

سادسا : أنا أطبق كل العلاجات الأخرى مثل: المواجهة، وتحقير المخاوف، وملتزم بها.

سابعا: أنا أستعمل أوميجا 3 منذ فترة، فهل له أضرار إذا استمررت عليه؟

ثامنا: ما الحل في كثرة النسيان وعدم التركيز، فأنا لا أتذكر تفاصيل اليوم السابق بدقة، كيف هذا؟

وأخيرا: ماذا أفعل هل أقطع الدواء نهائيا، أم أستمر على الفلوكسيتين رغم ما يسببه لي، أم أنتقل إلى السبراليكس، وماذا أفعل في التركيز والنسيان؟

حقيقة لا أملك لك -جزاك الله خيرا- إلا الدعاء، فعسى ربي أن يتقبل مني، جزاك الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك كثيرًا على كلماتك الطيبة التي أخجلت تواضعي جدًّا، وليس لي ما أقوله لك: إلا جزاك الله خيرًا، ومن قال لأخيه: جزاك الله خيرًا فقد أجزل في الثناء، وبارك الله فيك وحفظك الله.

وأنا قطعًا سعيد وسعيد جدًّا أن أعرف التقدم الكبير الذي حدث في صحتك النفسية، فأسأل الله لك ولنا ولجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من الحامدين والشاكرين على نعمائه جميعًا خاصة نعمة الدين والصحة والعافية.

أنا مطمئن تمامًا لوضعك الآن وذلك لسبب أساسي، وهو أنك تفهمت ذاتك لدرجة كبيرة، وإدراك الذات وتفهمها يساعد الإنسان في تطوير نفسه، ويجعله قادرًا على التواؤم النفسي مع الظروف الحياتية المختلفة، الأيام القاسية -إن شاء الله تعالى- انتهت تمامًا ابني الكريم محمد.

وأنا أعتقد أنه من خلال الدفع النفسي الإيجابي تستطيع أن تتخلص تمامًا من أعراضك النفسية، أو على الأقل تتكيف بصورة كاملة مع ما يتبقى منها، وهو قليل وقليل، والقلق لا يمكن أن نجرد أنفسنا منه، والوسوسة ليس من الصحيح ألا يكون لنا نصيبًا فيها، وكذلك الخوف، فمن لا يقلق لا ينجح، ومن لا يخاف لا يحمي نفسه، ومن لا يوسوس لا ينضبط.

هذه طاقات نفسية (القلق والخوف والوسوسة) حبانا الله بها، وحين يكبح الإنسان جماحها من خلال إدراك الذات – كما قمتَ أنت بذلك – يستطيع أن يحول ما هو سلبي إلى إيجابي.

بالنسبة لموضوع العلاج الدوائي: هذه الأدوية سليمة وسليمة جدا، وقطعًا المكون البيولوجي يكمّل المكون النفسي والاجتماعي من حيث السببية لهذه الحالات، ولذا يجب أن يكون العلاج بيولوجيًا ونفسيًا واجتماعيًا وسلوكيًا، فأنا شخصيًا لا أنزعج من استعمال الأدوية، وإن كنت لا أصفها كثيرًا للناس إلا إذا كانت هنالك ضرورة، ويجب أن تكون الجرعات صحيحة والمدة أيضًا صحيحة.

والذي يستعمل الدواء بصورة راشدة – مثل شخصك الكريم – لا خوف عليه أبدًا، والفلوكستين من الأدوية السليمة والممتازة، وهو في أسواق الدواء منذ عام 1988، وقد شكّل فتحًا كبيرًا في حياة الناس، ويتميز بأن لديه إفرازات ثانوية، مما يجعل الانقطاع عنه ليس بالصعب، ليس له آثار انسحابية أبدًا.

أيها الفاضل الكريم: من المفترض أن يحسّن الفلوكستين من دوافعك الجسدية والنفسية، حاول أن تحرص على الرياضة حتى يزال منك الخمول والكسل، ويتحسن عندك التركيز، التركيز يتحسن أيضًا من خلال النوم المبكر، وتلاوة القرآن برويّة، خاصة في فترات الصباح، وقطعًا الـ (أوميجا 3) تساعد -إن شاء الله تعالى-.

خطواتك كلها طيبة، كلها سليمة، دواء السبرالكس يقال: إنه أفضل في علاج المخاوف، لكن أعتقد أن الفلوكستين بجرعة أربعين مليجرامًا أيضًا علاج جيد؛ لأن ميزاته الأخرى تتفوق على ميزات السبرالكس فيما يخص الآثار الانسحابية.

بالنسبة لقطع الدواء: كما ذكرت لك ليس هناك خوف إذا استمررت على الدواء، لكن إذا أردت أن تأخذ ما نسميه بالإجازة الدوائية فلا مانع في ذلك، الفلوكستين دواء سهل التوقف عنه بشكل عادي؛ لأنه ليس له آثار انسحابية كما ذكرنا، فيمكنك مثلاً أن تخفف الجرعة إلى كبسولة واحدة لمدة شهر، ثم تجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، وتعتبر نفسك في إجازة من الدواء، وإذا عاودتك الأعراض أو لم تكن مطمئنًا ارجع وتناوله مرة أخرى.

هذا منهج أيضًا أنا أفضله في بعض الأحيان؛ لأنه يكسر النمطية لدى الإنسان، وحين تُكسر النمطية تتعزز الدفاعات النفسية الإيجابية.

وإن استمررت على الفلوكستين بعد الإجازة الدوائية فيمكن أن تستمر عليه لمدة ستة أشهر مثلاً، وبعد ذلك تتحول إلى (الفلوكستين 90)، أو ما يعرف (بروزاك 90)، وهو كبسولة واحدة في الأسبوع.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وقد سعدتُ برسالتك تمامًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً