الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفاهم بيني وبين والدي صعب ما الطريقة المناسبة لتجاوز ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤالي بخصوص والدي: قبل حوالي عشرة أيام حصلت لي مشكلة مع والدي، يريد مني إرسال فلوس إلى أهلي، لكنه هذه المرة كأنه محرض من أحد، حاولت أن أتفاهم معه لكن بدون فائدة؛ لأن المبلغ الذي طلبه غير معقول، وكذلك أمامي زواج وأريد أن أعتمد على نفسي، ولا أريد منه أي مساعدة.

قال لي: أنت ولدي قلت له: لا، وأنا كنت غاضبا، فقام بأخذ اللاب توب ورمى به خارج الغرفة، ورمى أغراضي، وقال لي: اذهب خارجا (طردني من البيت) وأنا وبدون وعي، لا أعرف ماذا أصابني، أصبحت أكسر وأضرب رأسي على الحديد، كانت لدي طاقة أعتقد لو لم أخرجها بهذه الطريقة لكان الأمر تطور بشكل أكبر بيني وبين والدي.

بعدما حصل ظللت ثلاثة أيام خارج السكن ورجعت، لكن لا أكلم والدي، وجلست مع نفسي، وجدت أنه من الأفضل ألا أكلم والدي طاعة لله وله؛ لأن والدي حساس جدا، ودائما يفتعل المشاكل، وأنا في سكن واحد معه، نحن في غربة، ومعنا شخص ثالث في الغرفة، أخاف إذا رجعت أكلمه أن ترجع المشاكل، فقلت بعد شهر أستلم الراتب وأرسل للأهل بدون كلام منه أو طلب منه، وتقريبا سيتأثر ويهدأ، لكن والله أحس نفسي مرتاح وأنا بدون كلام معه؛ لأنه دائما ينتقد، وأنا مشكلتي لا أسكت إذا لم أكن غلطانا، لابد أن أوضح له، ولكن طريقته عصبية، ويقلبها إلى مشكلة.

المشكلة الكبرى أنني لا أستطيع أن أقبل والدي مثلا في رجله، ليست معصية له ولكن لم أتعود على هذا، أنا لا أتذكر إلا مرة قال لي: يا قلبي عندما نجحت في ثالث ثانوي بمجموع كبير، ولا أستطيع أن أتقبلها لم أتعود عليها؛ يعني يمكن أن أحمل جبلا على ظهري ولا أحتضن والدي أو أقبله، غصبا عني أقبله يوم الجمعة في الرأس، وأحيانا أتهرب حتى تنتهي الجمعة، هذه لسيت معصية لكن غصبا عني، لا أعرف لماذا؟ أحاول أن أجلس مع نفسي وأقول: أغير من طريقتي لكنها صعبة جدا، فقررت أن أبتعد عن الحوارات مع والدي، هل هذا مناسبا؟

وآسف على الإطالة، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صقر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الموقع، ونشكر لك هذه المواقف النبيلة تجاه الوالد، ونوصيك به خيرا، فنحن لا نملك بعد توفيق العظيم منة أكثر علينا وأفضل من أباءنا وأمهاتنا، فهم سبب وجودنا بعد الله تعالى، وقد ربط العظيم طاعته بطاعتهم، وعبادته بالإحسان إليهم في مواطن كثيرة، حتى قال ابن عباس: لا يقبل صلاة من لا يطيع والديه، فنسأل الله أن يعينك على هذا.

نحب أن نؤكد لك بأن الوالد إذا طلب شيئا غير معقول أو فوق الطاقة، ينبغي أن تقول: خيرا أو تسمعه خيرا، وتفعل ما تستطيع، ولا بد أن ينتهج الإنسان هذه المسألة، ولا يضع رأسه برأس الوالد كما يقال، ويدخل معه في دوامة العناد، ولكن عليه أن يحسن الاستماع ثم يفعل ما يستطيع، وإن أمر الوالد بمعصية، فإنه لا طاعة لمخلوق في المعصية، قال تعالى: { وصاحبهما في الدنيا معروفا} لاحظ الله تعالى يقول: {وإن جاهداك على أن تشرك بي} يأمرك بالمعصية أو الشرك بالله تعالى، والشريعة لا تبيح حتى في هذه الحالة أن تسيء إليه، ولكن تأمرك أن تقدم طاعة الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن بعد ذلك قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا} وهذا كان واضحا في منهج الخليل، حتى لما قال: {لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا} لم يقل: "في ستين داهية" ولم يهجره أو يرد عليه، ولكن قال بكل أدب: {سلام عليك سأستغفر لك ربي أنه كان بي حفيا}.

كان يدعو والده بلطف فيقول: يا أبت، يا أبت، يا أبت، فهذا اللطف هو منهج الأنبياء، ولذلك ينبغي أن تنتبه لهذه المسألة وتحاول أن تقوم بما تستطيع، وينبغي أن تحسن للوالد، ولا نؤيد فكرة الانقطاع عنه، بل ينبغي أن تتواصل، بل إذا اشتد النقاش معه فلا تدخل معه في نقاشات طويلة، وتجتهد في إرضائه، وتحاول إذا بدأ النقاش أن تنهيه بطرق جيدة، حسنا يا والدي أنت تأمر، وهذا يرضيه.

نتمنى أن تقبل والدك في رأسه، وتعود نفسك على هذا الأمر، وخاصة أنه ينتظر منك أن تبادر لمسامحته، فمهما كان فهو الوالد وأنت الابن، وأنت تؤجر على هذا، والإنسان حين يتذكر لذة الثواب ينسى ما يجد من آلام وصعوبات ومعاناة، ونسأل الله أن يبارك فيك ونشكر لك هذه المشاعر.

لا نؤيد القطيعة الكاملة مع الوالد، ولكن نؤيد التعامل معه بحذر وانتباه وإدخال السرور عليه، وتفادي لحظات الغضب، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

القطيعة تذكر الوالد بالمشاكل، فلا تقاطعه، ونبشرك بأن الإنسان إذا أدى ما عليه نحو الوالد، فإن العظيم يرضى وهو القائل: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} من البر والإحسان، وقد ركز أهل التفسير على أن الآية جاءت بعد {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} في إشارة إلى أن بعض الآباء يصعب على الإنسان أن يصل إلى إرضائهم، ولكن ينبغي أن يرضي الله ويؤدي ما عليه نحوهما، والإثم والحرج مرفوع.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً