الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لدي خللٌ أصليٌ في عقلي أم السبب تناولي للحشيش؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شخص في الثلاثين من العمر، عشت طفولة تعرضت فيها للاضطهاد من جانب زملائي في المدرسة، منذ المرحلة الابتدائية، وحتى الثانوية، ربما حب أمي الشديد لي وخوفها علي كان السبب، فكنت حتى الثانوية لا أغادر المنزل إلا للمدرسة، وليس لي إخوة، وكان عقابها لي هو الضرب دائما حينما أخطئ.

أعلم أنها تحبني ولكنها جافة جدا في المعاملة، حتى الآن تستخدم القسوة لإصلاحي، ولا تعلم أنها تهدم.

كنت دائما أفكر فيما يفعله زملائي عند عودتي للمنزل، وكنتُ كالأضحوكة بينهم، حتى وصلت للمرحلة الجامعية، وهنا حدث الانفتاح الأعمى، وبدأت في التعامل مع الناس ولكن كنت أشعر دائما أنه هناك ذلك الخلل في تلك الطريقة التي أتعامل بها، وبعد انتهاء دراستي وعدم وجود عمل مناسب بدأت في شرب الحشيش، ومن ثم (الترمادول) ولكن كان الحشيش هو الغالب والترمادول على فترات، شعرت وقتها بالراحة النفسية لأول مرة في حياتي، واستمر الحال نحو أربع أو خمس سنوات، حتى سبب ذلك مشاكل، فقررت الإقلاع، وبدأت أفقد كل شيء: عملي، وكل من حولي، وبدأت أتذكر أيام الماضي الأليمة التي نسيتها عند الشرب، وبدأت تأتيني حالات شك غير عادية وغير مبررة في كل من حولي.

بدأت أرسم قصصا خيالية لتبرير تلك الشكوك، وذهبت لطبيب فقال: إن بعض الأشخاص لديهم قابلية للفصام وإن الحشيش يساعد على ذلك، وكتب لي بعض الأدوية تسببت لي في حالات نعاس، وكنت أشعر وكأني "مبنج"، ووصل بي الأمر للشك بأن الطبيب ليس طبيبا، وإنما نصاب يستأجر العيادة للحصول على المال، وإن الطبيب الأصلي سافر للخارج، وهذا الطبيب كان يستأجر المكان، وظللت مقتنعا بذلك حتى عرفت أنه شك وشكوك أخرى أفظع من ذلك.

حاليا أقضي فترات بالأسابيع في المنزل لا أعمل، ومتى ذهبت إلى أي عمل أتركه بسبب شكوكي في زملائي التي تكون وقتها حقيقة مؤكدة بالنسبة لي!

علاقتي مع أصدقائي وكل من حولي مدمرة، لا أعلم هل أنا مريض أم كسلان كما يقول البعض، فأفعل ذلك حتى لا أعمل!

أنا شخص أتحول من التدين الشديد جدا إلى الفسوق الشديد جدا، وكل ذلك بين يوم وليلة، ولا أعلم ماذا أفعل! علماً أني حاليا مقلع عن كل شيء ضار منذ شهر ونصف، ولكني أعود بمجرد أن يأتيني المال للأسف، علماً أني كنت قبل أن أتعاطى أي شيء أشعر بحالة من التوهان، لدرجة أن البعض كان يعتقد أني أتعاطى حبوب هلوسة، في الوقت الذي كنت لا أدخن فيه سيجارة!

هل لدي خلل من الأساس في عقلي، رغم أن عائلتي وكل من يعرفني كان يصفني بحدة الذكاء؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ya rab حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

الحالة الشكوكية والظنانية التي أتتك في الغالب هي مرتبطة بتعاطي مادة الحشيش؛ حيث إن المادة النشطة في الحشيش والتي تعرف بـ (THC) تُثير مادة معينة في الدماغ تُسمى بـ (دوبامين) وحين يزيد إفراز هذه المادة تظهر الأعراض الشكوكية والظنانية، والارتباط ما بين تناول الحشيش وبين مرض الفصام أيضًا هو ارتباط وثيق كما ذكر لك الأخ الطبيب.

المهم هذا الدهليز المظلم منطقة خطيرة جدًّا، أريدك أن تخرج منها أيها الفاضل الكريم، والحكمة تقتضي أن الإنسان يجب أن يعالج ما يمكن أن يعالجه.

أنت الآن مشكلتك هذه الأفكار الظنانية، وعدم الاستقرار، والتقلب المزاجي والمسلكي، خاصة في أمور العقيدة، هذا لا يمكن أن يُعالج إذا لم تنق حياتك وتجعلها أكثر انضباطًا، وأكثر أملاً، وأكثر تفاؤلاً، وترفع من همّتك ومن قدر ذاتك، وتدفع نفسك بصورة جيدة، أما أن تكون مستعبدًا للتعاطي، وتقول إنه إذا توفر لديك المال سوف تقع مرة أخرى في براثن التعاطي، فهذا أمر غير مقبول أبدًا.

نريدك أن تكون أكثر صرامة مع نفسك، لا تتابع نفسك الأمّارة بالسوء، إنما سلِّط وسخِّر نفسك اللوَّامة، لأن النفس اللوامة هي نفس جيدة ولطيفة، تقود الإنسان إلى بر الأمان والنجاة بإذنِ الله تعالى، وكل منا لديه نفس أمَّارة بالسوء، ونفس لوّامة، ونفس مطمئنة، هذه النفوس الثلاث تتمازج مع بعضها البعض في الإنسان، والإنسان يمكن أن يُغلِّب أي منها حسب توجيهاته وإرادته، فمن يريدون أن يسيروا في طريق الضلال يغلبون نفوسهم الأمّارة بالسوء، ومن يريدون أن يسيروا في طريق الصلاح إن كانوا مخطئين يجعلون نفوسهم اللوَّامة وسيلة لتطهير ذواتهم إلى أن ينتقلوا إلى النفس المطمئنة.

أيها الفاضل الكريم: عليك بذلك، ونريد أن تكون لك صحبة خيّرة طيَّبة، هذا - إن شاء الله تعالى – يساعدك في الثبات، أنت ذكرت أنك متأرجح المزاج، متأرجح المواقف، متأرجح السلوك، وهذا من وجهة نظري ناتج عن شخصيتك، وكذلك التعاطي.

إذًا: الصحبة الطيبة الحسنة تُساعدك - إن شاء الله تعالى – على الاستمرار فيما هو طيب وحسن.

أيضاً: يجب أن تضع لنفسك هدفًا في هذه الحياة، ما الذي تريد أن تصل إليه؟ مثل كل الشباب لا بد أن تكون لك أمنيات، لا بد أن تكون لك تطلعات، لا بد أن تكون لك دوافع تدفعك من أجل أن تبني حياتك بصورة خيّرة وطيبة.

أيها الفاضل الكريم: بر الوالدين وُجد أنه ذو أهمية خاصة جدًّا لترشيد النفس ولضبط السلوك، فكن حريصًا على ذلك.

بالنسبة لمعرفتك بأمور الإدمان لا بد أن تُجفف المنابع، هنا لا يوجد فيه نوع مساومة، يجب أن تغيّر المكان، وتغيّر الأشخاص، وتغيِّر الأدوات، وكما ذكرت لك اجعل الصالحين رفقة لك، وهنا - إن شاء الله تعالى – يتبدل الحال من حال إلى حال، وتكون في وضع طيب وجيد.

أرى أيضًا أن تناولك لأحد الأدوية المضادة للشكوك وللظنان ولو بجرعة صغيرة سيكون أمرًا جيدا، وعقار رزبريادون –والذي هو معروف ومشهور– إن تناولته بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم تجعلها اثنين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تتوقف عن تناول الدواء، أعتقد أنه سيساعدك كثيرًا، وأيضًا حتى نساعدك على أن يكون مزاجك متحسنًا ومنضبطًا أرى أنك إذا تناولت الفلوزاك والذي يعرف باسم (فلوكستين) سوف تجد أيضًا فيه خيرا كثيرا جدًّا، تناوله بجرعة كبسولة واحدة لمدة أربعة أشهر، ثم توقف عن تناوله.

أيها الفاضل الكريم: هذا هو الذي أريد أن أسديه لك من إرشادات ونصائح، أرجو أن تأخذها من مدخلها العلمي، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً