الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي وسواس تجاه النافذة جعلني أخاف من المرور بجانبها!

السؤال

السلام عليكم

أعاني من وسواس قهري أو هكذا أعتقد، تعبت منه جدا، أفكر دائماً بأنني سألقي نفسي من الشباك أو أي مكان مرتفع، وصرت أخاف جدا من مجرد المرور بجانب الشباك، حتى أنني أحيانا أرى صورا للموقف، أو أعيش أحداثاً: متى سألقي بنفسي، أو كيف؟ وأتصور رد فعل الناس.

هذه ليست رغبة، بل هي فكرة أكرهها وأحاول بكل الطرق أن أتخلص منها، وتطورت الأفكار، وصرتُ أخافُ من رؤية السكين أو حتى من قلم مدبب، أو أي شيء حاد.

قرأت عن العلاج السلوكي والاستفادة منه، وقرأت أن دواء فافرين جيد جدا في علاج الوسواس، لكني أخاف من أنه يزيد الأفكار في البداية نظرا لطبيعة الفكرة، هل يمكن أن تزيد الفكرة لدرجة -لا قدر الله- أحاول تنفيذها؟

أنا أكره هذه الفكرة جدا، وسببت لي اكتئابا، جربت قبل فترة قصيرة أن أستخدم بروزاك لكني لم أحتمله لأكثر من 10 أيام؛ لأن الفكرة كانت أكثر من مرعبة.

أرجو المساعدة، وهل فعلاً يزيد الأفكار أم أنه مجرد وسواس آخر؟
أرجو الإفادة في استخدام الفافرين والجرعة المناسبة، والتأكيد على نقطة أعراضه الجانبية من ناحية: زيادة حدة الأفكار؛ لأن هذا أكثر ما يزعجني ويجعلني مترددة في استخدام أي دواء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ karima حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفق معك أيتها الفاضلة الكريمة أن هذا النوع من الوساوس بالفعل هو سخيف جدًّا ومخيف لصاحبه، لكن في ذات الوقت أبشرك أن صاحب الوساوس خاصة ذات الطابع العنفي لا يلجأ لها أبدًا، بل هي تعتبر وقاية له مما يوسوس حوله، فاطمئني أيتها الفاضلة الكريمة.

العلاج قطعًا هو: القناعة التامة بأن هذه وساوس، هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: يجب أن تحقري الفكرة، لا تناقشي الفكرة مناقشة منطقية؛ لأن الوسواس أصلاً لا يقوم على منطق، وإذا حاولت أن تسترسلي وتقنعي ذاتك من خلال الإسراف في تفصيل الوساوس هذا قد يعمقها، فأغلقي عليها، حقّريها، ضعيها تحت قدمك، هكذا يجب أن تخاطبي الوسواس، قولي له: (أنت حقير، لن أهتم بك أبدًا).

والأمر الآخر هو: عليك بالتعريض أو التعرض للتجنب، اذهبي بالقرب من الشباك، تلمسي الشباك، انظري من الشباك، وكذلك بالنسبة للسكّين، تلمسيها، ارسميها، وظفيها، وكذلك القلم، لا تبتعدي عن مصدر خوفك أبدًا، إنما تقربي إليه، وأعطيه وظيفته الحقيقية، الشباك مثلاً أمر مطلوب وجيد لتهوية المكان، لإدخال الإضاءة علينا، تصوري غرفة بدون شباك، وهكذا السكين، وهكذا القلم، كلٌ له وظائفه، فحاولي أن تحقري أفكارك وتقتربي إلى مصادر خوفك.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أؤكد لك أنه مهم جدًّا، وقبل أن تشرعي حقيقة في العلاج الدوائي أريدك أن تلجئي إلى التعرض، هذا الذي ذكرته لك، مع منع الاستجابة، وحتى التعريض يمكن أن يكون في الخيال، قبل أن يكون في الواقع، هذا أيضًا يساعد الناس كثيرًا.

الأمر الآخر: تطبيق تمارين الاسترخاء نعتبره الآن أمرًا ضروريًا لعلاج الوساوس القهرية، وتخفيف وطأة القلق المصاحبة لها، فأرجو أن تبدئي في تنفيذ تمارين الاسترخاء، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) أرجو أن تطبقيها بكل دقة وجودة، واسألي الله تعالى أن ينفعك بها.

بالنسبة للعلاج الدوائي: لا شك أن الأدوية ساعدت بصورة ملحوظة جدًّا، بعض الناس يجدون صعوبة في بداية العلاج الدوائي؛ ذلك نسبة لقلقهم حول هذه الأدوية؛ لأن صاحب الوسواس دائمًا حساس جدًّا، ومخاوفه قد تكون مركبة ومتراكمة، لذا تجده يتخوف كثيرًا من الأدوية، لكن أيضًا هنالك حقيقة علمية أن بعض هذه الأدوية في بدايتها تؤدي إلى إفراز كبير في مادة تعرف باسم (سيروتونين) في الدماغ، وإفراز هذه المادة بحدة وشدة – وهي المادة المطلوبة لعلاج الوساوس – إذا أفرزت بشدة هذا يؤدي إلى قلق توتري خاصة في الأسبوعين أو الثلاثة الأسابيع الأولى من بداية العلاج، وحوالي عشرين بالمائة من الذين يتناولون البروزاك تحدث لهم هذه الظاهرة.

أنا دائمًا حين أعطي البروزاك أعطي معه دواء آخر يعرف باسم (فلوناكسول) هذا دواء بسيط جدًّا، مضاد للقلق، ويعطل تمامًا أو يخفي تمامًا الأثر السلبي الذي قد يحدث من البروزاك في بداية العلاج.

بالنسبة للفافرين: هو دواء رائع ودواء ممتاز، وحقيقة هو أهدأ كثيرًا من البروزاك، لكنه قد يزيد قليلاً من درجة النعاس، فلا تنزعجي لهذا الأمر، وقد يؤدي أيضاً إلى عسر بسيط في الهضم في الأيام الأولى، لكن إذا بدأنا بجرعة صغيرة وقمت بتناول الدواء بعد الأكل إن شاءَ الله تعالى لن تحدث لك هذه الآثار الجانبية.

إذًا: توكلي على الله، ابدئي في تناول الفافرين بجرعة خمسين مليجرامًا فقط، تناوليها ليلاً بعد الأكل لمدة شهر -لا نريد أي استعجال في هذا الأمر-، وخمسون مليجرامًا هي الجرعة التمهيدية، وليست الجرعة العلاجية، لا تتوقعي أبدًا تحسنا كبيرا من هذه الجرعة، لكن على الأقل أمورك سوف تهدأ، حدة القلق ربما تقل قليلاً، بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً، وهنا إن شاء الله تعالى تبدأ الفعالية الحقيقية للدواء، وسوف تشعرين بالنتائج الرائعة إن شاء الله تعالى.

استمري على جرعة مائة مليجرام لمدة شهرين، ثم اجعليها مائتي مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.

هذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع الوساوس القهرية، وفي نهاية الأمر أسأل الله لك الشفاء والعافية، وأشكرك على ثقتك في استشارات إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً