الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الهوس الشديد بالعين لدرجة أنني أخشى على عقيدتي.

السؤال

السلام عليكم

أنا أخاف من العين خوفا شديدا جدا، لدرجة أن جميع ما يحدث أقول أنه عين، وأصبح كلامي (قولوا ما شاء الله) على أتفه الأشياء، وأصبحت لا أحمد الله ولا أشكره لأني أخاف أن أعين نفسي، ووسوس لي الشيطان أني إذا حمدت الله وشكرته، سوف تذهب هذه النعمة، هذه إساءة ظن بربي ووسواس، فأنا أريد حلا.

وأيضا إذا لم يقل أحد (ما شاء الله)، لا بد أن تقع العين وفعلا يحدث، لأني موسوسة ومسيئة للظن بالله ومتشائمة، وأصبحت الآن أوسوس حتى وإن قالوا ما شاء الله فستقع العين، فلماذا؟ وأشعر بأنني أعين الناس وأحسدهم، مع أني لا أريد ذلك ولكنها تقع، فأقول (ما شاء الله) وأكررها، ولدي وسواس أني أكرر قول -ما شاء الله- كثيرا وإن لم أكررها حتى أرضى فسوف تقع العين وفعلا، وأحيانا أعين وقد قلت ما شاء الله، أريد حلا لهذا.

وإني لا أستطيع تحقير وتجاهل هذا الوسواس لأني أخاف العين لنفسي ولغيري، وأنها تأتيني وساوس إن لم أفعل شيئا معينا سوف يحدث لي أي شيء أخاف منه، فأفعل هذا الشيء لكي لا يحدث أي شيء أخاف منه، وأحيانا إن حقرته وتجاهلته تأتيني أمور لا أريدها، وإن حاولت أن أتجاهله وأحقره، أقول (أنا مسيئة الظن بربي، فسوف يحدث إن لم أفعل لأن ربي عند ظن عبده) فما هو الحل، وكيف أحسن ظني بربي، وكيف أصبح متفائلة، وكيف أبعد الشيطان ووساوسه عني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة-، فالذي يبدو منها أنك أدخلت نفسك في وهم شديد، وأنك سمحت للشيطان أن يلعب بك وأن يتقاذفك الشيطان كما يلعب الأطفال بالكرة، وذلك لأنك صدقت نفسك من أنك عائنة وأنك حسودة، وأن الناس كلهم يحسدونك أو يحسدون غيرهم، وعشت في هذا الجو الصعب المقيت الكريه البغيض الذي يجعل الحياة عقوبة، وليست فيها أدنى ذرة من ذرات السعادة أو الرحمة، وهذا كله -يا بُنيتي- إنما هو أثر من الأثر النفسي، فأنت عشت حالة نفسية أدخلت نفسك فيها، ولا تستطيعين الخروج منها، وعلاج ذلك:

أولاً: ألا تشغلي بالك بقضية الحسد والعين مطلقًا حتى وإن حدث ما حدث، لأنك أنت الآن تتوقعين أن كل شيء يقع أو يحدث إنما هو بسبب العين أو الحسد، وهذا غلط، فإن العين والحسد لا تعدو أن تكون شيئًا من قدر الله تعالى، والأمور تحدث لأقدار لله تعالى متعددة متنوعة، ولا يلزم أن يكون كل ما يحدث من سوء سببه العين أو الحسد، فقد يكون له أسباب أخرى نحن لا نعلمها -يا بُنيتي-.

الشيطان ضحك عليك وجعلك تظنين بأن كل شيء سببه العين، ووجد عندك الاستعداد لقبول هذا الهاجس، فبدأ يركز عليه حتى يُفسد عليك علاقتك مع الله، ويجعلك تُسيئين الظن بالله تعالى، إلى غير ذلك.

فالذي أريده -بارك الله فيك- أن تصرفي النظر عن هذه الفكرة تمامًا، تحاولي أن تطاردي هذه الأفكار، وتقولي أن (كل شيء طبيعي، وكل شيء بقدر الله، وأن العين لا تؤثر بنفسها) لا بد أن تقولي هذا الكلام لنفسك بصوت مسموع تسمعه نفسك ويسمعه عقلك، تقولين (كل شيء بقدر الله، لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، العين حق ولكنها لا تؤثر بنفسها، والحسد لا يقع بنفسه، وإنما كل شيء يقع بقدر الله تعالى، والعين لا دخل لها في ذلك، والحسد لا دخل له في ذلك، وإنما هذا هو تقدير الله)، حاولي أن تكرري هذا الكلام على نفسك حتى تستعيدي ثقتك بنفسك، وأن كل شيء بقدر الله، وأن العين مهما كانت قوتها لن تستطيع أبدًا بحال من الأحوال أن تُحدث شيئًا لم يُرده الله -سبحانه وتعالى-، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله.

هذا من الشرك، إذا كنت تظنين أن كل شيء من العين، هذا خطأ عظيم جدًّا على عقيدتك، كل شيء من عند الله نعم، الخير من الله والشر من الله، الصحة من الله والمرض من الله، أقول نعم، أما العين فالعين لا تملك شيئًا، ولا يملك أي عائن في العالم أن يُلحق الضرر بغيره بإرادته، وإنما إذا شاء الله أن تُصيب العين أصابت، وإن شاء الله ألا تُصيب ما أصابتْ.

فعليك -يا بُنيتي- أن تعتقدي هذا الاعتقاد، وأن تقوي هذا الاعتقاد في نفسك، وأن تكرري أمام نفسك دائمًا (كل شيء بقدر الله، كل شيء بقدر بإرادة الله، العين ليس لها دخل، والحسد ليس له دخل، وإنما هذه إرادة الله تعالى).

حاولي -بارك الله فيك- أن تجتهدي في ترك هذا الموضوع تمامًا، ومسألة (ما شاء الله تبارك الله) هذه كلمة طيبة، لا مانع من أن تُقال، ولكن لا تصل إلى درجة الوسوسة، وإنما إن قيلت فهي حسن، وإن لم تقل فهي لا تغير من قضاء الله شيئًا، إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يقع شيئًا وقع.

فعليك -يا بُنيتي- كما ذكرت أن تضعي العين في نصابها الطبيعي، وأنصحك بالرقية الشرعية ضرورة لاحتمال أن تكوني ممسوسة، وأن يكون المس الذي عندك هو سبب هذه الوساوس وهذه الأفكار السلبية، فأتمنى -بارك الله فيك- أن تستعيني بعد الله تبارك وتعالى براقٍ ثقة يحاول أن يرقيك عدة مرات – هو أو غيره –، ومن الممكن أن تُكرري وأن تذهبي لأكثر من راقٍ حتى تتعافي من هذا الأمر الذي أنت فيه.

حافظي على الصلوات في أوقاتها، وحافظي على أذكار ما بعد الصلاة، وحافظي على أذكار الصباح والمساء بانتظام، واجتهدي من قولك (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وقولي (العين حق والحسد حق، ولكن لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، أعلم أن الله على كل شيء قدير) هذا الكلام ضروري.

عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يعافيك الله من ذلك، حاولي الاستماع إلى الرقية الشرعية الصوتية لأي شيخ من المشايخ في البيت، حتى يتطهر البيت وتتطهر نفسك، وأفضل الرقية الصوتية للشيخ محمد جبريل – المقرئ المصري – وهي موجودة في التسجيلات أو على الإنترنت، حاولي الاستماع إليها أكثر من مرة، واطلبي من والدتك الدعاء لك، وكذلك والدك وأهل الخير، وحافظي على الطهارة والوضوء قدر استطاعتك، لا تنامي إلا على أذكار النوم وعلى طهارة، كما ذكرت عليك بالدعاء والإلحاح على الله أن يعافيك الله تبارك وتعالى من ذلك، وقولي (اللهم ارزقني حسن الظن بك، وصدق التوكل عليك).

أكثري من ذلك وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً