الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعمل في منصب قيادي, لكني أعاني من المخاوف!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على هذا الموقع الجميل.

أنا شاب عمري 27 سنة, أعمل في منصب قيادي في أحد الشركات بالمملكة, ومن طبيعة عملي مقابلة الجهمور، منذ فترة 8 أشهر تقريبا بدأت عندي أعراض الخفقان والاختناق كل ليلة, وخصوصا بعد ممارسة الجنس؛ لدرجة أني عملت فحوصات كثيرة للتأكد, والحمد لله كانت النتائج سليمة جدا.

لم أقتنع بنتائج الفحوصات، وما زالت الأعراض تأتيني كل ليلة, وتطورت لخوف من الأمراض بشكل كبير, وكل ليلة أذهب وأعمل تخطيطا للقلب, وكانت النتائج سليمة, وبعدها صرت أخاف من أن أنام وحيدا, وصرت أنام بين إخواني, وﻻ أستطيع مقابلة الناس.

صلاة الجماعة قطعتها خوفا من أن يحدث لي شيء أمام الناس, وانعزلت تماما عن الناس, حتى عن أهلي, وصار تفكيري مسيطرا علي جدا, لدرجة أن تفكيري ينحصر بسماع نبضات قلبي, مهما كان الازعاج حولي, والأعراض ما زالت موجودة لدرجة أني أظن أنه ستحصل لي غيبوبة.

بعد ذلك لاحظت أن الخوف ملازم لي تماما, وبدون أسباب, وبشكل كبير, ولاحظت أيضا أنني أضغط على أسناني كثيرا, لدرجة الألم, وحتى عندما أصحو من النوم.

بعدها قررت زيارة مركز نفسي -قبل 3 أشهر من الآن-, وفعلا ذهبت وقابلت الدكتور, وشرحت له وضعي, ووصف لي حبوب (زيروكسات) 12.5 جراما لمدة أسبوعين, وأمرني أن أعرض حالتي على دكتور سلوكي, وفعلا ذهبت للدكتور السلوكي, وحضرت عدة جلسات كان أغلبها في التكلم عن حياتي, وعن طفولتي, وتعليم تمارين الاسترخاء والرسوم, وكتابة قصص عن شخصيات تعرض علي بصور.

بعدها أمرني الدكتور بزيادة الجرعة لغاية 25 جراما, وفعلا تم ذلك, وأنا الآن بحالة مستقرة, ولكن ﻻ أستطيع مواجهة الناس, مجرد أن أقابل أحدا تبدأ الأفكار السلبية, وأحس بخوف شديد, وأعود للعزلة, فأفكاري جدا سلبية, ومسيطرة علي تماما, وكل أوقاتي تفكير, فقد أصبحت حساسا جدا.

الدكتور السلوكي يأمرني بأن أخالط الناس, وأبتعد عن العزلة بتاتا, وأنا لا أستطيع ذلك بسبب الخوف والقلق المستمر, والتوتر والارتعاش، وحاليا منذ أسبوعين وأنا أشعر بانتكاسة؛ حيث أشعر بقلق وتوتر, وخوف فضيع, وخفقان, وحركات لا إرادية, وارتعاش, أحاول أن أسيطر على أفكاري, لكن دون جدوى.

الرجاء إفادتي؛ ما الواجب علي فعله؟ وهل هناك حبوب تساعدني على الاختلاط مع الناس دون أعراض جانبية, وتبعد التوتر والقلق والخوف؟ وأريد أيضا أن أسيطر على أفكاري, وأتحكم بها.

مراجعة المركز بشكل أسبوعي استنزفني ماديا, مع العلم أنني منذ سنتين مررت بأزمة عاطفية ومادية بآن واحد، وللعلم أنا أحب الانفراد بنفسي كثيرا في الظلام من قبل بداية الأعراض.

وجزاكم الله عنا ألف خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Thamer حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شرحك جميل, ورسالتك واضحة جدًّا، وقطعًا أنت تعاني من أعراض الرهاب الاجتماعي، مع شيء من الوساوس والمخاوف القلقي، كما أنه لديك فكر افتراضي استباقي سلبي، وهذه كلها متداخلة مع بعضها البعض، لا أعتقد أنك تعاني من تشخيصات متعددة، كل ما ذكرته لك هو في بوتقة واحدة.

أيها الفاضل الكريم: المبادئ العلاجية معروفة جدًّا.

أولها: إعادة هيكلة التفكير، هذا أهم شيء، أو ما يسمى بالتغيير المعرفي، يعني: ليس من الصواب أن يقبل الإنسان أي مشاعر أو أي أفكار تأتيه، إذا كان الفكر فكرا غير منطقي، سخيفا، وإذا كانت المشاعر كذلك، فيجب أن نرفضها، يجب أن تطرح على نفسك تساؤلات: أنت الحمد لله شاب في منصب قيادي، أكرمك الله تعالى بأشياء عظيمة في حياتك، فما الذي يجعلك تخاف؟ ما الذي يجعلك تتوتر؟ لا بد أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة، حقر فكر الخوف، واستبدله بفكر محايد أو فكر يدفعك نحو التفاعل الاجتماعي بصورة أكبر.

الأمر الثاني الذي يجب أن نؤكد عليه: أنت غير مراقب من قبل الآخرين، يجب أن تلتفت لهذا الأمر، وكل الشعور بالاختناق والخفقان وغيره هي مشاعر داخلية خاصة بك أنت، ناتجة من تغيرات فسيولوجية لا أحد يطلع عليها أبدًا.

هذه مبادئ رئيسية جدًّا, وأنا متأكد أن المختص النفسي قد تكلم معك في هذا الموضوع؛ لأنها هي البداية الصحيحة لتطبيق أي علاج سلوكي.

بعد ذلك -أخي الكريم– هنالك نوع من التواصل الاجتماعي الجميل وذو الفوائد المتعددة والسهل جدًّا: الحرص على صلاة الجماعة، هذه في أول الأمور التي وجدتها من أفضل السبل التي تعالج الرهاب الاجتماعي, لا مانع من أن تكون في الصفوف الخلفية في بداية الأمر، بعد ذلك انتقل في الصفوف حتى تجد نفسك خلف الإمام، أخِي الكريم: هنا تحس بالأمان والطمأنينة.

ممارسة أي رياضة جماعية فيها خير كثير لك، مشاركة الناس في مناسباتهم، الانخراط في أي نشاط ثقافي أو اجتماعي، الإكثار من زيارة الأرحام والأصدقاء، زيارة المرضى في المستشفيات، تشييع الجنائز، هذه كلها أطر اجتماعية موجودة أمامنا، متوفرة، وإن شاء الله تعالى الذي يسير على هذا المنهج يحس بإشباع داخلي ورضا داخلي، وفي ذات الوقت يعالج خوفه ويقوي من مثابرته، ويشعر بقيمة ذاته، وهذا يعطينا ما يسمى بالإشباع النفسي، واصل مسيرتك على هذا النهج.

بالنسبة للعلاج الدوائي: الزيروكسات دواء رائع، طيب، ممتاز، الجرعة معقولة جدًّا، وأعتقد أنه يمكنك أن تدعمه بدواء بسيط جدًّا يعرف تجاريًا باسم (فلوناكسول) ويسمى علميًا باسم (فلوبنتكسول) وهو دواء مضاد للقلق حين يعطى بجرعات صغيرة، له فعالية تضافرية ممتازة مع الزيروكسات.

الجرعة هي نصف مليجرام –أي حبة واحدة- تتناوله صباحًا لمدة أسبوع، ثم تجعلها نصف مليجرام صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم حبة في الصباح لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء، وقطعًا استشارتك للطبيب في هذا السياق ستكون أيضًا مرغوبًا.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً