الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من وساوس التخزين والاحتفاظ بكل قديم؟

السؤال

أُعاني من وساوس التخزين, والاحتفاظ بالخردة والقديم, وعدم القدرة على التخلص من أشياء قديمة, أو لا قيمة لها, وأظن أني سأحتاج لها يوماً ما؟

الرجاء ثم الرجاء منكم أن ترشدوني إلى علاج سلوكي يخلصني من هذه المشكلة دون الحاجة لأخذ علاج دوائي, أو الذهاب لطبيب نفسي؛ لأني لا أستطيع ذلك.

جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ m s s حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا.

من الواضح أن ما ورد في سؤالك هي حالة من الأفكار والأعمال القهرية والتي يسميها الناس الوسواس القهري، وإن كان هذا الاسم الشائع له مضاعفات تجعل الموضوع يشكل على الكثير من الناس فيربطوه بوساوس الشيطان وغيره, وهذا غير صحيح.

تتمثل هذه الحالة عندك في الشعور بضرورة الاحتفاظ بالأشياء وعدم إلقائها أو التخلص منها من باب "عسى أن تحتاجها في المستقبل"، فلذلك فأنت تجمع الأشياء وتحتفظ بها وبكثرة، وعندما تعزم على عدم الاحتفاظ، فما هي إلا لحظات حتى تشك من جديد، فتعيد العمل مرة ثانية، من باب "ليطمئن قلبي" وقد يصل الأمر عند البعض لحالات شديدة من الاحتفاظ بكل ما يخطر في البال من الصحف وعلب الأطعمة أو المجلات أو الأحذية، أو أي شيء يخطر في البال، ومن الناس من يمتلئ بيته بالأشياء المادية, بحيث لا يعود يتسع لأي شيء آخر!

وهذا الجانب هو موضوع الأعمال القهرية، حيث تأتيك رغما عنك أفكار وسواسية قهرية تتعلق ربما بمدى حاجتك للأشياء، وعدم التخلص منها، ولا شك أنك تحاول دفع هذه الأفكار بعيدا عنك، إلا أنها تستمر وتعود مجددا بالرغم من أنها مزعجة ومؤلمة، بما فيها من أفكار وأعمال غير مقبولة بالنسبة لك.

كل هذا يدخل في تعريف الأفكار والأعمال الوسواسية القهرية، ويفيد أن نذكر أن هذه الأفكار الوسواسية ليست من صنعك، ولست مسؤولا عنها، فهي أفكار قهرية.

اطمئن أن كل ما يدور في ذهنك من هذه الوساوس، وربما غيرها كثير لم تذكره لنا لخجلك منها، أو ارتباكك من ذكره، يمكن أن يتوقف، وإن كان الأمر ليس بالسهل، ولا شك أنك حاولت مرارا وتكرارا.

وليست الأفكار والأعمال القهرية دليلا أو مؤشرا على "الجنون" أو فقدان العقل، كما قد يشعر بعض المصابين، وإنما هو مجرد مرض نفسيّ، أو صعوبة نفسية قد تصيب الإنسان لسبب أو آخر، كما يمكن لأمراض أخرى أن تصيب أعضاء أخرى من الجسم كالصدر والكبد والكلية، وكما أن لهذه الأمراض علاجات، فللأعمال القهرية وغيرها من الأمراض النفسية علاجات متعددة، دوائية ونفسية وسلوكية.

وتكثر عادة أسئلة الناس عن الوساوس، مما يعكس أولا مدى انتشارها بين الناس، وإن كان من المعتاد أن لا يتحدث الناس، ولا حتى المصاب عنها، إلا بعد عدة سنوات ربما، حيث يعاني أولا بصمت ولزمن طويل، كما يحصل معك الآن، وقد يصل الوقت لسبع أو تسع سنوات، ولذلك أشكرك على أن كتبت لنا تسأل.

إن وضوح التشخيص، وفهم طبيعة الوسواس القهرية، من أول مراحل العلاج، وربما من دونه قد يستحيل العلاج، فتأكد من أن ما لديك هي حالة من هذه الأعمال القهرية.

ويقوم العلاج على ثلاثة أمور، الأول: العلاج النفسي المعرفي، وهو عن طريق تغيير القناعات والأفكار المصاحبة للوسواس القهري، والتي تجعلك تخزّن الأشياء، ويمكن مع هذه المعالجة المتخصصة أن تتغيّر هذه الأفكار وتستبدلها بأفكار أكثر صحة وسلامة، ويقوم على هذه المعالجة الطبيب النفسي المتدرب على هذا النوع من العلاج، أو الأخصائي النفسي المتخصص.

والعلاج الثاني: هو العلاج السلوكي، وهو عن طريق تعريض المصاب للفكرة القهرية التي تراوده من ضرورة شراء الأشياء التي لا يحتاجها ومن ثم الاحتفاظ بها، وبالتالي منعه من القيام بالعمل القهري كالشراء أو الحفظ، فمثلا منعك من هذا الشراء أو التخزين، وتشجيعك على ترك هذه الأشياء وإلقائها مع المهملات..، وستلاحظ بعد فترة قصيرة أنك لم تعد تكرر عملك هذا، وهناك من يجمع بين العلاجين المعرفي-السلوكي بحيث يستفيد من إيجابيات كل منهما.

والعلاج الثالث، وهو في الواقع لا يغني عن السابق، إلا أنه يساعد كثيرا في تخفيف شدة الأعراض، ويساعد الشخص على التكيّف المناسب، وهذا العلاج هو العلاج الدوائي بأن يصف الطبيب النفسي أحد الأدوية المضادة للاكتئاب، ليس لوجود الاكتئاب، وإنما وجد من خلال التجربة أن مضادات الاكتئاب تحسّن شدة وطبيعة الأفكار الوسواسية والأعمال القهرية، ولا بد من متابعة هذا العلاج الدوائي مع الطبيب النفسي لأن استعمال الأدوية المضادة للاكتئاب يحتاج إلى المتابعة القريبة من قبل المتخصص.

وطالما أن المرض تطور عندك بهذا الشكل الذي وصفت فإني أنصحك بمراجعة طبيب نفسي في المدينة التي تعيش فيها، وسيقوم هذا الطبيب بأخذ القصة كاملة، ومعرفة الأمور الكثيرة والتي لم تخبرنا عنها كنمط الحياة، وعلاقاتك الأسرية والاجتماعية، وتاريخ طفولتك، وطبيعة حياتك اليومية، ومن ثم يمكن لهذا الطبيب النفسي أن يقوم بعد التشخيص بالعلاج المطلوب.

وفقك الله وكتب لك العافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً