الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي أسباب الوساوس القهرية...وما علاجها؟

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خيرا على خدمة اﻹسلام والمسلمين.
أرجو من الدكتور الفاضل محمد عبد العليم الإجابة عن سؤالي، وجزاه الله خيرا.

أنا بعمر 20 سنة، أدرس بكلية الطب البشري، المشكلة يا سيدي بدأت عندما كنت طفلة، أبي كان شديد القسوة، لا يعرف الرحمة إلا قليلا، وأمي امرأة ضعيفة.

علما بأني يا سيدي البنت الوحيدة لهما، وأبي الآن بعمر 59 عاما، وأمي 55 عاما، وأبي منذ سنتين التزم بالصلاة، بعد أن مرض مرضا شديدا، وخاف من الموت، وأقلع عن الحشيش.

علما بأنه كان يتعاطى هذا السم منذ الصغر، وكان يشكو كثيرا حتى اليوم من قسوة والديه، وقد تفنن بأن جعلني أشرب من نفس الكأس مرارة وألما.

أما أنا فكنت أحاسب على أقل الأشياء حسابا عسيرا، وكنت متفوقة في دراستي، وهذا عوضني كثيرا، ورغم ذلك كانت طفولتي حزينة، وكنت أبكي كثيرا، المشكلة أني في امتحان الكيمياء، عند الدراسة سيطرت فكرة أني سأصاب بصداع، والعجيب أني عندما استلمت ورقة الامتحان فعلا أصبت بصداع! فما تفسيره؟

بدأت ألتزم حتى شعرت أني بصدق دخلت الإسلام، فكانت صلاتي فيها خشوع وحب لله، ودموعي تنزل في كل صلاة.

بدأت وساوس الوضوء والصلاة، واستمرت أشهرا ثم خفت، وعند الامتحــانات أعاني من وساوس النوم، والمرض، تحديداً الصداع.

ذهبت إلى طبيب نفسي فأعطاني البروزاك، ودواء آخر نسيت اسمه للنوم، وهو دواء لعلاج ما بعد الصدمة، ولكن في فترة الامتحانات تعبت، وتوقفت عنه؛ لأن قلبي كان يخفق بشدة، وكانت هناك رعشة في يدي، وجفاف في فمي، وصراحة خفت أن أمسك القلم، ولا أتمكن من الكتابة بشكل واضح، فتوقفت عنه، وانتهت السنة ونجحت بتفوق، ودخلت كلية الطب البشري، فهل أعود للدواء، وكيف أغير ضعفي؟ وهل قسوة أبي هي السبب في هذا؟ وهل الدواء يؤثر على الذاكرة؟

علما أني الآن في إجازة صيفية، وأنام بعمق ولا أفكر بالمرض أبدا، فهل الوساوس تزداد بالضغط النفسي؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ mirna حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فما وصفته بالقسوة التربوية والتي كانت إسقاطًا من والدك عليك لأنه قد تعرض لنفس المنهج التربوي، هذا الموضوع أريدك أن تنظري إليه من زاوية مغايرة تمامًا، ولذلك لسبب بسيط: والدك لم يقصد أبدًا لك أي نوع من الضرر أو الإساءة أو يسبب لك نوعا من الأذى أو القسوة، إنما هي مفاهيم تربوية خاطئة وليس أكثر من ذلك.

أنت الآن الحمد لله – فيما يتضح لي – بالرغم من هذه الصعوبات وهذه المعاناة إلا أنك أصبحت قوية البنية النفسية، وأصبح لديك المدخلات الأساسية التي تجعلك طالبة طب متميزة، وإن شاءَ الله بعد ذلك طبيبة متفوقة.

النظرة لما هو الآن وما سيأتي أفضل من التوجس حول ما مضى، إمكاناتك العقلية والمعرفية لا بد أن تكون ممتازة، وهذا واضح جدًّا.

موضوع الوساوس ونوبات الهرع التي أتتك هي جزء من التغيرات النفسية التي قد يكون بالفعل أحد أسبابها أو مسبباتها هو الصعوبات التي تعرضت لها من الناحية التربوية أو على الأقل اعتقادك بأن تربيتك كانت تربية قاسية، هذا في حد ذاته انعكس عليك سلبًا.

الصداع الذي أتاك وأُصبتِ به ناتج مما يُسمى بالتأثير الإيحائي، أنت فصلّت هذا العرض، أنت صنعت هذا العرض من خلال اهتمامك به، ومن ثمَّ حدث نوع من التماهي النفسي أو الإيحائي النفسي الذي جعلك تشعرين بالصداع، وهذه ظاهرة معروفة جدًّا.

الوساوس التي تأتيك مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتطورك العقدي الطيب والجميل، التزامك بالدين، وإقدامك عليه بأريحية وباهتمام والتزام لا شك أنه أدى إلى هذه الوساوس، وهذا نشاهده كثيرًا في بعض الحالات، وهذا كله خير إن شاءَ الله تعالى، هذا ليس بسوء أبدًا، استمري على منهجك العقدي الصحيح، اجتهدي في دراستك، رتبي أمورك، أحسني إدارة وقتك، انظري إلى الماضي بعبرة وصدق مع النفس، وانظري إلى الحاضر والمستقبل بقوة وأمل ورجاء.

أنا لا أراك الآن في حاجة لعلاج دوائي، أنت الحمد لله ثابتة الخُطى، وجيدة، ولديك الوسائل السلوكية التي من خلالها تحاربين الوساوس، والضغوط النفسية في الحياة موجودة، ويمكن أن تحول إلى طاقات إيجابية من خلال: أن يتصدى الإنسان لصعوباته، وأن يكون نافعًا، وأن يكون مصرًّا على أن ينفع نفسه وغيره، طاقاتك الشبابية هذه يجب أن يُستفاد منها.

الدواء لا داعي له الآن، لكن إذا فرطت الأمور وخرجت عن النطاق الذي يصعب تحمله هنا لا مانع من استعمال البروزاك، الدواء رائع جدًّا وسليم جدًّا، وفاعل جدًّا، وكبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر سوف تكون كافية جدًّا.

إذا تواصلت أيضًا مع أحد أساتذة الطب النفسي بكلية الطب التي تدرسين بها، هذا أيضًا أراه عاملاً جيدًا وإيجابيًا، ومن خلاله يمكن تلقي مساعدة وإرشاد نفسي وسلوكي أفضل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ليبيا صاحبة الشكوى

    الدكتور الفاضل محمد عبد العليم أشكرك كثيرا على كلامك الطيب نفع الله بك و زادك علما و أتمنى لك دوام النجاح وجزاك الله خيرا




بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً