الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الهلع وقلة النوم؛ مما أثرا على حياتي وطموحي، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى منكم قراءة رسالتي بتمعن وطيب قلب.

قبل أقل من سنة تعرضت لضغوط الامتحانات، حيث إنني حاولت الخلود للنوم ولكنني لم أستطع، كانت الأعراض عبارة عن: رعشة، وخفقان في القلب, وضيق في التنفس، مع اضطرابات في المعدة.

في البداية لم أتمكن من تشخيص حالتي، فزعمت أنها مجرد انخفاض أو ارتفاع في السكر، ولكن في الليلة التي تليها، قمت بتأجيل الامتحان، وذهبت للمستشفى للتأكد من سلامتي، وكانت كل النتائج سليمة، فقد أجرى لي الطبيب تخطيطاً للقلب، وفحوصات متعددة للغدة، والضغط، والسكر، وكنت متأكدة من أنها حالة بسيطة ناتجة بسبب الضغط وستزول.

الأمر الذي أثار رعبي هو: أن الامتحانات النهائية بحاجة إلى التركيز، والراحة، وأنا لا أتمكن من النوم عميقاً إلا لساعة واحدة فقط، فقررت البحث والاستقصاء عن حالتي، فعلمت أنها نوبات من الهلع.

وللعلم أنا لا أعاني إلا من هذه الأعراض، وعدم القدرة على النوم، والضيق، والدموع التي تذرفها عيناي لاإرادياً، قرأت عن تمارين الاسترخاء، وقمت بتطبيقها وحصلت على نتائج جميلة.

بعد شهر تعرضت لنوبة جديدة مثل سابقتها، ما أثار في نفسي القلق هو أنني سوف أتعرض لهذه النوبة في كل مرة، نعم عززت نفسي بالكلام الإيجابي، وتمارين الاسترخاء، والرياضة، والفواكه الطبيعية، وبفضل الله اجتزت اختباراتي النهائية، ولم أتعرض لأي نوبة.

أصبحت أقرأ القرآن بشكل مكثف، وأصلي بخشوع، فهذا أجمل ما حصل في حياتي بفضل الله، أنا إنسانة صحية، وطموحة جداً، ومجتهدة بشكل خيالي، ومنظمة، ودقيقة، الأمر الذي تعرضت له كان له الأثر في تأخر مستواي الدراسي، ولا أريد الاهتمام بدراستي؛ لأنني أشعر بأنني في حاجة إلى قسط كبير من الراحة, وأن الدراسة استنزفت الكثير مني.

مشكلتي الآن: أنني لا أعاني أي أعراض وأنا في إجازتي، وأشعر بأنني طبيعية، ولكنني في فترة الدراسة أشعر بثقل كبير، أكره الذهاب إلى الكلية, لا أنام بشكل جيد، أقضي أربعة ساعات في البحث عن النوم، أو النوم دون مرحلة العمق، ودوامي متعب بالفعل.

أصبحت أفكر في الانسحاب؛ لأنعم بحياة طبيعية، وكذلك لا أستطيع الذهاب لدكتور نفسي.

أرجو أن أنال منكم التفهم قبل أي شيء، ثم النصيحة، والعلاج اللازم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل تمعن، وطيب قلب، وتفهمتها -إن شاء الله تعالى- في حدود إمكانيات البشر.

بالفعل حدثت لك نوبة هرع، ومن ثم تجاوزت الأمر، من خلال التعزيز الإيجابي، وتمارين الاسترخاء، والرياضة، والفاكهة، وأعتقد أن توجهك المعرفي كان توجهًا صحيحًا، وهذا ساعدك كثيرًا على الخروج من حالة الهرع وما يتبعها من مخاوف ووساوس، قطعًا أنا سعيد بأنك ملتزمة بصلاتك، وهذا أمر عظيم، أسأل الله تعالى أن يزيدك في هذا الشأن.

الآن أنا أعتقد أن لديك ما يمكن أن نسميه بالقلق الظرفي، أو القلق التوقعي، وهو مرتبط بأمر معين، أمر الدراسة، أنت الآن في فترة عطلة كما تفضلت وذكرت، ولا تحسين بشيء، ولكن في فترة الدراسة يضطرب نومك، ولا تحسين أنك مرتاحة نفسيًا، وأصابك شيء من الإحباط حول إكمال الدراسة.

الذي يحدث هو أمر ظرفي، وهو نوع من قلق الأداء، أو القلق التوقعي، يعني أنك تندفعي نحو الدراسة، وتستفيدي من القلق من أجل أن تدرسي، لكن فجأة قلقك يتحول إلى إحباط؛ لأنه يسيطر عليك على مستوى العقل الباطني، وهذه الظاهرة معروفة، هذا القلق من المفترض أن يكون قلقًا لتحسين الأداء؛ لأن الذي لا يقلق لا ينجح، ولا يؤدي، ولا يُنجز، لكن القلق قد يتحول إلى قلق سلبي.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: عززي إيجابياتك بصورة أفضل، أنت قد تخطيت مراحل صعبة، وحاولي الآن أن تندفعي نحو الدراسة، وذلك من خلال حسن تنظيم الوقت، نامي مبكرًا، واستيقظي مبكرًا، وبعد صلاة الفجر قومي بالدراسة والمذاكرة لمدة ساعة، هذا فيه تعزيز عظيم جدًّا للنفس، يؤدي إلى مردود إيجابي؛ لأن البكور فيه خير وبركات كثيرة، والذي يبدأ صباحه بهذه الطريقة سوف يُوفّق في حسن إدارة يومه ويحس بالتركيز والدافعية الإيجابية، هذا أمر مؤكد أيتها الفاضلة الكريمة.

طبقي أيضًا بعض التمارين البسيطة ما قبل صلاة المغرب، وحاولي أن تتجنبي أي نوم نهاري، ونامي مبكرًا كما ذكرت لك، أنت الحمد لله حريصة على النظام الغذائي، ومن الواضح أن حياتك منضبطة، وهذا سوف يساعدك كثيرًا، وبالنسبة للنوم أيضًا حاولي أن تتجنبي الميقظات كالشاي والقهوة في فترة المساء.

بالرغم من قناعتي التامة بأن حالتك قد لا تتطلب علاجًا دوائيًا لفترة طويلة، لكن لا بأس أن تأخذي أحد محسنات المزاج البسيطة، والتي تُساعدك في النوم كثيرًا -إن شاء الله تعالى-.

إن شئت أن تذهبي إلى الطبيب فهذا هو الأفضل، وإن كان ذلك ليس سهلاً، فهنالك دواء يعرف تجاريًا باسم (ريمارون)، واسمه العلمي (ميرتازبين)، الحبة قوتها ثلاثين مليجرامًا، أنا أريدك أن تأخذي ربع حبة أي سبعة ونصف مليجرام ليلاً، قبل النوم بساعة، واستمري على هذا النمط لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم ربع حبة ليلاً لمدة شهرٍ آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

دواء لطيف جدًّا، يحسِّن النوم، يحسِّن المزاج، غير إدماني وغير تعودي.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً