الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يصح أن أعتبر ما أخذ مني من مال ظلما صدقةً عن والدي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

منذ سنوات طويلة أعاني من ظلم قاتل تسبب في انهيار حياتي الاجتماعية والمادية والمعنوية، ومنذ سنوات يوميا أدعو على ذلك الظالم، وأشعر بالإرهاق من الدعاء يوميا على الظالم، لأنه يذكرني بالقهر والحسرة، ومنذ فترة قليلة قررت أن أعتبر ما أخذ مني ظلما بمثابة صدقة عن روح والدي، فهل يجوز ذلك؟ علماً أنه مال.
أرجو الإفادة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rania حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت به، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: اعلمي -أختنا الفاضلة- أن الظلم شين، وأن الله حرمه وحذر من ظلم المسلم لأخيه، فقد قال الله تباركَ وتعالى في الحديثِ القدسيِّ:" يَا عبادِي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفْسِي؛ وجعلتُهُ بينَكُمْ مُحرَّماً، فَلا تَظالَمُوا".

وقد ذكر القرآن لنا توعد الله للظالمين، فقال: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء* وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ* وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ* وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ *فلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ).

وقد بين القرآن مصير القرى جراء الظلم فقال: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً)، فلا تظني –أختنا- أن مظلمتك ضائعة، كلا إنها في يد الله، وقد وعد أن ينجزها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين "، فالله لا يعجل كعجلتنا -أختنا المباركة-.

ثانيا: قد ذكرت -أختنا الكريمة- إمكانية عفوك عمن ظلمك، وهذا مما حث عليه الإسلام، قال تعالي: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، بل أمر الله نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، ولقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنين المتقين، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقد جعل القرآن العفو سبباً لمرضاة الله ومغفرته وعفوه، فقال سبحانه: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا).

ثالثا: أما التصدق بالعفو لصالح الوالد -رحمه الله-:
فاعلمي –أختنا- أن أهل العلم قد أجمعوا على أن الصدقة والدعاء يصل إلى الميت نفعهما، وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن المبارك أنه قال: (ليس في الصدقة خلاف)، واختلف أهل العلم فيما سوى ذلك من الأعمال التطوعية كالصيام عنه، وصلاة التطوع، وقراءة القرآن، ونحو ذلك.

وذهب أحمد وأبو حنيفة وغيرهما وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الميت ينتفع بذلك، وذهب مالك في المشهور عنه والشافعي إلى أن ذلك لا يصل للميت، واستدلوا بقوله: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، ليس فيها مثل تلك الأعمال، وخالفهم الفريق الأول مستدلين بجملة أدلة، وقد ردوا على أن الآية لا تعارض ذلك، فالولد من كسب أبيه.

وعليه فلا حرج عليك -أختنا الفاضلة- من دعاء الله أن لا يحرم والدك مثل أجر عفوك.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً