الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتمنى الموت، فكل من أحسنت إليهم أنكروا إحساني، انصحوني ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً جزيلاً للقائمين على هذا الصرح العظيم، جزاهم الله خيراً .

حياتي لم تكن شيئاً سوى سلسلة من الندم، الندم أحرق قلبي وعذبني طول حياتي، ومن أسباب ندمي هو أنني طيبة القلب، الطيبة التي يقول لي الناس بأنني مَجبُولة على هذه الطيبة، ودائماً نيتي حسنة، وأسارع بالإحسان للناس حتى إذا تلقيت منهم عظيم الإساءة، وأغلب الذين فعلت لهم الخير في حياتي غدروا بي، وتعمدوا أذيتي وألحقوا بي الضرر وأحزنوني.

حتى أختي الكبرى التي عاملتها بالحسنى، وقدمت لها الخير والإحسان والتفريج والعون طيلة حياتي، ولم أسء لها قط، تسببت لي بالأذى والضر والشر كثيراً، ودائماً تتشمت بحالي، وأختي الأخرى التي تكبرني بسنوات تظن بي ظن السوء، وتؤذيني وتضرني وتنتقم مني بناء على ظن لا صحة له، وحتى إن بررت لها سوء ظنها فهي لن تصدقني، كيف تسمح لنفسها أن تسيء بي الظن؟ وأنا مسالمة وضعيفة ولم أضرها بشيء طيلة حياتي، ولم تر مني سوى الخير والطيبة والتقدير والإحسان والدعاء لها، هذا ما قتلني في الأمر: "سُوءُ الظَّنِّ بِالمُحسِنِ شَرُّ الإِثمِ وَأَقبَحُ الظُّلمِ".

لا أحد يقدر الخير الذي عملته ولا أحد يشعر بوجودي، أشعر بأنني أمر مثل الشبح في هذا العالم، وأحياناً أشعر بأنني شفافة لا أحد يراني.

أخواتي أنانيات ولا يشعرن بوجودي إلا إذا كن يردن مني مصلحة أو مالاً، أجلس طوال اليوم في غرفتي وحيدة وأجهش بالبكاء، ويمرن بالقرب من غرفتي ويسمعن بكائي، لكنهن لا يتكبدن عناء السؤال عن سبب بكائي، أنا لست بحاجة لهن إطلاقاً، لكنني نادمة فقط على صنع المعروف والخير الذي قدمته لهن، ووقوفي معهن في مصائبهن ومشاكلهن، ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ )، الله يكفيني ويغنيني عن القرب كله، وهو حسبي وكفى بالله حسيباً.

دائماً أعاهد نفسي أن أتوب عن عمل الخير مع الناس المنافقين الذين لا أعلم شيئاً عن حقيقتهم، لكنني أنخدع في ظواهرهم، ويتضح لي في نهاية المطاف أنهم أشرار، ويلحقون بي الأذى، مع أنني دائماً أخذ الحيطة والحذر من الناس، ولا آمن أحداً، ونبيهة، ومن الصعب استغفالي، لكن الذي يدمرني إحساني للناس، كيف أربي نفسي؟ كيف أسلم من الأخطاء وأنا أعاهد نفسي أن لا أكررها، ثم كالمجنونة أكرر ذات الأخطاء ولا أتعظ، وليس لدي أدنى فكرة عن السبب الذي يدفعني لتكرار نفس الأخطاء.

كل صديقاتي وبنات جيلي سعيدات في حياتهن وشبابهن، وأنا بينهن تعيسة ومكتئبة من كل شيء، وأشعر أن عمري مليون قرن بسبب التعب والوهن، لم أتهنَّ بشبابي، صديقاتي دائماً مظاهرهن جميلة وحسنة وأن بينهن كالزومبي، أتعجب من جيلي أنهن شغوفات بحب الحياة والعيش، وهن يتعجبن مني لإنني فاقدة الرغبة بكل شيء، ورغبتي بالموت تتضاعف كل ثانية، ولا أتمنى إلا الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك من كل مكروه.

وبخصوص ما تفضلت به، فإننا نحب أن نتحدث إليك من خلال العناصر التالية:

أولاً: قد ذكرت -أختنا- فعلك للخير وحبك تقديم المساعدة للغير، وتألمك أن من أسديت لهم الإحسان هم من عادوك وقابلوك بالإساءة، حتى إنك حزنت على ما قدمت لهن من خير، وهذا أمر أحزننا كثيراً، فعمل الخير أجره عظيم ولو لم يكفِ من فوائده إلا أنه يقي مصارع السوء لكفاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن صدقة السر تطفىء غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإن صلة الرحم تزيد في العمر وتقي الفقر"، والمراد بمصارع السوء كما قال أهل العلم هو: ما استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم ـ كالهدم والتردي والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وقال بعضهم: هي موت الفجاءة، وقيل: ميتة الشهرة ـ كالمصلوب.
ومثل ذلك: الحوادث والكوارث التي تشاهد اليوم في كل مكان.

كل هذا -أختنا الكريمة- يقي منه ما تقدمينه من خير وما تفعلينه من صالح للغير، وقد لخصت أمنا خديجة ـ رضي الله عنها ـ صنائع المعروف ـ التي تقي مصارع السوء ـ بقولها لنبينا -صلى الله عليه وسلم-: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. متفق عليه. لذلك الحديث عن الندم ليس في محله فأنت راعيت ربك وترجين الأجر منه.

ثانياً: نريدك أن تقرئي هذا النص -أختنا- وأن تتمعني فيه، عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه، وكان رقيقه قد عرفوا منه ذلك، فربما شمَّرَ أحدهم فيلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على هذه الحالة الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم إلا أن يخدعونك، فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له، وهذا يدل -أختنا- على أن ابن عمر كان يعلم بأنهم يخدعونه ولكنه يريد الأجر من الله، لذلك لم يضره أن فعل ما فعل من خير.

ثالثاً: إننا نريد أن نهمس في أذنك، ونرجو الله أن تفكري كثيراً في حديثنا، إن الناس لا تجمع على باطل، وقد فهمنا من حديثك أن المحيطين بك وحتى أخواتك يستغلونك أو على الأقل يقابلون الإحسان بالإساءة، ويسمعون بكاءك ولا يسألون عنك مع أنهم أحيانا يحتاجون إليك، هذا الكلام -أختنا- يحتاج إلى تفكير، فلماذا يجمع من حولك على ذلك، لعلك -أختنا- تحتاجين إلى أن تسمعي من الغير وجهة نظرهم، ليس كل الناس سيئين، وليس كل الناس يقابل الحسنة بالسيئة، فهل قابلت في حياتك من قابل الحسنة بالأحسن، أم كلهم على ما فهمنا قد قابل الإحسان بالإساءة والنكران، إن كانت الأخيرة فإننا نرجوك إلى أن تراجعي المنهج مرة أخرى، وأن تبدئي بأخواتك، فهن رحم لك، وبينكم من وشائج الرحم والمحبة رابط قوي شئت أم أبيت، استمعي إليهن بقلب منفتح.

وأخيراً: نريدك أن تستشيري والدتك فيما قلت لنا مع الاستماع والإنصات.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً