الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصابة بالاكتئاب ولا أستطيع الذهاب للطبيب ولا إخبار أهلي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في بادئ الأمر أريد أن أشكركم على ردكم على استشارتي.

أنا صاحبة الاستشارة رقم: (2240286)، لقد علمت ما بي -والحمد لله-، فمعرفة المرض نصف العلاج، ولكني لم أحصل على ما أريد من نصحكم، لذا قررت أن أكتب لكم مرةً ثانية.

أولاً: لم تقل لي ما الذي أدى إلى إصابتي بمرض الاكتئاب؟ أقصد لقد مررت بموت أخي وهو أعز وأجمل ما كنت أملك، وقد كنت آنذاك في عمر 14، ولكن -والحمد لله- استطعت تجاوز الأمر، لم أجتزه بالمعنى الصحيح، ولكن حاولت أن أقتنع بالأمر، أعني هل يمكن أن تكون الوسوسة وموت أخي هما السبب الذي أدى لإصابتي بالمرض؟

حسناً لنفترض أني قد أصبت بمرض الاكتئاب، ولكن قبل هذا كله، أحمد الله أنه مرض الاكتئاب، لأن ما مررت به وما زلت أمر به شيء لا يطاق، وأمر مريرٌ جداً، في كل يوم كنت أستيقظ فيه كنت أظن أني سأجن من صعوبة الأمر، وهذا من فضل ربي أنه ابتلاني بشيء تطيقه نفسي وأستطيع أن أتغلب عليه.

لنعود إلى ما كنت سأقول، لنفترض أني أصبت بمرض الاكتئاب، والله قد خلق لكل داء دواء -له الحمد سبحانه-، فلماذا يستصعب التداوي منه؟

لقد قرأت عنه وعرفت أنه مرضٌ خطير وصعب الشفاء منه، وأريد أن أقول لكم أنني لا أستطيع أن أذهب لطبيب نفساني، ولا أستطيع أن آخذ الأدوية، ولا حتى أن أخبر أهلي بمرضي، لأنهم لا يقتنعوا بالأمراض النفسية.

وأمر آخر هل ينقصني الإيمان؟ أنا أعرف أن الله قد خلقني لاستخلافه في الأرض، ولكي أكون مسلمة تتباهى بها الملائكة، ولكي أسعى لأن أكون من أهل الجنة، أنا أعرف أن الله ما ابتلاني إلا ليطهرني، وأنه كلما اشتد البلاء كان الأجر أعظم.

وأعرف أن الدنيا فانية، وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، أنا أعرف أن الجنة غالية، وأن طريقها محفوفة بالأشواك كما جاء في الحديث القدسي، أنا أعرف أن التعاسة والبأس والإحباط لن يفيدني شيئاً، وأعرف أن الحزن والتعب والمرض لابد أن ينتهي يوماً، أنا أعرف أن الجنة تستحق أن أتعب من أجلها، وأن لنفسي حق، أنا أعرف كل هذا، لكن لم لا أقوم ولو بجهد ضئيل من أجل نفسي ومن أجل ديني؟ لم لا أجاهد نفسي؟ لم لا أبتعد عن اليأس؟ لم لا أستبدل اليأس بالأمل والكره بالحب؟

في كل مرة أسأل نفسي: بعد كل هذا هل ينقصني الإيمان؟ وأخجل أن أرد على نفسي.

وأحياناً أتساءل من بعد وسوسة الدين: هل إيماني بالله باقٍ أم أنه ذهب مع الرياح؟ وإن كان قد بقي؛ فلم لا أجد أثر الإيمان في نفسي؟

أنظر للسماء أنها مهولة، يا الهي سبحان من خلقها، لكن لا ليس هذا ما يأتي في بالي، بل لا أشعر بشيء البتة، وكأني لا أنظر إلى روعة وجمال إبداع الخالق -سبحانه وتعالى-.

أريد أن أعود كما كنت، كنت إذا ما رأيت إبداع الخالق أذهل، وكلما قرأت حديثاً لسيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- أحاول قدر المستطاع أن أحفظه، وكلما أسأت لنفسي أو لشخص ما ندمت وحزنت، وحاولت أن أكون أفضل في الغد.

سأحاول أن أنام باكراً وأستيقظ باكرا،ً وأن أصلي الفجر حاضراً، وسأداوم على الرياضة حتى يستطيع الدماغ أن يفرز المادة التي تتحكم في مزاج الشخص.

وأريد رأيكم إذا ما تقدم لي أحد لخطبتي هل أوافق أم لا؟

وسؤال أخير: أنا من الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم كثيراً، وفي أمور كثيرة، فهل هذا الشيء يؤثر على صحتي العقلية والذهنية أم لا؟ لأني أريد أن أتخلص من محادثة نفسي للأبد إذا ما كان لها تأثير سلبي علي.

وأسال الله العلي العظيم أن يغفر لكم، ويحشركم مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على رسالتك الطيبة هذه، وأقول لك –أيتها الفاضلة الكريمة-:

ليس من منهجنا أبدًا أن نفرض رأينا على أحد، نحن حاولنا وبقدر ما نستطيع وفي حدود إمكانيات البشر أن نجيب على رسالتك السابقة، وأقول لك: ما ذكرناه أعتقد أنه كان معقولاً حسب ما هو مُتاح، وهذه الاستشارات لا تكون بديلاً أبدًا عن الفحص والمناظرات الطبية المباشرة، وهي لا تتم إلا من خلال مقابلة الطبيب المختص والثقة.

فيا -أيتها الفاضلة الكريمة-: أنا أفضل أن تعرضي نفسك على الطبيب، هذه مجرد نصيحة أقدمها لك.

والنصيحة الأخرى هي: أن العلاج أجزاؤه متكاملة، لا يمكن أن نأخذ جزءا ونترك جُزءا.

والأمر الثالث وكما تفضلت وذكرت –وهو مهم جدًّا-:
ما خلق الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله، علمه من علمه وجهله من جهله، وأقول لك: نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممَّن علم الداء والدواء ولا يجعلنا ممَّن جَهِل.

والأمر الآخر: أريد أن أنبهك شيء بسيط جدًّا ومهم جدًّا، أن هذه الأمراض تُصيب جميع الناس، البر والفاجر، المسلم وغير المسلم، نعم هنالك بعض الخلافات، لكن المرض كالصحة ملازمٌ لحياة الإنسان، وبصفة عامة حالتك بسيطة جدًّا، ويمكن علاجها.

فأكرر لك مرة أخرى: أن تذهبي وتقابلي الطبيب، ومداومة الرياضة أمر جيد، لكن الجزئيات قد لا تُفيد، إنما يجب أن نأخذ بالكليات.

سؤالك الأول: السببية فيما يخص أمراض الاكتئاب ومعظم الأمراض النفسية، لا نستطيع أن نقول أن هناك سببًا بعينه، نعم هنالك عوامل مرسِّبة، وعوامل مهيأة، وهذا علمٌ كبير جدًّا، الأحداث الحياتية ربما تلعب دورًا، لكن لا نستطيع أن نقول أنها هي السبب الجوهري.

عمومًا أنا سعدتُ برسالتك جدًّا، وأشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وأرجو أن تذهبي وتقابلي الطبيب، فهذا أفضل لك -أيتها الفاضلة الكريمة-، كما أن المتابعة الطبية مهمة جدًّا، والإنسان يستفيد كثيرًا إذا بنا علاقة ثقة مع طبيبه.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً