الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجاوزت الهلع، وأعاني من الوسواس والرهاب، ما رأيكم في تغيير الدواء؟

السؤال

السلام عليكم

دكتور محمد: أنا شخص لا أثق إلا بك حاليًا؛ لأنني زرت أكثر من طبيب نفسي، ووالله العظيم، إنني أصدقك القول: لم أستفد من أحد بقدر ما استفدت منك، طيب الله أيامك بالمسرات، ووالله، لو أن بيدي وسيلة لأردّ لك المعروف، ما ترددت لحظة واحدة، واللهُ على ما أقول شهيد، ولكني لا أملك إلا أن أقول: أسأل ربنا –سبحانه- أن يحقق لك ما تتمنى من الخير في أبنائك، ويصلح لك أهلك.

طبيبنا العزيز: أنا تركت (السيبراليكس) منذ سنتين تقريبًا، وتجاوزت نوبات الهلع بدون عودة، الآن لي قرابة السنتين بدون أدوية، ولكن الوسواس القهري ما زال موجودًا، مع رهاب بدأ يشتد أكثر فأكثر في الفترة الأخيرة، مع عدم الثقة بالنفس، هناك أعمال أؤجلها؛ بسبب الخوف من الفشل والكسل والخوف من الناس مسبقًا، وأنا أدرك تمامًا أن الخوف من الفشل يؤدي للفشل، ولكن الأمر ليس بيدي.

أفكر حاليًا بالانتقال إلى (زيروكسات) أو (سيروكسات سي آر)، وأبدأ بجرعة 12.5، لمدة أسبوع، ثم أرفعها إلى 25، وهي الجرعة المتوسطة، وأستمر عليها شهرًا، ثم أرفعها إلى خمسين مليجرامًا، وأستمر عليها لمدة سنة، فما رأيك؟

أنا أثق جدًا في علمك، ومطّلع على أغلب استشاراتك، وموقنٌ تمامًا أن الدواء النفسي يغيّر الإنسان، إذا كان وصفُه دقيقًا، مثلما غيّرني (سيبراليكس) الذي وصفته لي، وهذا بعد توفيق الله -عز وجل- وشفائه.

جزاك الله ما تحب من خير الدنيا والآخرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا على كلامك الطيب، ونسأل الله أن ينفع بنا جميعًا، وأنا أقدِّر مشاعرك النبيلة، وأقول لك مرة أخرى: جزاك الله خيرًا، ومن قال لأخيه: جزاك الله خيرًا، فقد أجزل في الثناء.

التحسُّن الذي حدث لك فيما مضى، يجب أن يكون دافعًا يقينيًا يعطيك الأمل، ويجعلك تعيش على الرجاء؛ بأنك سوف تتخلص وتتخطى وبثباتٍ ما تعاني منه الآن من وساوس.

أخِي الكريم، إرادة التحسُّن تبدأ من الأمل والرجاء والتفاؤل، ووصيتي لك، هي ألا تجعل للكسل أو للوساوس أو الاكتئاب أو الخوف مدخلاً إلى نفسك لتعطّل حياتك، أعرفُ أنها سخيفة، أعرفُ أنها مُلحة، أعرفُ أنها مستحوذة، لكن الاكتئاب يُمكن أن يُهزم، ويجب أن يُهزم، وكذلك الوساوس.

أخِي الكريم: الإنسان هو مثلث سلوك؛ هذا السلوك ضلعه الأول تُمثله الأفكار، وضلعه الثاني هي المشاعر، وضلعه الثالث هو الفعالية. القلق والاكتئاب والوساوس والمخاوف وما شاكلها تضر كثيرًا بمشاعرنا وكذلك أفكارنا، إذًا تعطّل لدينا ضلع الشعور أو أصبح سلبيًا، وكذلك ضلع الأفكار، وبقي ضلع الأفعال، فإنه يكون قد لحق به ضرر أيضًا، لكن علماء السلوك وجدوا أنه يجب أن نُفعِّل هذا الضلع (ضلع الأفعال) مهما كانت مشاعرنا، وهذا يعني أن تُلزم نفسك بالإنجازات الحياتية، أن تضع جدولاً يوميًا تؤدي فيه ما هو مطلوب، حتى التّرفيه على ذاتك، يجب أن يكون جزءًا من هذا الجدول اليومي، وبهذه الطريقة سوف يعود عليك المردود النفسي الإيجابي الذي من خلاله تتحول الأمور وتُصبح إيجابية جدًّا في ضلعي التفكير والمشاعر، وهذا يعود عليك بالمزيد من الفعالية، وهكذا تسير الأمور في اتجاهها الصحيح.

أيها الفاضل الكريم: بالنسبة للعلاج الدوائي، الدواء مفيد، وهو نعمة من نعم الله –تعالى-، والآن أمامنا خياران: الخيار الأول من وجهة نظري –أخِي الكريم–، هو عقار يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، والذي يسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، حتى وإن لم يكن دواءً جيدًا لعلاج المخاوف، لكنه قطعًا يقهر الوساوس تمامًا، ويُحسِّنُ الدافعية عند الإنسان، وهذا هو الذي تحتاجه.

لماذا (البروزاك)؟ (البروزاك) ليس له آثار سلبية كثيرة، لا يؤدي إلى النعاس، لا يؤدي إلى زيادة في الوزن، كما أن التخلص منه والتوقف منه سهل جدًّا، حيث إنه يحتوي على إفرازات ثانوية، تجعل حصول الآثار الانسحابية مستحيلاً، حتى وإن كان التوقف منه مفاجئًا.

أخي الكريم: إن كان خيارك هو (البروزاك)، فابدأ به كالآتي: تناول كبسولة واحدة يوميًا في الصباح أو الظهر مثلاً، وإن أردت أن تتناولها مساءً، فلا بأس في ذلك، لكن حاول أن تراقب مستوى نومك، إنْ ضَعُفَ بعض الشيء، فهنا تناولْ (البروزاك) نهارًا.

استمر على جرعة كبسولة واحدة لمدة شهرٍ، ثم اجعلها كبسولتين في اليوم، وهذه هي الجرعة الصحيحة بالنسبة لك. استمر على هذه الجرعة الأخيرة لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها كبسولة واحدة يوميًا لمدة عام، وكبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرين، ثم توقف عن تناول الدواء.

هنالك أثر جانبي وحيد قد يحدث بالنسبة للمتزوجين، وهو تأخير القذف المنوي قليلاً عند الجماع، لكنْ –قطعًا- الدواء ليس له أي تأثير سلبي على هرمونات الذكورة.

أما إن أردت أن تستعمل (الزيروكسات CR)، فلا مانع في ذلك، فهو دواء أيضًا رائع وممتاز، لكن يجب أن يكون هنالك حذر شديد وانضباط تام في الانتظام في تناوله، وكذلك التوقف التدريجي عنه، 12.5 مليجرام كجرعة بداية؛ صحيحة جدًّا، بعد ذلك تجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرٍ، وبعد ذلك يمكن أن تجعلها خمسين مليجرامًا يوميًا، وهي جرعة كبيرة نسبيًا، لكنها سليمة.

استمر عليها لمدة ستة أشهر، ولا أعتقد أنك تحتاج لتناولها لمدة عامٍ كامل، بعد ذلك اجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا، أو إن أردت أن تجعلها سبعة وثلاثين ونصف مليجرام يوميًا لمدة ستة أشهر، هذا أيضًا أمرٌ طيب، ثم اجعل الجرعة 12.5 مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهرٍ، ثم 12.5 مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرين، ثم 12.5 مليجرام مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهرين أيضًا.

قطعًا لا تحتاج أن تستعمل الدواءين – أي (البروزاك) و(الزيروكسات)–، أنت محتاج لواحدٍ منهما فقط.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع استشارات إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً