الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت باكتئاب يصاحبه أرق وحالة نفسية

السؤال

السلام عليكم

أصبت باكتئاب مصحوباً بأرق وحالة نفسية -لا أعلم كيف أصفها- لا يعلم حالي إلا الله، وقد كان ذلك سببا في رجوعي إلى خالقي بعد غفلة وتقصير لمدة طويلة من عمري.

قد أثرت تلك الحالة على شغلي وأسرتي الصغيرة، فأصبحت شديد التفكير في تقصيري وعجزي عن إسعادهم بسبب ما أعانيه.

تدور في مخيلتي أفكار سوداء كإيذاء نفسي أو غيري، لولا فضل الله علي بالإسلام، صدري ضيق، وأحسد الناس، ولا أستطيع أن أتحكم في كبح تلك المشاعر، ولا أستطيع التحكم في استرسال الأفكار السيئة.

نومي معاناة لا أرتاح فيه أبداً، أحياناً أتمنى الموت، أو أقول في نفسي ما الذنب الكبير الذي عملته ليعاقبني به الله، ثم تارة أقول إنه امتحان من الله، وأنا هكذا بين أخذ ورد وحرب ضروس تجري في صدري وعروقي، لا أدري ماذا أفعل؟ معاناتي تجاوزت طاقتي، قواي منهارة، قلبي منكسر، دائم الحزن والغم، أبكي كثيرا مرات على حالي ومرات على خوفي من الفشل في هذا الامتحان والخسران -العياذ بالله- حسبي الله ونعم الوكيل.

ما زلت أعاني من ذلك رغم أني أحاول المحافظة على الصلوات وقراءة القرآن والصوم، وأكثر الذكر والدعاء، السؤال: هل عدم كشف الله ما بي هو علامة على وجود خطب ما في توبتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك الثقة في إسلام ويب.
سوف يقوم الشيخ أحمد الفودعي – حفظه الله – بالإجابة على سؤالك الذي ختمت به رسالتك.

من ناحيتي – أيها الفاضل الكريم – أقول لك إنني قد اطلعتُ على رسالتك بكل تفاصيلها وبكل دقة، وأستطيع أن أقول لك إن الاكتئاب النفسي بالفعل قد سبَّب لك أفكارًا واجترارات سلبية جدًّا قادتك إلى تأويلات أوصلتك إلى السؤال الذي تفضلت به، وهو: (هل عدم كشف الله تعالى ما بي علامة على وجود خطبٍ في توبتي)؟

أيها الفاضل الكريم: دائمًا الاكتئاب هكذا، يجعل الإنسان ضعيفًا واهنًا، يلجأ إلى تأويلات خاطئة وسلبية، والذي أقوله لك في هذا السياق أنه مرض، وأنه ابتلاء، ومن الواضح أنه يقظ الضمير، حريص على أمور دينك، لذا تسلط عليك هذا السؤال الذي سيُجيبك عليه الشيخ أحمد.

أخِي الكريم: أنا أبشرك بأن هذه الحالة ستُعالج، وتُعالج بصورة مثالية جدًّا وكاملة ونافعة -إن شاء الله تعالى- .

الاكتئاب النفسي قد يكون له أسباب، قد لا يكون له أسباب، قد يكون هنالك تجمُّع لأسباب صغيرة تتفاعل مع بعضها البعض وتؤدي إلى الحالة الاكتئابية، والاكتئاب قد انتشر في زماننا هذا – أيهَا الفاضل الكريم – وأنت أراد الله بك خيرًا، لأنك بالفعل اكتشفت أنك مكتئب، ولذا قمت بطرح رسالتك هذه، وإن شاء الله تعالى سوف تُعالج كما ذكرت لك.

الوضع الأمثل هو أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي، حيث إن الإجراءات العلاجية تتطلب أن يتم فحصك، أن تُجرى لك بعض الفحوصات الطبية البسيطة، ثم تُعطى الأدوية المضادة للاكتئاب، وهي كثيرة جدًّا وممتازة جدًّا.

أيها الفاضل الكريم: أنت لم تذكر عمرك، وهذا قطعًا يجعلني في وضعٍ يصعب عليَّ أن أصف لك دواءً، لكن سوف أفترض أن عمرك أكثر من عشرين عامًا، وفي هذه الحالة أقول لك إن الأدوية المضادة للاكتئاب بالفعل سوف تفيدك، وأؤكد لك ذلك تأكيدًا مطلقًا، والدواء الذي يمكن أن أقترحه هو عقار (ريمارون REMERON) والذي يعرف علميًا باسم (ميرتازبين Mirtazapine) تتناوله بجرعة 15 مليجراما ليلاً – أي نصف حبة – والدواء الآخر يعرف تجاريًا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram) هذا تتناوله بجرعة 10 مليجرام صباحًا.

مهمة السبرالكس بالفعل هي تحسين المزاج، والريمارون أيضًا مُحسِّنٌ رائعٌ للمزاج، وفي ذات الوقت يُحسِّنُ النوم لدرجة ممتازة جدًّا.

أنت تحتاج أن تستمر على الريمارون لمدة ثلاثة أشهر وذلك بجرعة نصف حبة (15 مليجرام) ثم بعد ذلك اجعله ربع حبة - أي 7.5 مليجرام - يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم توقف عن تناوله.

أما بالنسبة للسبرالكس فقطعًا تحتاج أن تتناوله لفترة أطول، وهو بالفعل سيكون دواءً رائعًا جدًّا بالنسبة لحالتك هذه، ومدة العلاج دعها تكون ستة أشهر على جرعة 10 مليجرام، ثم بعد ذلك اجعل الجرعة 5 مليجرام يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم 5 مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة 10 أيامٍ أخرى، ثم توقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك على الصلة والثقة بإسلام ويب.

=========
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
=========

مرحبًا بك – أيهَا الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء.

مما يُسلِّيك – أيهَا الحبيبُ – ويُذهب عنك الضيق والكرب أن تستحضر دائمًا أن ما يُقدِّره الله تعالى على المؤمن في هذه الدنيا من مكاره إنما يُقدِّره لما فيه من الخير له، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له) رواه مسلم، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

ما يُقدِّره الله تعالى عليك من المكاره – أيهَا الحبيبُ – فيه خير كثير لك، فهو رِفعة لدرجاتك، وتكفير لذنوبك وسيئاتك، ويُورثك عبودية الذل والافتقار إلى الله والحاجة إليه، فإن الله تعالى يُحب القلوب المنكسرة المتذللة له سبحانه، فالمصائب تصنع بالإنسان ذلك فتُشعره بحاجته لله تعالى، وتجعله متذللاً منكسرًا له، فكم في المحن من ألطاف خفية يسوقها الله تعالى إلينا من حيث نشعر أو لا نشعر، وقد قال لنا ربنا سبحانه وتعالى: {الله لطيفٌ بعباده}.

ينبغي أن تستحضر هذا المعنى الجميل – أيهَا الحبيبُ – فإنه يطرد عنك كثيرًا من الغم والهم، وينبغي كذلك أن تُحسن ظنَّك بالله، فإن الله سبحانه وتعالى أهلٌ للظن الجميل، فهو البر الرحيم، غني عن العالمين، ليس بحاجة إلى عبادتك، ولا تضره معصيتك، يقدر على أن يغفر لك ولا يُبالي، فلو بلغتْ ذنوبك عنان السماء ثم استغفرته لغفر لك ولا يُبالي، كما أخبر الله في الحديث القدسي.

حسِّن ظنك بالله، واعلم أنه سبحانه وتعالى رؤوف رحيم، وأنه يُحبُّ من عباده أن يُحسنوا به الظن ويعلقوا به الآمال، فقد قال جل شأنه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي ما شاء) وفي رواية: (فمن ظنَّ خيرًا فله، ومن ظنَّ شرًّا فله) فالله تعالى عند ظنك، فأحسن به الظن، واعلم أنه لا يفعل شيئًا سُدىً، ولا يُقدِّر شيئًا عبثًا، إنما كل ذلك يجري وُفق الحكمة الإلهية واللطف الإلهي، فإنه أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من أمك وأبيك، فارجع إليه، وأكثر من ذكره واستغفاره، والْهجَ بالدعاء والطلب منه سبحانه وتعالى أن يعافيك في الدارين، وستجد أن أمورك كل يومٍ -بإذن الله تعالى- إلى تحسِّنٍ.

لا تظن أن عدم كشف الله تعالى ما بك من الضُّر دليلٌ على أنه سبحانه وتعالى لم يتقبل توبتك، فإن هذا من تلبيس الشيطان، يحاول أن يوقعك في الضيق والكرب، ويصدك عن التوبة، ويغرس في نفسك سوء الظن بالله تعالى، وهذا كله على خلاف ما يُريده الله. الاتهام للنفس أمرٌ مطلوب، لكن في حدود نافعة، بحيث يبعث على الزيادة من العمل وإتقان هذا العمل وإحسانه، لا على القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من فضله وكرمه، فإن ذلك من مزالق الشيطان الخطيرة التي يُحاول أن يجرَّ الناس إليها.

تُب إلى الله تعالى، وأحسن ظنك بالله بأنه سيتقبل منك هذه التوبة، فهو الذي وعد بذلك، والتوبة – أيهَا الحبيبُ – أمرها هيِّنٌ سهل: أن تندم على فعلك الماضي، وأن تعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع تركك للذنب في الحال، فإذا فعلت ذلك فقد تُبتَ، والله تعالى لن يردَّك خائبًا، ولو قُدِّر أنك وقعت في الذنب بعد هذه التوبة فالعلاج هو التوبة أيضًا، وليس له علاجا آخر، فاثبت على هذا الطريق واستمر عليه حتى يتوفاك الله تعالى وأنت على هذا الطريق، وستنتقل إلى ما هو خيرٌ من هذه الدنيا.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يثبتنا وإياك على الحق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب Ahmed

    اشكركم على مجهوداتكم و جعلها الله في ميزان حسنانكم. امين.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً