الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابنتي تسأل عن الحب، فكيف أتصرف معها؟

السؤال

السلام عليكم..

ابنتي في سن 13، تسأل ماذا إذا أحببت ولداً مثل زميلاتي في المدرسة؟ فبماذا أجيب؛ حتى تحكي لي مشاكلها، وأعرفها حدود ربها؟


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن يحفظ أبناءنا والبنات، وأن يصلح لنا ولكم الأعمال والنيات، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

فلا شك أن الأطفال يتأثرون بمن حولهم، وخاصةً الأصدقاء، فالمدرسة تجمع بين أطفال خرجوا من بيوت لا تُراعي الآداب والقيم، وبين آخرين يجتهد أهلهم في تربيتهم على الفضائل، ولذلك لابد أن تنتبه المرأة المسلمة لدورها، فتجتهد في محو الآثار الخطيرة للاختلاط في المدارس، وتبديل الكلمات النابية والقبيحة بكلمات طيبة، ومن الضروري أن نُشجع أطفالنا على صحبة الأخيار، بل وعلينا أن نتعرف على أصدقائهم ونشاركهم في اختيارهم.

ومن الأشياء التي تعلم أطفالنا العبارات وسائل الإعلام التي تنشر ثقافة العري والشر، وقد انتبه لتك الآثار العقلاء من غير المسلمين، فقالت إحداهن: (إنني أكاد أُصاب بالذهول عندما أجد طفلي يُحملق في مناظر تخل بالشرف، وأكاد أُحطم جهاز المذياع عندما أسمع أغنية تدعو للمجون تؤديها فتاة داعرة) فلابد من اليقظة والانتباه، وإذا كان أطفالنا يحبون الرسوم المتحركة فإنها بكل أسفٍ تعلم مثل هذه الألفاظ إذا كانت غريبة المنشأة حيث الفحش والشر، وتُفسد تلك البرامج العقائد لأطفالنا إذا كانت شرقية تنشرها دول الإلحاد وعباد الأوثان، فالعظيم عندهم قد يكون هو الشمس أو القمر أو الإله المزعوم، الذي ينقذ من يقع في الكوارث، والعملاق الذي يُحارب الشرير، ودائماً يجعلون العملاق يرمز للإنسان الغربي حتى يتربى أطفالنا على هذه المفاهيم المنكوسة، وعلى العكس من ذلك، فإن الشرير الظالم غالباً ما يكون صاحب لحية، وعليه إشارات تدل على أنه مسلم، فإذا كنت أختي الكريمة ممن يترك لأبنائه الحرية في متابعة مثل هذه البرامج، فلا تستغربي من السؤال عن الحب في زمان مبكر جداً، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، والله المستعان.

وقد يكون السبب في تردد هذه الألفاظ على ألسنة الصغار هو تهاون الآباء والأمهات في إظهار العواطف الزوجية أمام أطفالهم، وهذا خطأٌ كبير، كما أن بعض الأقارب إذا وجدوا طفلاً يقولوا له: أنت تتزوج فلانة... وهكذا، فتعلق هذه العبارات بأذهان هؤلاء الصغار، وعندما يسأل الطفل مثل هذه الأسئلة فلا يجوز الهروب من الإجابة، ولكن لابد من اللباقة وحسن التصرف، واختيار الكلمات والعبارات المناسبة، ولا مانع من الاعتذار للطفل عن بعض التفريعات المحرجة التي سوف يعرفها بإذن الله إذا كبرت سنه.

ويحسن أن تقولي لها: إن الطفلة المسلمة تحب الله ورسوله، وتحب والديها، وتحب الصالحات الصادقات من زميلاتها من البنات، أما الأولاد الذكور فهم يحبون ويصادقون الصالحين من الشباب، بعد حب الله ورسوله ووالديهم، واشكريها على السؤال؛ لأن البنت الناجحة تسأل أمها عن كل أمرٍ يهمها، وتصارحها بمشاعرها، وأرجو أن تجد عندك جرعات من العواطف والحنان، فإن الأطفال لا يبحثون عمن يسمعهم مثل هذه الكلمات إلا إذا فقدوا العطف والحنان في البيوت، وانشغل عنهم الآباء والأمهات.

ولا شك أن هذا الفتاة -حفظها الله- تمر بمرحلة مهمةٍ جداً من عمرها، فلابد من ترسيخ قيم الإسلام وآدابه، ومن الضروري أن تعرف أن الإسلام دينٌ يباعد بين أنفاس الرجال والنساء، ويريد للفتاة أن تتميز بسترها وحجابها، وتحرص على تعلم أحكام وآداب هذا الدين العظيم، والتي من أهمها البعد عن التعامل مع الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، واعلمي -أختي الفاضلة- أن المربية الناجحة هي التي تُحسن الاستماع مهما كان السؤال، ثم تجعل إجابتها نابعة من روح هذا الدين الذي رفع من شأن الفضيلة، وليس الحل في زجر الفتاة وإرغامها على السكوت، وتهديدها بالعقوبة كما يفعل بعض الأمهات، ولكننا نتعلم من هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما جاءه شاب فقال له: (يا رسول الله ائذن لي في الزنا؟! فزجره الصحابة وقالوا: مه مه)، أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال للفتى: (ادنه)، ثم جعل هذا السؤال المحرج فرصة للتربية على الغيرة والعفة، وذلك عندما قال للفتى: ( أترضاه لأمك؟ فقال الفتى: لا يا رسول الله جعلني الله فداك، فكان رد النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم)، ومضى مع الفتى بغرس شجرة الغيرة: (أترضاه لابنتك؟ لأختك؟ لعمتك؟) والغيرة تحمل صاحبها على العفة والطهر، فإنه ما زنا غيورٌ قط، والصواب أن نعلم أن صيانة أعراضنا تتحقق بعد توفيق الله بصيانتنا لأعراض الآخرين.

واجتهدي في الدعاء لأبنائك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الفتى، ووضع يده على صدره وقال: (اللهم طهر قلبه وحصن فرجه) فما فكر في مثلها أبداً.

والأم الناجحة تكون صديقة لبناتها إذا وصلن إلى هذه السن، وتهتم بمشاعرهن ومشاكلهن، وتعودهن على مصارحتها في كل الأحوال، فأقرب الناس إلى الفتاة أمها.

واعلمي -أختي الكريمة- أن مشاعر الحب بين الجنسين تبدأ بالرباط الشرعي، أما التوسع في العلاقات العاطفية -كما يفعل كثير من الشباب اليوم بكل أسف- فيه مخاطر عظيمة، وهو قبل ذلك مخالفة لأحكام هذا الدين، (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[النور:63].

نسأل الله أن يصلح لنا ولكم الذرية، وأن يجعل الصلاح ميراثاً في ذرياتنا إلى يوم الدين.

والله ولي الهداية والتوفيق.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً