الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ينتابني القلق الدائم والتوتر والخوف من أتفه الأمور.. أرجو النصح

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من القلق الدائم والتوتر والخوف من أتفه الأمور، ولا أعلم السبب! ومشكلتي الأكبر هي المشاكل التي تأتيني دائمًا من أبسط الأمور.

سؤالي هو: هل يمكن لشخص ما معرفة أسرار شخص لا يعلمها سواه؟ يعني بينه وبين نفسه، والله وحده يعلمها، هل يمكن معرفة أسرار محددة بالجن أو بالسحر، أو ما شابه؟

أرجو الرد على هذا السؤال، وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخِي الكريم: القلق طاقة إنسانية نفسية سلوكية مطلوبة، فالذي لا يقلق لا ينجح، والذي لا يقلق لا يُحفِّز نفسه، لكن قطعًا القلق إذا كان فوق المعدَّل وفوق المطلوب يتحول إلى قلق سلبي، وهذا ذاته يمكن أن نحوِّله إلى قلق إيجابي، وذلك من خلال: حُسْنِ إدارة وقتنا، وأن تكون لنا أفعال إيجابية، يعني لا ننقاد بأفكارنا، ولا ننقاد بمشاعرنا، لكن ننقاد بأفعالنا، وهذا يعني أن يكون للإنسان خارطة يومية يُدير من خلالها وقته: أنام مبكرًا، أستيقظ مبكرًا، أُصلي الفجر، أبدأ عملي أو دراستي، وأقوم بكذا وكذا وكذا...

لا بد أن تكون هذه الخارطة لتوزيع الوقت معروفة وعملية ويلتزم بها الإنسان، هذه طريقة من طُرق تقليل القلق أو تحويله إلى قلق إيجابي.

ممارسة الرياضة وُجد أنها من أجمل ومن أحسن ومن أنفع ما يُقدِّمه الإنسان لنفسه حتى يُحوِّل قلقه السلبي إلى قلق إيجابي.

تمارين الاسترخاء، قراءة القرآن بتدبُّرٍ وتمعُّنٍ تجعل للنفس كوابح وتُوقفها عند حدِّها عندما تفور النفس أو تخرج عن النطاق الوجداني الطبيعي، وذلك من خلال فورة القلق، هذا أمر معروف وأمر مُجرَّب - أيها الفاضل الكريم -.

بقي بعد ذلك أنه لا مانع من أن يتناول الإنسان أحد أدوية القلق التي لا تُسبب التعوّد أو الإدمان، ونحن نرى أن أدوية علاج الاكتئاب بجرعات صغيرة هي الأفضل؛ لأنها غير تعوِّدية، وغير إدمانية، وهنالك أدوية أخرى بسيطة أصلاً أتتْ لعلاج القلق مثل عقار يعرف باسم (ديناكسيت Denaxit)، أو عقار يعرف تجاريًا باسم (بسبار Buspar)، ويعرف علميًا باسم (بسبرون Busiprone)، أو عقار يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل Dogmatil)، ويسمى علميًا باسم (سلبرايد Sulipride) بجرعات صغيرة، هذه الأدوية مفيدة جدًّا.

فإذًا اختر أحد هذه الأدوية، ويمكن أن تذهب إلى طبيب الأسرة بما أنك تعيش في بريطانيا -والحمد لله تعالى أطباء الأسرة في بريطانيا على قدر عالٍ جدًّا من التدريب فيما يخص الصحة النفسية-، وتناول أحد هذه الأدوية مع تطبيق ما ذكرناه من تغيير فكري ومعرفي، هذا يجعل قلقك يتحول إلى قلق إيجابي.

فأرجو أن تتبع هذا - أيها الفاضل الكريم - وأسأل الله لك الشفاء.

بالنسبة لسؤالك الآخر: هل يمكن لشخصٍ ما معرفة أسرار شخص لا يعلمها سِواه؟ يعني يعلم بها بين نفسه وبين الله؟
فإن المستشار الشرعي سوف يجيبك على هذه النقطة، وهنالك بعض الحالات النفسية، مثلاً في مرض الفصام: البعض قد يعتقد أن شخصًا ما يقرأ أفكاره، أو يمكنه أن يأخذ أفكار شخص آخر، هذه حالة عقلية وهذه تُسمى (معايير اشنايدر لتشخيص الفصام) وهي قطعًا حالة مرضية وليس أكثر من ذلك.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ عماد البكش المستشار الشرعي.
++++++++++++++++++
فرج الله همك، ورزقك حسن التوكل عليه فبالتوكل على الله تزول كل الهموم، وتندفع المخاوف والأحزان، قال تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }، فأيقن بأن الله حسبك ووكيلك، وأن التخويف والقلق من الشيطان، وأنه لا يخيف إلا من كان من حزبه، وكلما أحسست بشيء من ذلك فعليك بقول: "حسبي الله ونعم الوكيل".

واعلم أن الضر والنفع لا يملكه إلا الله وأن الله قدر لك المقادير، فلن يصيبك إلا ما كتب الله لك فقد رفعت الأقلام فلا زيادة في قدرك، وجفت الصحف فلا محو فيها فعليك بزيادة الإيمان بالقضاء والقدر.

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم العلاج لهذه الأمراض، ففي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ما أصاب عبدا هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحا )، فعليك بهذا الدعاء والإكثار منه، وكذا دعوات إذهاب الكرب ومنها:
( لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع، ورب الأرض رب العرش الكريم )، ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )، ( دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت ).

وأكثر من الصلاة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفزع إليها عند الكرب، وتبرأ من الحول والقوة وأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، وكذا أكثر من الاستغفار فبه تستجلب النعم وتستدفع النقم.

وأما قولك -أخي-: "هل يمكن لشخص ما معرفة أسرار شخص لا يعلمها سواه؟ يعني بينه وبين نفسه"؛ نعم يمكن لمن يستعين بالجن أن يخبر ببعض الأمور الغيبية، ولكن بذكر الله يندفع عنك ولا يصل معك إلى شيء.

قال ابن تيمية رحمه الله: " والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه".

وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات، ويعينه على بعض الأمور.

وأمثال هؤلاء كثيرون، مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة، وكانت الشياطين تخرج رجليه من القيد، وتمنع السلاح أن ينفذ فيه، وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده، وكان يرى الناس رجالاً وركبانًا على خيل في الهواء، ويقول: "هي الملائكة، وإنما كانوا جنًا، ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه، فقال له عبد الملك: إنك لم تسم الله فسمى الله فطعنه فقتله".

وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم إذا ذكر عندهم ما يطردها، مثل آية الكرسي، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم:( ما فعل أسيرك البارحة؟ فيقول: زعم أنه لا يعود، فيقول: كذبك وأنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة، قال: دعني حتى أعلمك ما ينفعك: إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} إلى آخرها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدقك وهو كذوب وأخبره أنه شيطان ).

ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها، مثل من يدخل النار بحال شيطاني، أو يحضر سماع المكاء والتصدية فتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلاما لا يعلم، وربما لا يفقه، وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه، انظر: "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص: 168- 170)

فتحصن -أخي- بذكر الله وخاصة التهليل مائة مرة فإنه لن يطلع من أمرك على شيء، لكن ربما تكهن عليك وادعى بعض الأشياء فلا تصدقه، فقد حدث ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية، مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، لكنه كان من جنس الكهان، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:( قد خبأت لك خبأ، قال: الدخ الدخ، وقد كان خبأ له سورة الدخان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك) يعني إنما أنت من إخوان الكهان، والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع، وكانوا يخلطون الصدق بالكذب كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص: 167).

صرف الله عنك كل سوء، وكفاك الله شر كل ذي شر.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً