الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي تغار من ابنتها وتعاملها بقسوة وعناد!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الإخوة الأفاضل:
الأسرة لدي مكونة من أب وأم، وولد وهو البكر و5 بنات، لدي مشكلة عجزت عن حلها، وهي علاقة العناد بين زوجتي وابنتي الكبيرة، دعوني أعطيكم نبذة عن شخصية الاثنتين:

الزوجة طيبة وحنونة وشديدة الغيرة وهنا أضع ألف خط تحت كلمة الغيرة, وتهتم كثيرًا بالأولاد وأدائهم الدراسي، ومستقبلهم، وشديدة اللوم على أقل تقصير, تبحث دائمًا عن الكمال والمثالية في كل شيء, كثيرة الملاحظات, تقدم جانب العقاب على الثواب دائمًا، تقارنها بأخيها الكبير بأنه مطيع ومتفوق عليها في الجانب الدراسي.

الابنة مراهقة, متفوقة دراسيًا, طيبة, ولكن عنيدة جدًا في معاملة أمها لها، وتظهر عنادها دائمًا بطريقة غير مباشرة بعدم الطاعة والاستجابة لأمها, يعني لا يوجد هناك مواجهات مباشرة بين الطرفين -ولله الحمد- إلى الآن، وأسأل الله أن لا يكون ذلك، تشتكي دائمًا من التفريق في المعاملة بينها وبين أخيها في كل شيء.

الشيء الطيب أن علاقتها بأخيها جيدة رغم كل هذه المشاكل، ابنتي للأسف شديدة الشبه بإحدى أخواتي لدرجة أنها تشبهها في الشكل وطريقة الكلام, وزوجتي تغار من أختي هذه غيرة شديدة.

أنا أحاول أن أمسك العصا من المنتصف بين زوجتي وابنتي قدر الإمكان؛ لأن زوجتي تنشد المثالية، وهذا مستحيل، وابنتي مراهقة وللمراهقة مشاكلها كما تعلمون, وأنا هنا بين المطرقة والسندان.

زوجتي ترى أن المراهقة كلام فاض, لأنها مرت بهذه السن ولم تتمرد على أمها وكانت وكانت ...إلى آخر هذه الأسطوانة.

أطالب زوجتي دائمًا بالحنان تجاهها وتقبيلها وحضنها، وهي ترفض ذلك وبشدة وتراه من الدلال الزائد, زوجتي رافضة فكرة التقبيل والحضن تمامًا لابنتي الكبيرة رغم تذكيري لها بحديث الأعرابي الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟)، رغم إنها تقبل أخواتها الصغيرات في السن، وتدللهم دلالاً شديدًا.

أنا أحاول أن أعوضها عن حنان أمها المفقود والميؤوس منه, فأقبلها وأحضنها وأقبل جميع إخوتها، حتى أني أجبر الأولاد جميعًا على تقبيل رأس أمهم كل صباح عند الذهاب للمدرسة, حتى عندما يقبلونها على رأسها لا تبدي أي تفاعل معهم، فهي جامدة لا تتحرك، ولا ترد سوى بالنصائح والتهديد والوعيد.

كما أطالب ابنتي بطاعة أمها والخضوع لها، وهي ترد بأن أمي رضاها مستحيل، وبالتالي لا فائدة من طاعتها, فبالتالي لا فائدة من إرضائها، حتى إنه في مرة من المرات حدثت مشكلة وأجبرتها على الاعتذار من أمها وتقبيل قدمها، وفعلت ذلك على مضض.

العلاقة بين الاثنتين أشبه بالعلاقة بين الابنة وزوجة الأب وليست الأم، وهذا يجعلني أكره الاثنتين أحيانًا.

بالمختصر زوجتي تكره ابنتي التي هي ابنتها أيضًا، وعندما أواجهها بهذا الكلام تقول لي إنها لا تكرهها وإنما تكره تصرفاتها فقط, فأقول لها: لماذا لا تثني على أفعالها الإيجابية؟ فترد بأن هذا قد يجعلها تتمرد أكثر فأكثر، وأن ابنتك تضحك عليك، وتستغفلك بشكواها الدائم مني، وتظهر لك أنها دائمًا هي المظلومة.

وابنتي لم تعد تحب أمها؛ لأنها قاسية وشديدة عليها, بل إنها عرضت عليّ في إحدى المرات أن أتزوج على أمها نكالاً بها، وهنا حزنت حزنًا شديدًا؛ لأني لم أكن أتوقع أن ابنتي تكره أمها لهذه الدرجة.

الموضوع في العناد يصل إلى أن كل طرف يريد كسر عظم الآخر.

أحب زوجتي، ولكني أيضًا أحب ابنتي وأشفق عليها من نفسها ومن قسوة أمها، زوجتي تغار من ابنتي, ولكن الغيرة هذه غير مقبولة عندي تمامًا؛ لأنها في غير محلها، فكيف تغار من ابنتها التي حملتها وتعبت عليها؟!

دلوني بارك الله فيكم، فقد أرهقني هذا الموضوع, حتى بدأت أفكر جديًا في التفريق بينهم في أقرب وقت حتى أستريح, فكرت في تزويج البنت إذا جاءها نصيب في أسرع وقت.

بقيت نقطة: علاقتي بزوجتي ممتازة -ولله الحمد- على كل الأصعدة إلا عند الأولاد فنختلف حتى نهجر بعضنا، أحيانًا لهذا السبب، اتفاقنا قليل مقابل اختلافنا في هذه النقطة بالذات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ essa حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك في موقعك، ونشكر لك الاهتمام، وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يؤلف القلوب ويصلح الأحوال وأن يحقق في طاعته الآمال.

أرجو أن يعلم الجميع أن من خصائص مرحلة المراهقة أن يميل الولد الذكر إلى أمه ليأخذ صفات تقريبية للكائن اللطيف الذي سوف يكمل معه مشوار الحياة، وتميل الأنثى إلى والدها لتتعرف على صورة تقريبية للشخص الذي ستكمل معه مشوار الحياة، وشكاوى المراهقات كثيرة، كما أن شكاوى المراهقين من قسوة الآباء كثير، ويتطور الأمر إلى إشكال بين الزوجين، حيث يخيل للزوجة أن الأب يدلل البنت ويخربها، وهذا مما يزيد من غيرة الأم، بالإضافة للسبب الخاص، وهو شبه بنتك الشديد من عمتها التي تغار منها.

ويبدو أنك تحب أختك، أو تكثر الحديث عنها، أو تقارنها بزوجتك فانتبه، واجعل حبك لأختك مكتومًا، ودلالك لابنتك بعيدًا عنها، وشجع بنتك على بر والدتها وطاعتها والإحسان إليها؛ لأنها تظل أماً وبرها واجب، بل أشعر ابنتك أن حبها يزداد في قلبك كلما صبرت على أمها وأحسنت إليها.

وفي المقابل قد يرى الرجل أن ابنه المراهق ناقص الرجولة، وأنه ابن امرأة، وأنه لن يكون ولن يكون، وإذا علمنا أن بعض الذي يحصل أمر طبيعي تعاملنا مع الأوضاع بمنتهى الهدوء والفهم والتفهم لما يحصل.

أرجو أن تعلم أن دفاعك المباشر عن بنتك مما يزيد النار اشتعالا، ولا يخفى على أمثالك أن مرحلة المراهقة لها خصائص، وإذا كانت زوجتك ممن يهتم بالقراءة فعليكم بشراء كتاب: "أنت وبناتك المراهقات" ففيه أشياء مفيدة، وعندها ستدرك زوجتك أنها ليست الوحيدة، وسوف تظهر لها أسباب ما يحصل، بل إنها سوف تكتشف أخطاءها التي أوصلت فتاتها إلى تلك الدرجة من العناد.

وينبغي أن يُدرك أن فترة المراهقة فيها تمرد على السلطة، ورفض للأوامر المباشرة، وهي فترة ينفع فيها الحوار والاقناع، وتحميل المراهق نتائج أخطائه وتعويده على تحمل المسؤولية.

ونتمنى أن تصادق بنتها وتتجنب توجيه الانتقاد لها أو لصديقاتها، بالإضافة إلى الثناء على الإيجابيات، وعليك أن تدعم زوجتك معنويًا وتقدر أتعابها، وتظهر الفرح بها وبما تقوم به من خدمات للأسرة، وتذكر أن حرصها الزائد على أن تكون بنتها مثالية مما يجعلها تشتد على البنت أحيانًا، وزوجتك صادقة؛ لأن المراهقة لم تكن مشكلة كما هي الآن؛ لأننا اليوم في عالم مفتوح، ولسنا وحدنا من نربي أو نؤثر، ولوسائل التواصل أضرارها الكبيرة، والعالم أصبح شاشة، والشاشة محمولة في يد الكبير والصغير، فعليها أن تقدر ذلك.

ونتمنى أن لا تجعل المراهقة سبباً لتقصير البنت في حق أمها، وحاول أن تحسن صورة الأم في عين بنتها، وذكرها بأنها حملتها وسهرت وتعبت، ولا تزال، واحرص كذلك على نقل كلمات البنت الطيبة ومشاعرها تجاه والدتها إلى الأم، ومن يسعى في الإصلاح يقول خيرًا، وينمي خيرًا.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، واعلم بأن قلب الزوجة والبنت وقلوب الناس بين أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها، وعليك بالصبر ثم الصبر، ولا تظهر التضجر ولا تعلن العجز، واجتهد في تقليل فرص الاحتكاك، وذكر ابنتك بواجبها الشرعي مهما حصل من الأم؛ فهي مأجورة على صبرها، وإذا لم نصبر على آبائنا وأمهاتنا، فعلى من، ومع من يكون الصبر؟!

نسعد بتواصلك، ونؤكد أن الحل بيدك بعد الاستعانة بالله، فغير طريقتك واعرف قدر زوجتك، وأكرم ابنتك بعيدًا عن أمها، وشجع ابنتك على البر، وابتعد عن للمقارنات.

نسأل الله أن يرفعكم عنده درجات، ونتشرف بمتابعة الوضع، ونتمنى أن تشجع بنتك على إرسال معاناتها لتجد التوجيهات المباشرة المحايدة من موقعكم، ونسأل الله أن يصلحكم ويوفقكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً