الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتخيل أشياء تسبب لي القلق والتوتر، فهل أعاني من الفصام؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

أنا صاحبة الاستشارة رقم: 2292926، ولدت منذ شهرين، وأشعر باكتئاب ما بعد الولادة، وقد ذكرت لكم سابقاً أنني أعاني من قلق استباقي، ومخاوف وسواسية، وأفكار افتراضية، وأفكر بالأمراض والأفكار التي قرأت عنها.

شعرت بالراحة منذ أسبوع، وعدت لطبيعتي السابقة، لكنني لا أشعر بالراحة إلا عندما أبحث عن سبب الأعراض التي أشعر بها، لكي يخف عني ما أشعر به من قلق وتوتر.

أريد شرح حالتي بشكل أدق: حيث تأتيني الأفكار والأعراض التي قرأت عنها، دون أن أفكر بها، أو أفكر بالمرض، فمثلاً: تأتيني الفكرة فجأة أثناء انشغالي، أو عندما أشاهد التلفاز، فأشعر بالخوف والقلق، وأفكر من أين جاءتني تلك الفكرة؟ ثم أتذكر أنني قرأت عن قصة فتاة في الإنترنت قال لها الطبيب: أنها تعاني من الانفصام، فلماذا تأتيني الأفكار دون التفكير في المرض؟ ولماذا تأتيني أعراض المرض؟ هل لأنني تخطيت مرحلة الخوف من المرض، وبقيت هذه الأفكار في عقلي، فتأتيني فجأة وتسبب لي القلق؟

ثم أقول: من المؤكد أنني أعاني من المرض والقلق، لكنني أشعر بتلك الأعراض قبل الدورة الشهرية، وأتعب كثيراً قبلها، فأشعر بالحزن واليأس، وعدم القدرة على النوم، حيث أنني أنام الفجر، وأستيقظ العصر، وتنتابني أفكار سوداوية سلبية، وأشعر بأنه سيحدث لي شيء معين، لكنني أشعر بالتحسن قليلاً عندما أستخدم التلبينة، فمتى يزول اكتئاب ما بعد الولادة؟ فقد سبق وأن أصاب والدتي اكتئاب ما بعد الولادة، ولكنها ما زالت تعاني من وسواس قهري في الصلاة، فهل يكون الأمر وراثياً؟ ولا أريد أخذ العلاج النفسي، فهل ينفع استخدام حبوب الاكتئاب (قود مود)؟

كذلك تأتيني أفكار غريبة، أخشى أن تكون من أعراض الفصام، فمثلاً: أتخيل أنني لن أذهب إلى الحمام، وسوف أقضي حاجتي خارج الحمام، أو أقضي حاجتي على ملابسي، أو أنني إن أردت الصلاة فلن أصلي، هذه الفكرة قرأت عنها سابقاً، وهي العجز عن الصلاة، أو أنني سوف أخنق نفسي إن أمسكت برقبتي، وأخرج لساني للخارج، وأتأكد من إغلاق الغاز خوف الانفجار، كما أتأكد من إغلاق الأبواب أكثر من أربع أو خمس مرات خوفاً من اللصوص، وغيرها من الأفكار الغريبة التي تنتابني خاصة أثناء الدورة الشهرية.

تطورت معي تلك الأفكار، وأصبحت أراقب تصرفاتي وحركاتي كثيراً، وأتخيل أشياءً كثيرة رغم إرادتي، هل هذه الأفكار تدل على الانفصام الشخصي؟

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم يزيد حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب.

السبب في أن هذه الأعراض التي تأتيك هو: أن بعض الناس أصلاً لديهم القابلية والاستعداد لأعراض القلق والتوترات والاكتئاب، هذا ربما يكون مرتبطًا بالبناء الوراثي أو الجيني للإنسان، أو ربما تكون ظروف التنشئة قد لعبتْ دورًا في ذلك.

فإذًا: الهشاشة النفسية موجودة لدى بعض الناس، ممَّا يجعلهم عُرضة لأعراض نفسية أشد حين يمرون بظروف معينة، وحتى اكتئاب ما بعد الولادة لا يأتي لجميع النساء، يأتي لحوالي سبعة إلى عشرة بالمائة من النساء بعد الولادة، والغالبية العُظمى لا يحدث لهنَّ هذا المرض أبدًا، فإن استعداد الإنسان هو الذي يجعله مؤهلاً لظهور الأعراض، ولا أحد يُعرفُ لماذا بعض الناس لديهم استعداد وآخرون ليس لديهم استعداد! الدراسات تتكلم -كما ذكرتُ لك- عن الجينات والوراثة.

الذي أراه هو: أنه من الأفضل لك أن تذهبي إلى طبيب نفسي، المتابعة مهمة جدًّا في مثل حالتك، هذه الاستشارات الالكترونية -إن شاء الله تعالى- مفيدة وأفادتْ الكثير من الناس، لكن قطعًا لا نقول أنها أمر حاسم في جميع الحالات، وإذا كان الشك والظِّنان والوسواس والاكتئاب مُطبقًا على الإنسان، هذا حقيقة لا يُعالج بصورة فاعلة إلا من خلال التواصل المباشر مع الطبيب، وأنتِ قناعاتك بالعلاج الدوائي ليست قوية، فهذا يُحتِّم أيضًا ذهابك إلى الطبيب، وأن تعتمدي على جلسات معرفية سلوكية متواصلة، وإن اقتنعت بالدواء سوف يصفه لك الطبيب، فأرى أن هذه الحالات مطلوب فيها العلاج الدوائي، والأدوية سليمة وبسيطة جدًّا، فيجب ألا تحرمي نفسك منها أبدًا.

ليس لديك أفكار فصامية، وليس لديك أي شيء من هذا القبيل، حقِّري هذا الفكر، وأنت بالفعل تأتيك فترة من الاطمئنان المؤقت، وهذا معروف لدى الأشخاص الذين لديهم وساوس وقلق استباقي، دائمًا حين يسمعون كلمة أو كلمتين من الكلمات الداعمة، يحدث لديهم ارتياح، وبعد ذلك ترجع الأعراض كما هي، لكن نقول: إن الإنسان بالمثابرة والتجاهل، وأن يكون إيجابيًا في فكره، يستطيع أن يتخطَّى أعراضه تمامًا.

أما بالنسبة لمدة اكتئاب ما بعد النفاس: فلا أحد يستطيع أن يُحدد على وجه الدقة، هنالك تباين كبير جدًّا في مُدته، بعض النساء يظل هذا الاكتئاب معهنَّ لمدة ستة أشهر حتى بعد العلاج، والبعض لمدة أقصر، وأعرفُ مَن أتاهنَّ اكتئاب ما بعد الولادة واستمر لفترات أطول، لكن المهم في الأمر هو العلاج، كما أن التدخل النفسي المبكر، بمعنى أن الواحد إذا ذهب إلى الطبيب النفسي مبكرًا بعد ظهور الأعراض مباشرة قطعًا تكون فرص الشفاء أكبر بشكل ملحوظ.

باركَ الله فيك وجزاك خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً