الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حساسة وأبكي من تصرفات الناس معي، فهل أعاني من الاكتئاب؟

السؤال

السلام عليكم

أبي الفاضل/ د.محمد عبد العليم، أسعد الله أوقاتك بكل خير.
أنا صاحبة الاستشارة رقم 2310774 أشكرك كثيراً أبي الكريم على جوابك الوافي، وسأعمل على تطبيق نصائحكم الثمينة إن شاء الله وأولها: إعادة تفعيل دوري التدريسي في دورات أحكام التلاوة.

لا أريد أن أثقل عليكم برسالة أخرى، لكني وجدت أن رسالتي السابقة ينقصها بعض الأشياء، وقد أجملتها بهذا الرسالة.

لقد وصفت لي -يا دكتوري الفاضل- دواء بروزاك تناولته قبل 5 سنوات ولم أتحمل أعراضه الجانبية، استخدمته لأسبوع ولم أنم وقتها سوى ساعة يوميا، وفقدت شهية للطعام، ونزل وزني أكثر، فلم أعد أفكر باستخدام دواء من مجموعة (SSRIs) فكلها متشابهة تقريبا، استخدمت بعدها (توفرانيل) لمدة 4 أشهر وتركته بسبب أعراضه الجانبية مثل: جفاف الحلق، والتهاب المجاري البولية، وهذا حال كل الأدوية من مجموعة (TCA)، مع أني بدأت بجرعة قليلة والزيادة بالتدريج، لكن جسمي حساس للأدوية، وأردت أن أوضح لك موقفي من الأدوية.

قد راجعت طبيبة نفسية في تلك الفترة حيث كنت أعاني من الاكتئاب بسبب مرض والدتي المفاجئ، إلا أني لم أستفد ولم ألق حواراً نفسياً هادفاً.


عندي إضافة تتعلق بطريقة تفكيري الحساسة، كيف أتعامل مع الفكرة التي تأتيني؟ أنا عادة أخبر أهلي لكنهم ينزعجون ويقولون أن الأمر ليس بهذه الأهمية، وأغلب أفكاري هي نتيجة تحسسي من تصرفات الناس، ولا أستطيع كتمان الأمر بداخلي، هل من الأفضل كتم الموضوع بداخلي؟ فأنا لا أستطيع تبسيط الفكرة إلا بعد مرور ثلاث أو 4 أشهر، ولا أستطيع التنفس جيداً حينها إلا عن طريق التثاؤب، وأشعر باختناق، وبالكاد يدخل الهواء لرئتي، وتتسارع دقات قلبي، ويتهيج قولوني، وأعاني من الإسهال طيلة تلك الأشهر، هل هذا نوع من الوسواس القهري أم مجرد شخصية حساسة قلقة؟

مع أن زملائي يجمعون على أن شخصيتي قوية، لكن إن تحسست من تصرف الناس معي أبكي حتى وإن كان الموقف في مكان عام، ولا أستطيع منع نفسي من البكاء.

فيما يتعلق بالفراغ الداخلي، فإن كنت تقصد -يا أبي الفاضل- أنه يشمل فراغ عاطفي، فلا أعتقد أني أعاني منه، ومقتنعة بأن بقائي بدون زواج أفضل، فمن يتحمل شخصية حساسة مثلي!

هناك مسألة أخرى، أنا دائماً أسعى لأن أكون الأفضل منذ صغري، وحين لا أكون الأفضل في مجال ما فإني أتألم نفسياً، ويزعجني تفوق الناس علي في أي مجال، فهل هذه نزعة للكمال أم تحسسي الزائد؟

أحبكم في الله، ولن أثقل عليكم بمراسلات أخرى -إن شاء الله-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على كلماتك الطيبة، وعلى ثقتك في شخصي الضعيف، رسالتك رسالة حملت الكثير من بشريات السعادة لنا، فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

بالنسبة للعلاج الدوائي – أيتها الفاضلة الكريمة – أنا اتفق معك أن بعض الناس لديهم شيء من عدم القبول للأدوية نسبةً لآثارها الجانبية التي لا يتحمَّلونها، لكن الآن لدينا حصيلة ممتازة من الأدوية، ولا أريدك أن تتخذي قرارًا صارمًا بأن مجموعة الـ (SSRIS) كلها لا تُناسبك، لا، هذا ليس صحيحًا - أيتها الفاضلة الكريمة –.

هذه الأدوية حتى وإن انتمت لنفس السلَّة أو البوتقة لكن هنالك اختلافات بينها، واختلافاتٍ فيها، مثلاً البروزاك نعم قد يؤدي إلى شيء من العصبية الزائدة في بداية العلاج لدى 20% من الذين يتناولونه، لكن هذه الحالة تختفي بعد ذلك.

أمامنا الآن وبين ظهرانينا عقار (إستالوبرام) هو من أنقاها وأرقاها وأفضلها، ولم يمر عليَّ من اشتكى منه، هذه ليست مبالغة – أيتها الفاضلة الكريمة – فلماذا لا تعطي نفسك فرصة لتناوله، تبدئي بجرعة صغيرة جدًّا، خمسة مليجرام – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام – واستمري عليها لمدة شهرٍ، تناوليها نهارًا، هو دواء مُحايد جدًّا، ليس استشعاريًا وليس مثبطًا، يعني لن تكون لديك يقظة زائدة ولا نعاس.

بعد مُضي شهر ارفعي الجرعة إلى عشرة مليجرام، وأراها جرعة علاجية كافية جدًّا بالنسبة لك، لن تحتاجي للجرعات القصوى كعشرين أو ثلاثين مليجرامًا كما يحتاجها بعض الناس، استمري على جرعة العشرة مليجرام لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، بعد ذلك خفضي الجرعة إلى خمسة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم خمسة مليجرام مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

بهذه الكيفية نكون قد تحصَّلنا على نمط علاجي ممتاز فيما يتعلق بالجرعة التمهيدية، والجرعة العلاجية، وجرعة الوقاية والاستمرار وجرعة التوقف التدريجي.

الحمدُ لله تعالى أنتِ صيدلانية وعلمية وحباك الله تعالى بمعرفة كبيرة في عالم الأدوية، هذا يجب أن يُوظَّف لمصلحتك.

فيما يتعلق بحساسية الشخصية: قد يكون لديك شيء من هذا، لكن هذه الطاقات النفسية لا أريدك أبدًا أن تعتبريها سلبية.

تعاملك مع الأفكار وإخطار أهلك بها وما يترتَّب على ذلك من سلبيات: ليس من الضروري أن يكون هنالك إخطار للأهل دائمًا، لكن الإنسان يتخيَّر، ويكون لديك الحصافة، الأشياء التي تتطلب التنفيس أو التنفُّس أو التفريغ النفسي يجب أن تتحدثي عنها، هذا أمرٌ جيد، والإنسان يعتمد في حياته على النسيج الاجتماعي الذي حوله، وفي ذات الوقت يمكنك أن تلجئي لأسلوب وأساليب أخرى كالكتابة مثلاً، الكتابة فيها الكثير من التفريغ النفسي الجميل، اكتبي عن هذه الأفكار، اكتبي قصصا، اكتبي أي شيء ترينه جيدًا، هذا سيكون متنفَّسًا نفسيًا جميلاً بالنسبة لك.

الفراغ الوجداني لا أعني به الزواج أو الحب أو شيء من هذا القبيل، وإن كنتُ أؤمن أن الإنسان يجب أن يُحِبّ وأن يُحَبُّ، والحب – أيتها الفاضلة الكريمة – يمكن أن يكون في أشياء كثيرة، أن يحب الإنسان دينه، وأن يحب والديه، أن يحب حياته، أن يحب أصدقاءه، وقبل ذلك كله أن يحب الله ورسوله، ويحب أنبيائه، ويحب أولياء الله، هذا يزيل تمامًا الفراغ الوجداني الداخلي، والإنسان من خلال أفعاله حين يشعر أنه مُحب من جانب الآخرين هذا يُمثِّل دفعًا نفسيًا إيجابيًا.

أيتها الفاضلة الكريمة: شخصيتك نعم تحمل الجوانب القلقية ذات الطابع الوسواسي، وهذا هو الذي يجعل سقف متطلباتك عاليًا فيما يتعلق بالإجادة، هي ليست نزعة للكمال، هي ظاهرة إيجابية وإيجابية جدًّا، وهذه الطاقات النفسية العظيمة، أي طاقات القلق الإيجابي يمكن أن تُوجَّه لتجعل الحياة يعيش حياةً مليئة بالإنتاج ومليئة بكل ما هو مفيد لنفسه ولغيره، وأودُّ أن أضيف أن علم الصحة النفسية الحديثة يتحدث الآن عمَّا يُعرف بالصحة النفسية الإيجابية، عودم وجود الأعراض النفسية السلبية لا يعني كمال الصحة النفسية أبدًا، إنما كمال الصحة - خاصة الصحة النفسية الإيجابية - هي أن يحسَّ الإنسان أنه سعيد، وأنه فعّال، وأنه مفيد لنفسه ولغيره، وإن شاء الله تعالى أنتِ على هذا النسق.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ووفقك الله لما يُحب ويرضى، وأشكرك مرة أخرى وأقول لك: جُزيت خيرًا على كلماتك ومشاعرك الرائعة حيالنا في الشبكة الإسلامية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً