الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ما أعانيه مرض نفسي أم جسدي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكر خاص لأعضاء الموقع الكرام الذين يبذلون قصار جهدهم من أجل إجابة على استشاراتنا.

أنا شاب عمري 20 سنة، أعزب، مشكلتي بدأت منذ حوالي شهر، عندما كنت أحس بألم في جنبي الأيمن، كنت أظن أنني مصاب بمرض في الكبد، خفت ولم أستطع النوم لثلاتة أيام، الجمعة والسبت والأحد، في يوم الاثنين ذهبت إلى طبيب عام، وقام بفحصي السريري، وعمل فحص بالتلفاز (échographie)، فكانت الصورة جيدة، فأعطاني تحاليل من أجل قطع الشك ASLT ALAT، فكانت التحاليل أيضا جيدة -الحمد لله، فارتحت قليلا، لكن بعد مرور يومين بدأت أحس بألم في العظام، وسهولة التعرض للكدمات، عندما ضربت يدي مع باب المنزل أحسست بانتفاخ في عضلة اليد، فخفت كثيرا، وذهبت إلى طبيب العظام وعملت صورة Xray، فكانت النتيجة جيدة والحمد لله.

بعد يوم أحسست بحموضة في فمي وابيضاض لساني، خفت كثيرا، فدهبت إلى طبيب أنف وحنجرة، فقام بفحصي بالكاميرا أدخلها فمي وأنفي وأدني، فاكتشف أن عندي فطريات في الفم، والتهابا في الحلق، فصرف لي بعض الأدوية ومضاضات حيوية وهي: زينات مضاد حيوي، وغسول للفم، وفيتامين، فبدأت باستعمالها، وبعد مرور يومين أصبت برعاف طفيف في فتحة واحدة، فخفت كثيرا وكاد أن يغمى علي، وجزمت بأني مريض بسرطان الدم عند جمعي لجميع الأعراض والتي هي:

- ألم في العضلات.
- نبض في العضلات.
- رعاف.
- التهاب الحلق.
- فطريات الفم.
- سهولة الإصابة بالكدمات.
- وأعياء في الجسد.
- الأرق، يمكن أن أجلس حتى ثلاثة أيام بدون نوم أو أنام أقل من أربع ساعات في اليوم؛ بسبب القلق والخوف من المرض.
- حرارة في الجسم، وعند قياسها بمجس الحرارة تحت الإبط أجدها ما بين 35,7-36,3.

خفت كثيرا تلك الليلة، وأصابتني حكة مثل النار في جسدي بدون طفح جلدي، فاتصلت بالطبيب فقام بإيقاف الدواء على الفور، وصرف لي ستيمول، ودواء للحساسية، رغم ذلك لم يرتح لي بال، فغيرت الطبيب مجددا، وذهبت إلى بروفيسور باطني فقلت له تاريخي المرضي وجميع الأدوية التي شربتها في هذه الفترة، والتي كانت تزيد عن 12 نوعا من الأدوية، فقام بفحصي السريري، وعمل فحصا بالتلفاز، وقياس الضغط، والحرارة، وعمل تحليل دم شامل، أكثر من 25 تحليل للكبد، وكلى، وقلب، وفحص الدم، وتحاليل الحساسية، والسكر -والحمد لله- كلها سليمة مع ارتفاع في aslt alat عن المرة السابقة، لكن مع بقائهما في الحدود الطبيعية، فشخص مرضي بالوسواس المرضي hypocondriaque، وبداية الاكتئاب، فصرف لي أدوية ضد الاكتئاب، وأدوية للنوم، فتحسنت حالتي ليومين.

الآن أنا لا أستطيع النوم، ولدي ألم في الوركين والركبتين، ومغص في المعدة، مع عدم القدرة على النوم، أو عندما أنام أنام أقل من ساعة وأستيقظ فزعا، وقلبي يكاد أن يتوقف عن النبض لسرعته!

أريد حلا لمشكلتي، هل ما أعاني منه نفسي أم جسدي؟ ولم يستطع الأطباء تشخيص مرضي، مع العلم أني زرت 8 أطباء خلال هذه الفترة، بعض الأطباء لم أذكرهم في الوصف، تخصصهم طب عام، وقالو أيضا إني مصاب بالوسواس المرضي، مع العلم أني خلال هذه الفترة (شهر) فقدت أكثر من 8 كيلو غرام، حيث أصبح وزني 92kg، مع عدم القدرة على الأكل، وإحساس أحيانا بصداع في الرأس، وألم في الوركين والركبتين، وارتجاف لاإرادي للعضلات، ومؤخرا أصبحت أتعرق كثيرا في الليل، فهل للتعرق علاقة بالدواء الذي أشربه حاليا وهو fluoxet وstresam.

أتمنى من كل قلبي أن يتم إجابتي على هذه الاستشارة، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على ثقتك في بإسلام ويب، وعلى مشاعرك الطيبة حول هذا الموقع.

اطلعتُ على رسالتك وتفحصتها بكل دقة. أنت تُصاب بعللٍ جسدية عضوية بسيطة، لكن يحدث ما نسميه بالتضخم النفسي للأعراض، فمثلاً وجود الفطريات البسيطة في فمك أمر طبيعي جدًّا، لكن الأمر عندك أخذ منحىً كبيرًا جدًّا وتضخم بصورة نفسية، وأيضًا عندما ضربت يدك مع باب المنزل وأحسست في انتفاخ في عضلة اليد، هذا أمر طبيعي يحدث لكثير من الناس، ولكن في حالتك تشعّب الموضوع وذهبت إلى طبيب العظام وقمت بصورة أشعة، وكانت في نهاية الأمور سليمة... وهكذا، كل أعراضك التي ذكرتها حتى وإن كان منشأها عضويًا - أي منشأ بسيطًا - لكن حدث لك تضخم نفسي، وأدى إلى ما نسميه بالحالة النفسوجسدية، وهذه الحالات منتشرة، نجدها دائمًا عند الأشخاص القلقين أو الحسَّاسين أو الذين يُكثرون من الاطلاع على الأمراض الطبية ويقرؤون هنا وهناك، ويسمعون شيئًا من الحقائق هنا وهناك، وقد تكون هنالك مبالغات أو عدم دقة فيما يقرؤونه عن الأمراض.

أتفق تمامًا مع الطبيب الذي قال لك أنه لديك شيء مما يُعرف بالوسوسة المرضية، أو المراء المرضي، والمخاوف المرضية، فهذا النوع منتشر جدًّا.

أول ما تقوم به: يجب ألا تتردد على الأطباء، وهذا يحتاج منك لجهدٍ وإصرارٍ، ليس أمرًا سهلاً، الذي لديه مخاوف مرضية ويوسوس حول الأمراض تجده لأقل الأمور يذهب للأطباء ويسيء التأويل لأعراضه، وهذه إشكالية، لكن إذا كنت حازمًا مع نفسك، وأخذت بما ذكرناه لك الآن، أعتقد أنك تستطيع أن تتخلص من هذا المراء المرضي.

إذًا لا تردد على الأطباء، والبديل الجيد لذلك هو أن تذهب إلى طبيب تثق فيه - طبيب الباطنية مثلاً - مرة واحدة كل أربعة أشهر، يعني ثلاث مرات في السنة، وذلك لإجراء فحوصات عامَّة، فحوصات مختبرية والفحص الجسدي المعروف. وفي ذات الوقت تعيش الحياة الصحية، والحياة الصحية تتطلب:

أن تنام نومًا مبكرًا، نعم أنت ذكرت أن لديك صعوبات في النوم، لكن سوف أتحدث وأرشدك حول هذا الموضوع:

- تجنب النوم النهاري بصورة كاملة.
- مارس الرياضة.
- اجعل غذاءك متوازنًا.
- اجعل لنفسك أهدافًا في حياتك، واسع في تحقيق هذه الأهداف.
- احرص على صلاتك في وقتها.
- كن بارًا بوالديك، وشخصًا فعّالاً في أسرتك.

هذه هي الشروط العامة للحياة الصحية السليمة، وهذا قطعًا يأتيك منه شعور إيجابي جدًّا بأنك الحمد لله بخير، وكل الذي يحدث لك من مبالغة في تضخيم الأعراض يجب ألا تعيره اهتمامًا.

بقي أن أقول لك: إن التعرّق الذي حدث لك ربما يكون من الفلوكستين، وهو مضاد للاكتئاب جيد، لكنّه قد يُسبب شيئًا من هذا القبيل. أعتقد أنك تحتاج لأدوية، وأفضل دواء سيكون العقار الذي يُعرف علميًا باسم (ميرتازبين)، ويعرف تجاريًا باسم (ريمارون)، تتناوله بجرعة 15 مليجرام ليلاً، هو دواء فعّال جدًّا لعلاج الأرق، وهو مُحسِّن للمزاج، ويُحمد له أنه يجعل الناس لا يترددون كثيرًا نحو الأطباء، وذلك من خلال القناعة بأن الجانب النفسي يلعب دورًا، يُضاف إليه عقار آخر يعرف علميًا باسم (سلبرايد) ويعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل)، هذا تتناوله بجرعة كبسولة صباحًا ومساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة صباحًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

هذه أدوية سليمة، أدوية جيدة، قليلة الآثار الجانبية جدًّا، ولا تُسبب الإدمان، وقطعًا الدواء يُمثِّل حوالي 30% من العلاج، أما بقية الـ 70% فتقوم على الحرص على التطبيقات السلوكية والاجتماعية - سالفة الذكر - المهم في نهاية الأمر: أن يكون الإنسان فعّالاً، الصحة النفسية الإيجابية اقترنت الآن - وحسب البحوث الحديثة - بفعالية الإنسان، وليست مشاعره وأفكاره، لأن الأفكار والمشاعر تتبدّل وتتغير، إذا كانت الأفعال إيجابية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً